رواتب الألمان فى مجلس التخطيط المركزى بلغت 13 ألف جنيه أو 411 ألف جنيه إسترليني شهريا صمت حكومة ألمانياالغربية على وجود خبراء من مواطنيها لمساعدة الحكم فى مصر أغضب بريطانيا المخابرات البريطانية: استعانة القاهرة بأفضل العقول الألمانية خطر كبير على الوجود البريطانى فى مصر عبدالناصر تعامل مع مساهمة الخبراء الألمان كمجرد جزء من خطة أشمل لإعادة هيكلة القوات المسلحة لم تحتج ثورة 32 يوليو لوقت طويل حتى تبدأ رحلة الاستعانة بالخبرات الألمانية التى كانت متاحة لأغلب دول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فخلال أيام قليلة من قيام الثورة أسست الحكومة هيئة باسم مجلس التخطيط المركزى لتنسيق برنامج إعادة بناء القدرات العسكرية للدولة، لأن «بناء جيش وطنى قوى» كان أحد الأهداف الستة المعلنة لثورة يوليو. ووقع اختيار الحكومة المصرية على الضابط الألمانى السابق فى قوات الأمن الخاصة النازية شوتشز شتافل (إس. إس) الدكتور فريتس فيلهلم فوس رئيس مجلس الإدارة السابق لشركة هيرمان جويرنج فيركه الألمانية لاستخراج خام الحديد، ورئيس مصنع سكودا فيركس للذخيرة أثناء الحرب العالمية الثانية، وظيفة مدير المجلس ومستشار وزارة الحربية، وهو ما وافق عليه الضابط الألمانى. ووصف دكتور فوس مهمته فى مصر بقوله «الألمان موجودون فى مصر لمساعدتها فى بناء المصانع وإجراء البحوث وتدريب قواتها فى البر والبحر والجو». كان هيكل مجلس التخطيط المركزى بسيطا، ويتكون من عنصرين أساسيين. الأول تحت رئاسة فوس مباشرة، ويتولى العمل فى المجال العسكرى بدعم من الجنرال فيلهلم فاهرمباخر جنرال المدفعية المخضرم فى الجيش النازى سابقا والذى حارب فى غرب فرنسا حتى نهاية الحرب. كانت مهمة فوس الرئيسية هى تشكيل وتوجيه مجموعة استشارية وبخاصة فى مجال أبحاث وتصنيع الأسلحة. أما العنصر الثانى فتمثل فى مهمة فاهرمباخر لتدريب القوات البحرية والقوات شبه العسكرية ووحدات حرب العصابات فى مصر. وأدرك البريطانيون وبشكل صائب أن فوس سيكون العنصر الأهم والأقوى تأثيرا على مجلس قيادة الثورة فى مصر، من خلال قيادته لمكتب تخطيط عسكرى. وكان هناك نشاط ثالث أقل تنظيما ولا يتم توجيهه بشكل مباشر من مجلس التخطيط المركزى، وهو استقطاب أسرى الحرب الألمان السابقين والمرتزقة الذين قد لا يعملون بشكل مباشر تحت قيادة الجنرال فاهرمباخر ويستخدمهم المصريون فى مهام التدريب وأحيانا فى قيادة مجموعات حرب العصابات التى تستهدف قواعد الاحتلال البريطانى فى منطقة قناة السويس. فى البداية اعتقد البريطانيون أن مجلس التخطيط المركزى يضم حوالى 80 ألمانيا، وفقا للتقارير التى قالت إن المصريين يدفعون رواتب شهرية لهؤلاء الخبراء بإجمالى 13 ألف جنيه مصرى (411 ألف جنيه إسترلينى بأسعار صرف ذلك الوقت). وتم تعديل التقديرات البريطانية لزيادة الأعداد فيما بعد. وكانت عملية استقطاب الألمان للعمل فى مصر تتم من خلال القنصل العام لمصر فى مدينة فرانكفورت بالتنسيق مع بعثة توظيف ألمانية. كانت التقديرات البريطانية تقول إن عملية التوظيف لا تشمل أيا من الألمان الشرقيين وأن معرفة حكومة ألمانياالغربية بها محدودة، وإذا كانت لديها أى معرفة