استعرضت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية كيف كان رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو الفائز من المعركة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقائد مجموعة فاجنر الروسية العسكرية الخاصة يفجيني بريجوجين. وذكرت المجلة الأمريكية خلال تحليل نشرته عبر موقعها الإلكتروني أنه كانت هناك أجواء من الحماس القلق في مكاتب المعارضة البيلاروسية في فيلنيوس ووارسو نهاية يونيو الماضي مع إقدام زعيم فاجنر على تمرد ضد نخبة الكرملين وزحفه نحو موسكو. وبدا أن المشاكل داخل روسيا قد تبقي بوتين منشغلا، وتترك حليفه في مينسك يدافع عن نفسه. وأضافت أنه للمرة الأولى خلال ثلاثة أعوام، منذ أجبر لوكاشينكو قادة المعارضة على العيش في المنفى، كان هناك أمل حذر حول أنهم ربما يجدون الفرصة التي كانوا يبحثون عنها للشروع في انتفاضة، والإطاحة به. وتابعت: "لكن لم تدم تلك البهجة طويلا، وتحطمت طموحاتهم، مرة أخرى، بسبب لوكاشينكو نفسه، الذي توسط بين بوتين وبريجوجين في 24 يونيو، ووضع نهاية للتمرد. وبحسب "فورين بوليسي"، فقد لعب لوكاشينكو دور رجل دولة، والحليف المخلص، وتفاخر أمام مسئولي الأمن البيلاروسيين عند مشاركة مقتطفات من حديثه مع الرئيس الروسي: "قلت لبوتين: نعم يمكننا القضاء عليه، لن تمثل هذه مشكلة، إذا لم يفلح الأمر في المرة الأولى إذا ستكون الثانية. قلت له: لا تفعل ذلك، لأن بعد ذلك لن تكون هناك مفاوضات وسيكون هؤلاء الرجال مستعدين لفعل أي شيء". وربما لن يتوقف لوكاشينكو عن التفاخر بإنقاذه للموقف من أجل الكرملين، لكن يعتقد الساسة والمحللون البيلاروسيون أن تدخله ينطلق من مصلحة ذاتية، حيث يدرك لوكاشينكو أن عدم الاستقرار في روسيا سيمتد إلى بيلاروسيا مما يهدد حكمه. ويقول البعض إنه يدين ببقاءه إلى بوتين، الذي طمأنه بتعزيزات عسكرية في خضم احتجاجات حاشدة عام 2020 وأرسل إليه قرضا بقيمة مليار ونصف دولار لتعزيز موقفه. وتابعت أنه إذا خرجت هذه القوى المطالبة بالديمقراطية مجددا، يعلم لوكاشينكو إن لديه حليف واحد فقط. وقال محللون إنه من خلال حماية فاجنر من غضب بوتين والسماح لهم بالتواجد في بيلاروسيا، فتح فرصا أخرى أيضًا، بينها الشراكة مع فاجنر في "نهب" الموارد في أفريقيا واستخدام المرتزقة كطبقة حماية شخصية أخرى داخليا، على حد تعبيرهم. وبحسب "فورين بوليسي"، في حين كانت هناك تفسيرات متنوعة لمدى ضخامة الدور الذي لعبه لوكاشينكو في إنهاء التمرد في روسيا، كان هناك إجماع على أنه كان منخرط في الأمر مباشرة. ومنذ توسط لوكاشينكو في الاتفاق، ازدادت شعبيته زيادة كبيرة. وطبقًا لاستطلاع أجراه مركز "ليفادا" في الأول من يوليو الجاري، بعد أسبوع من توسطه في الاتفاق، كان لوكاشينكو ثاني أشهر سياسي في روسيا، بعد الرئيس الروسي. وارتقى لوكاشينكو، الذي كان يؤمن إيمانا راسخا في الاتحاد السوفيتي، من بدايات متواضعة (نائب رئيس مزرعة جماعية) إلى منصب الرئيس. وفي عام 1999، عندما وافق على معاهدة تشكيل دولة اتحاد روسياوبيلاروسيا، أمل في أن يصبح رئيسا لروسيا الاتحادية وبيلاروسيا. لكن في النهاية، اختار الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن بوتين ليكون خليفته. وكان متشككا في أن بوتين ربما يطيح به في أحد الأيام، وقام في بعض الأوقات بمبادرات تجاه الغرب. وبحسب "فورين بوليسي"، يحتاج بوتين إلى لوكاشينكو أيضا. وبينما شن الحرب على أوكرانيا، اعتمد على حليفه الوحيد في المنطقة لنشر القوات الروسية وتهديد الغرب بأنه سينقل أسلحة نووية تكتيكية روسية إلى بيلاروسيا التي تتشارك حدودا مع دول حلف شمال الأطلسي (الناتو). لكن لوكاشينكو يعتمد على نية بوتين الحسنة، التي ربما خاطر بها من خلال حركته الأخيرة. وفي البداية توجه بوتين بالشكر إلى نظيره البيلاروسي، لكن بدا لاحقا أنه يقلل من دوره من خلال منح قوات الأمن الروسية الفضل في وقف "حرب أهلية". وفي محاولة لإظهار الاستعداد لاستضافة فاجنر، سمح لوكاشينكو للصحافة المستقلة برؤية آلاف من الخيام المقامة في قاعدة عسكرية غير مستخدمة، لكن بعد أسبوعين من وساطته في الاتفاق، ظلت شاغرة، ويتواجد مقاتلو فاجنر، إلى جانب قائدهم، في روسيا في محاولة لإبرام اتفاق مع الرئيس الروسي.