بعد توليه أمانة المجلس الأعلى للثقافة فى وزارة د.عماد أبوغازى، كتبت عنه مدافعا ضد دعاوى البعض أنه «غير معروف» لدى المثقفين (ذلك الكيان الخيالى). بعد فترة استقال، واختفى الحديث عن وقت توليه أمانة هذا المجلس ودوره الوظيفى، وبقى الشىء الأعمق لديه « أدبه». فأجريت معه حوارا عن أعماله، وقلت وقتها بشىء من «التعالى» أنه «صاحب مشروع أدبى يقدره الكل بشكل ما»، وأنه ثبت أقدامه عبر عدة روايات، وكنت اعتبره من الظواهر الأدبية الجديدة، التى تشتهر وتلمع دون أن يكون لديها مشروع أدبى حقيقى، وعالم أدبى ممزوج بكتابة حلوة. لكنى الآن اكتشفت أنه «كاتب مجنون»، وتأكد لىّ ذلك، خلال حفل توقيع روايته «باب الخروج» بمكتبة الشروق بالزمالك. سأكتب عن الحفل، ثم سأخبرك لماذا عزالدين شكرى فشير «كاتب مجنون».
(1)
قبل بداية حفل التوقيع، تحدث الحضور عن حال مصر المؤسف، باستعداد ممتاز لمناقشة الرواية سياسيا، أو بالأحرى مناقشة المؤلف نفسه باعتباره أستاذا للعلوم السياسية، فرفض أغلبهم سواء بقصد أو بدون مناقشتها أدبيا رغم تأكيد الأديب الكبير بهاء طاهر، الذى حضر الحفل، وسط ضحك الحضور، أن الأدب لابد من قراءته فنيا لا سياسيا.
سبب الضحك أن المهندس إبراهيم المعلم كان يقول إن الأستاذ بهاء طاهر أكد له أن هناك تفجرا، خلال الآونة الأخيرة، فى المواهب الأدبية فى مصر، فدخل بهاء من باب المكتبة «على السيرة»، ليحضر الحفل الحاشد الذى حضره د.عماد أبوغازى، وزير الثقافة السابق، والكاتب جميل مطر عضو مجلس تحرير «الشروق»، والروائى إبراهيم عبدالمجيد، والكاتب عمادالدين حسين مدير تحرير جريدة «الشروق»، والإعلامى شريف عامر، والكاتب إبراهيم منصور مدير تحرير جريدة «التحرير»، والكاتبة رباب المهدى، ود. سامية محرز أستاذ الأدب بالجامعة الأمريكية، فضلا عن شباب الثورة ومنهم زياد العليمى، وأعضاء من حزب الدستور.
ثم أكمل المعلم أن هناك الكثيرين الذين يودون محبة لعز الدين فى تقديمه وإدارة الحفل، منهم الزميل الصحفى إيهاب الملاح، والكاتب وائل قنديل مدير تحرير الشروق، وبهاء طاهر، ثم تحدث المعلم عن نقطة أصبحت مسار تعليق كل الحضور من أن جائزة البوكر العربية التى تشرفت بفوز بهاء طاهر، لم يفز بها عز الدين حتى الآن، الذى يكتفى بوصوله إلى القائمة الكبيرة أو القصيرة.
وهنا علق بهاء طاهر: «أسعد كثيرا بظهور رواية جديدة لعزالدين. وحكاية البوكر شىء لا علاقة بالمستوى الأدبى، وإنما بحسابات غريبة، من أن الجائزة لابد أن تلف على البلاد العربية، رغم أن القيمة الأدبية هى الأساس، لا التقسيم الجغرافى».
ووجدها بهاء طاهر فرصة للحديث عن أن روايات عز الدين وغيره من الروائيين لا يجب قراءتها وفقا للتفسيرات السياسية، لأن الأدب تعبير عن وجهات نظر بشكل أكثر فنيا، من مقال سياسى هنا أو تحليل هناك.
أما وائل قنديل قال عبر سخريته الدائمة إن البوكر اختارته مرتين ولم يفز مثل نادى الزمالك الذى لا يفوز بأى بطولة ولكننا نحبه ونشجعه، واصفا الرواية بأنها عمل روائى فذ اقتربت من ثورة 25 يناير، ولم يكن مثل بقية الكتب التى ظهرت عن الثورة للاستهلاك فقط دون تقديم الجديد.
(2)
بعد أن تحدث مقدمو الحفل عن أهمية تحليلات فشير السياسية ورؤيته الواضحة والجديدة، قال عزالدين شكرى فشير إن روايته «باب الخروج» لا تتحول إلى رواية إلا مع القارئ، الذى هو شريك حقيقى لجعل الرواية رواية.
وذكر نقطتين وبعدهما تم فتح النقاش مع الجمهور. النقطة الأولى أن روايته مغموسة فى السياسة وقماشها سياسة، ولكن: «أدعوكم لقراءتها باعتبارها حكاية عن ناس وعن قضايا إنسانية». الثانية أنها: «مغامرة، فكنت أكتبها يوميا، لجريدة التحرير، عددا بعدد»، مشيرا إلى أنها مغامرة مماثلة لدى الناشر، دار الشروق.
(3)
وعلى كثرة أسئلة الحضور وتعليقاتهم، شد انتباهى تعليقان أبدأ بهما، متغافلا عن الترتيب الزمنى لأحداث الحفل.
التعليق الأول للقارئة رشا الجزار.. بدت خائفة بجد من أحداث الرواية، قائلة وهى مرتعبة: «هل هذه رواية فعلا أم تنبؤ بما سيحدث خلال الثمانى سنوات المقبلة؟».