بها فإنها لا تملك أى طريقة للسيطرة عليها. وأصبح جهل حكومة ألمانيا الاتحادية (الغربية) بالأحداث التى يشارك فيها مواطنوها فى مصر ودورهم كمستشارين عسكريين، وغياب الإرادة لدى هذه الحكومة للتصدى لهذه المشاركة فى كل الأحوال، قضية أساسية فى العلاقات بين بريطانياوألمانياالغربية. وفى الوقت المناسب كانت هذه النقطة الغامضة موضوعا للنقاش فى اجتماع عقد فى لندن يوم 5 مايو 1953 بين رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل والمستشار الألمانى كونراد أدناور، حيث تعهد أدناور فى النهاية بمحاولة إحداث بعض التأثير العرضى على عمل المستشارين العسكريين الألمان فى مصر، رغم أن الموقف الرسمى لألمانيا كان يرى أن هؤلاء مواطنين ألمان عاديين يعملون فى مصر وفق عقود تجارية خارجية بحتة. كما هو الحال فى الكثير من علاقات العمل الاستشارى للألمان فى مصر، شهدت العلاقة بين النظام العسكرى الجديد فى مصر والدكتور فيلهلم فوس صعودا سريعا، وسعادة من جانب المصريين فى البداية، قبل أن تستقر العلاقة فى 1954، ثم بدأت التدهور فى يوليو من نفس العام، نتيجة تزايد الخلافات وخيبة الأمل لديه. كان فوس شخصية منظمة وإداريا صناعيا من الوزن الثقيل، يستطيع التفكير فى الصورة الكبيرة ككل، مع قدرة مذهلة على الإلمام بالتفاصيل، وهى مهارة لم تكن الثقافة الإدارية المصرية ترحب بها بشكل كبير فى ذلك الوقت. تولى فوس قيادة مجموعة أولية تضم حوالى 30 عالما ومتخصصا فى الأسلحة وخبيرا تقنيا فى الموجة الأولى لوصول الألمان لمصر. تم توظيفهم فى عدة مجالات لصناعة الأسلحة الناشئة فى مصر كمستشارين للإدارة التابعة لوزارة الحربية. وإلى جانب الوزارة تأسست منظمة (FAG) أو «مجموعة العمل المادى» عام 1951 لكى يتم من خلالها تمرير أنشطة التصنيع العسكرى. وفى عام 1955 قدم البريطانيون للأمريكيين قائمة بأسماء خبراء التسليح فى فريق فوس ومنهم عالم الصواريخ دكتور رولف إنجل وكورت هاينش الذى عمل فى برنامج تطوير الصاورخ الألمانى فى 2 بمدينة بينمونده الألمانية وخبير الكيماويات والمواد شديدة الانفجار البروفيسور دكتور جورج رومر وخبير الصواريخ الباليستية والذخائر دكتور إتش أندريا، الذى كان يعمل فى وقت الحرب بوزارة الإنتاج الحربى الألمانية ومستشارا لمجموعة آى. جى فاربن 7 الصناعية الألمانية العملاقة. ورغم خبراته وكفاءته كان فوس شخصية قادرة على الاستقطاب مما خلق له أعداء أقوياء داخل النظام المصرى الجديد ومنهم جمال عبدالناصر شخصيا الذى أصبح رئيسا لمصر بعد ذلك. وبحسب عميل سابق للمخابرات العسكرية الألمانية فى القاهرة، اصطدم فوس مع الكولونيل إرنست زولينج المستشار الرئيسى للشئون المخابراتية فى مجلس التخطيط المركزى، ليتم إبعاد زولينج فى أوائل 1954، فى حين تم تكليف فوس بإيجاد بديل له منذ أكتوبر 1953. واختار فوس الدكتور يواكيم ديوملنج الضابط السابق فى جهاز الأمن الخاص إس. إس والمؤسسة الأمنية للحزب النازى التى كانت تدير الجيستابو. وتم تعيين ديوملنج فى وزارة الداخلية المصرية حيث تعاون مع زكريا محيى الدين رئيس أول جهاز مخابرات مصرى. وبحسب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية حظى