تعتبر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من أقدم الكنائس الرسولية فى العالم إن لم تكن أقدمها على الإطلاق، ومن هنا أصبح الاهتمام بتاريخها وحضارتها كجزء أصيل من تاريخ مصر من ألزم الأمور لمعرفة تراثها الحضارى، وخلال تاريخ الكنيسة الطويل انتقل مقر الكرسى المرقسى الرسولى بين أكثر من مكان، فتعالوا بنا نتتبع رحلته من بداية الكرازة فى الإسكندرية حتى عصرنا الحالى، وسوف نبدأ بالمحطة الأولى فى هذه الرحلة. الإسكندرية: (61 - 1047م تقريبا) من الثابت تاريخيا ان القديس مارمرقس الرسول جاء إلى مدينة الإسكندرية عام 61م، وكان أول من آمن بالمسيحية شخص يدعى «انيانوس رسمه القديس مرقس» أول أسقف لمدينة الإسكندرية، واتخذ من منزله أول كنيسة بالإسكندرية، وبعد استشهاد القديس مرقس الرسول عام 68 م، دفن جسده الطاهر بكنيسة تدعى «بوكاليا» ومقرها الحالى هو الكنيسة المرقسية بمحطة الرمل، وأصبحت هى المقر الرسمى للآباء البطاركة. المحطة الثانية: كنيسة السيدة العذراء المعلقة: (1047 1320 ) مع بداية الحكم الفاطمى على مصر تم تأسيس مدينة القاهرة عام 969م وتم نقل النشاط التجارى إلى العاصمة الجديدة مما حدا بالبابا خريستوذولوس البطريرك 66 (1046 1077) بنقل الكرسى الباباوى إلى كنيسة السيدة العذراء الشهيرة بالمعلقة بمصر القديمة، ولقد كتب المؤرخ الانجليزى الشهير الفريد بتلر (1850 1936) عن كنيسة المعلقة فقال عنها: «إنها من أقدم الكنائس الباقية فى مصر، حيث يرجع تاريخها إلى القرن الثالث أو الرابع الميلادى، ولعل سبب تسميتها بالمعلقة يرجع إلى كونها مبنية على أنقاض حصن بابليون، وقال عنها المقريزى فى خططه تحت اسم كنيسة المعلقة: «بمدينة مصر، فى خط قصر الشمع على اسم السيدة، وهى جليلة القدر عندهم»، ولقد أستمرت الكنيسة المعلقة هى المقر الرسمى للكرسى الباباوى حتى عهد البابا يؤانس الثامن البطريرك 80 (1300 1320) باستثناء فترات قصيرة كان بعض الباباوات يلجأون إلى كنيسة أبى سيفين بمصر القديمة ويتخذونها كاستراحة بديلة. المحطة الثالثة: كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة (1320 1660م): وفى عصر البابا يؤانس الثامن البطريرك 80 (1300 1320م) تم نقل الكرسى البابوى من كنيسة السيدة العذراء المعلقة إلى كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة، التى تأسست عام 350م، وعنها قال العلامة المقريزى: «كنيسة عظيمة عند النصارى، وهى على اسم السيدة»، كما قال عنها على باشا مبارك: «إنه كان بحارة زويلة كنيسة عظمى جد بها من الأبنية المشيدة والأحجبة المطعمة بالعاج والآبنوس والتصاوير والنقوش المذهبة من عمل الصناع والمصورين المصريين الأقباط.. وكان فى هذه الحارة كنيسة أخرى غاية فى اللطف»، أما المؤرخ الإنجليزى بتلر فقال عنها «هى بلا شك أقدم كنيسة فى مدينة القاهرة»، وهى تقع على مسافة 14 قدما تحت مستوى المبانى المجاورة حاليا، وهذا يبرهن ما فيه الكفاية على أنها أثرية، أما طولها فيبلغ نحو 60 قدما، ولقد أشار بتلر فى كتابه