التعليق الثانى كان من الدكتورة سامية محرز: «أحييك على المغامرة، وأعتبر أنها ورطة، وهى أن تكتب الرواية دون مسودة، فلم تكن لديك رفاهية المراجعة والعمل على المسودة».
ورد فشير على رشا الجزار، وهو يضحك: «أطمئنك أنها رواية، وأن كل شىء سيكون جيدا ولكن اعتبريها تحذيرات وإشارات خطر».
وقال لسامية محرز: «الحرمان من المسودة كان أحد جوانب المغامرة والورطة وأنا أكتب بتصور وخطة مبدئية واثناء الكتابة كل شىء يتغير. كنت أفضل طبعا وجود مسودة والعمل عليها ولكن المسودة كانت موجودة بشكل ما. وعندما انتهيت من النشر اليومى بالجريدة. وبدأنا نتحدث عن نشر الرواية مطبوعة، قرأت النص بالكامل، فقررت نشر الرواية المسلسلة دون تغيير سوى كلمة أو كلمتين فقط. وهذا هو التحدى وأنا موافق أن يحكم على الرواية وكأننى كنت أمتلك وقتا لكتابة مسودة، فما المانع من المغامرة وإذا لم يغامر الكاتب فمن يفعل؟».
ولعل هذا هو الخيط الأول لجنون الكاتب عز الدين شكرى فشير.
ثم توالت تعليقات الجمهور والرد عليها، وتخللها آراء من بهاء طاهر، والمعلم الذى أكد كثيرا على انتصار ثورة الشباب فى النهاية، مذكرا بليلة 24 يناير، حينما وقفت شابة تدعى منة وهى تسأل المفكر جلال أمين: «غدا سنقوم بثورة الساعة الثانية عصرا.. هل ستشارك معنا أم لا؟». ووقتها رد أمين: «أول مرة أشوف تحضير لثورة!».
من التعليقات أيضا التى تخص الرواية لا الواقع السياسى الراهن، سؤال من الكاتبة ليلى حافظ: «فى روايتك «أسفار الفراعين» كان لديك حالة إحباط ثم فى روايتك «باب الخروج» تشير إلى أنها رسالة مفعمة بالبهجة.. فلماذا؟».
ورد فشير عليها: «أسفار الفراعين كتبت سنة 1996 وهى وصف لحالة مغلقة وكئيبة. والشخصيات التسعة كان يدرون فى جو كابوسى. وكنت متأثرا مباشرة بتلك الفترة. ثم حدثت ثورة فى 2011، وهذا سبب البهجة التى أدعوها فى روايتى باب الخروج. وأنا كنت من الناس التى لم يكن لها أمل، ولكنى اكتشفت أن هناك شعبا وعقلية أخرى وقت الثورة وكان خطأ من جانبى أنى لم أر هذا الجانب المبهج فى الشعب المصرى».
وبخصوص العنوان الفرعى للرواية «رسالة على المفعمة ببهجة غير متوقعة»، وسؤال الكثيرين حول كيف نجد البهجة فى رواية مرعبة، تتحدث عن قتل وديكتاتور وإجهاض لثورة.
وهنا قال عز الدين شكرى الخيط الثانى لجنونه: «الذى لم يجد البهجة فى الرواية يقرأها مرة أخرى.. ويبحث عن البهجة».
على هامش الحفل
طغى على الحفل الكلام فى السياسة؛ خاصة التداخل بين رؤية فشير السياسية والأدبية:
● بهاء طاهر: بمناسبة الحديث عن السياسة والأدب، أود أن أحكى قصة الكاتب الفرنسى أندريه ماجرو الذى كان ماركسيا؛ فكتب رواية «الطريق الملكى»، لكن تروتسكى حلل الرواية وفقا للفكر الماركسى؛ وانتقدها، فرد عليه الروائى: «رؤيتى للحياة روائية وليس سياسية». أى رؤيته أوسع وأشمل وأعمق من الرؤية السياسية.
● عز الدين شكرى فشير: لا يجب قراءة الرواية باعتبارها نشرة تنبؤات للسنوات القادمة. ولا يجب الانشغال بالتسلسل الزمنى داخل الرواية: حكم عسكرى وحكم مدنى وحكم إخوان. التسلسل أقل أهمية. المبدأ واحد أنه لا يوجد طرف قادر على مواجهة التحديات الموجودة أو إسكات الطرفين الآخرين. «مش لازم تحدث حرب أهلية بينهم وإنما متوقع حدوث تفكك فى المجتمع. ولم أقل بحدوث حرب أهلية؛ وإنما إذا استمرت العقلية التى تحكم مصر بنفس المنطق، جائز أن يثور الناس مرة أخرى».
●إبراهيم المعلم: عز الدين شكرى فشير له رؤية مهمة فى تحليل الواقع السياسى. وله محاولات فى التوفيق بين القوى السياسية التى لها نفس الهدف، وهى بناء الديمقراطية. كما أجد أن تعليقات القراء أذكى بكثير من تعليقات النقاد.
«قصر الكلام».. الأخير لجلال عامر
صدر حديثًا عن دار الشروق، كتاب «قُصر الكلام» للكاتب الكبير الراحل جلال عامر، متضمنا مقالات الكاتب الساخر وتغريداته على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر». ويقع الكتاب، فى 500 صفحة.
جلال عامر يعد أشهر الكتاب الساخرين، والذى صدر له من قبل «مصر على كف عفريت» عن دار العين، توفى 12 فبراير سنة 2012 أثناء مشاركته فى مظاهرة حدث فيها هجوم من بلطجية على المتظاهرين، فلم يتحمل قلبه منظر قتال المصريين فسقط، وهو يردد عبارة «المصريين بيموتوا بعض».