إلى «الأيقونة العجائبية» وهى تمثل السيدة العذراء حاملة السيد للسيد المسيح فى منظر نصفى بين فروع شجرة تنبع من ظهر يسى وحولها الأنبياء داخل دوائر. المحطة الرابعة: كنيسة السيدة العذراء المغيثة بحارة الروم (1660 1799): وفى عصر البابا متاؤس الرابع البطريرك 102 (1660 1675م) تم نقل الكرسى البابوى إلى كنيسة السيدة العذراء بحارة الروم، وهى كنيسة أثرية تقع فى منطقة الغورية بالدرب الأحمر، وعنها قال العلامة المقريزى فى خططه «هى كنيسة تعرف بالمغيثة بحارة الروم القاهرة على اسم السيدة مريم»، ولقد لقبت ب(المغيثة) تبركا بالسيدة العذراء، التى تنجى وتغيث كل من كان فى شدة ويلجأ إليها طالبا صلواتها وشفاعتها. المحطة الخامسة: الكنيسة المرقسية الكبرى بالأزبكية (1799 1971) ثم قام البابا مرقس الثامن بنقل الكرسى الباباوى من حارة الروم إلى الكنيسة المرقسية الكبرى بالدرب الواسع، ولقد أهتم ببنائها المعلم إبراهيم الجوهرى «وهو من كبار أغنياء القبط فى القرن الثامن عشر، اشتهر بالتقوى والصلاح». وبالفعل تم تكريس الكنيسة للصلاة فى 14 سبتمبر 1800على يد البابا مرقس الثامن. المحطة السادسة والأخيرة: الكاتدرائية المرقسية بالعباسية (1971 ......) وفى عصر البابا كيرلس السادس وبالتحديد فى 24 يوليو 1965 تم وضع حجر الأساس للكاتدرائية المرقسية الجديدة بأرض الأنبا رويس بالعباسية فى حضور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وتم إفتتاحها رسميا للصلاة فى 25 يونية 1968 فى حفل مهيب حضره الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وجلالة الإمبراطور هيلاسلاسى إمبراطور إثيوبيا الراحل، وفى هذه الكاتدرائية أيضا تمت صلاة التجنيز على روح قداسة البابا كيرلس السادس فى 10 مارس 1971، كما تم تجليس البابا شنودة الثالث البطريرك الحالى عليها فى 14 نوفمبر 1971، ولقد عرفت هذه الأرض فى كتب التاريخ ب«دير الخندق» وعنه قال العلامة المقريزى فى خططه وتحت كلمة «دير الخندق»: «ظاهر القاهرة من بحريها عمره القائد جوهر عوضا عن دير هدمه كان بالقرب من الجامع الأقمر، حيث البئر التى تعرف الآن ببئر العظمة، وكانت إذ ذاك تعرف ببئر العظام من أجل أنه نقل عظاما كانت بالدير وجعلها بدير الخندق ثم هدم دير الخندق فى رابع عشر شوال سنة ثمانى وسبعين وستمائة فى أيام المنصور قلاوون، ثم جدد هذا الدير الذى هناك بعد ذلك، وعمل كنيستين يأتى ذكرهما فى الكنائس»، وفى باب الكنائس وتحت كلمة «كنيستا الخندق» كتب يقول: «ظاهر القاهرة، إحداهما على اسم غبريال الملاك، والأخرى على اسم مرقوريوس وعرفت برويس، وكان راهبا مشهورا بعد سنة ثمانمائة، وعند هاتين الكنيستين يقبر النصارى موتاهم، وتعرف بمقبرة الخندق». وجاء عنها فى الخطط التوفيقية لعلى باشا مبارك فى الجزء السادس ص 230 (هى بدير الأنبا القديس فريج المعروف الآن بدير الأنبا رويس، وهو دير الخندق الذى ذكره المقريزى، وكان أبورويس هذا عابدا زاهدا معتبرا لدى قومه توفى 1121 للشهداء الموافقة 1405 مسيحية ودفن بالدير المذكور».