عمل ديوملنج بإشادة بالغة من زكريا محيى الدين الذى استفاد منه، فى الوقت الذى كانت موازين القوة داخل النخبة الحاكمة فى مصر تتغير، مع الإطاحة باللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية وتعيين جمال عبدالناصر خلفا له عام 1954. من ناحيته حرص ديوملنج على إبقاء وجوده فى القاهرة بعيدا عن الأضواء وخارج رؤية قوات الحلفاء بأقصى درجة ممكنة. وبعد ذلك لحقت به زوجته ليزلوته وابنتاه إنجرون وجراوكيند جيزيلا فى مصر. وفى عام 1953 عرض فوس فكرة تشكيل منظمة شبابية موالية لعبدالناصر على غرار منظمة شباب هتلر، بالإضافة إلى إقامة جهاز أمنى مصرى كامل، وهو ما تم تنفيذه بالفعل من خلال إنشاء منظمة الشباب الاشتراكى عام 1963. واعتبر عبدالناصر مساهمة هؤلاء الخبراء الألمان مجرد جزء من خطة أشمل لإعادة هيكلة القوات المسلحة. وخلال شهور قليلة من قيام ثورة يوليو شجع عدد كبير من الضباط المصريين المعلمين الذين كانوا يدرسون الأساليب العسكرية والإجراءات التقليدية على التقاعد المبكر، فى حين رفع أجور الضباط المستمرين فى الخدمة، كما حسن أجور وظروف عمل الضباط والأفراد، وجعل العمل فى القوات المسلحة أكثر جاذبية بشكل عام. كما أطلق برنامجا شاملا لتحسين البنية التحتية العسكرية بما فى ذلك إقامة مصانع جديد للذخيرة والطائرات، وأرصفة مرافئ جديدة للقوات البحرية. كان دور هؤلاء الألمان محددا بدقة كمستشارين وهو ما قلص تأثير هؤلاء الجنود المحترفين وخبراء التسليح على المدى الطويل. فلم يكن «الألمانى» كما كان الضباط المصريون يطلقون على الخبير الألمانى، يمتلك أى سلطة تنفيذية ولا تفويض مباشر لتنفيذ أو تطبيق التوصيات التى يقدمها. لذلك وكما هو الحال بالنسبة لجميع الاستشاريين، كان الألمان فى المراكز العليا يكتبون التقارير ويحضرون الاجتماعات والمؤتمرات ويضعون الاستراتيجيات ويقدمون المشورة بشأن أفضل الممارسات وبرامج التدريب ويتابعون التدريبات، دون أن يكون لهم دور واضح فى ضمان تنفيذ تلك المشورة. وتعرض دور الدكتور فوس ككبير المستشارين الفنيين للحكومة المصرية ورئيس مجلس التخطيط المركزى لضغط شديد عام 1954. فى يونيو من ذلك العام، نشرت مجلة دير شبيجل الألمانية مقالا ضارا بشدة عما قالت إنها لعبة مزدوجة يمارسها فوس بتعاونه مع البروفيسور فالتر هالشتاين وزير الدولة للشئون الخارجية فى حكومة ألمانياالغربية. وادعت المجلة أن علاقة فوس وهالشتاين تضر بالعلاقات الألمانية البريطانية وكذلك بالعلاقات الألمانية المصرية. وأبرزت المجلة ما وصفته بالشقاق المتزايد بين مكتب التخطيط المركزى وحكومة الضباط الأحرار وبخاصة عبدالناصر. فنظرا لأن فوس كان يرتبط بعلاقات جيدة مع اللواء محمد نجيب، أصبح واضحا أن البكباشى جمال عبدالناصر يفضل التعامل مع السفير الألمانى. وبعد استيلاء عبدالناصر على السلطة فى نوفمبر 1954، تراجع نفوذ الدكتور فوس، واستغنى الحكام الجدد عن الكثيرين من الخبراء الألمان الذين قدر عددهم فى ذلك الوقت بحوالى 60 خبيرا. وتعامل البريطانيون مع تقرير دير شبيجل بجدية نظرا لقوة مصادره، وإشارته إلى الخلاف بين فوس وعبدالناصر وكشفه عن وجود مراسلات مباشرة بين فوس وهالشتاين. كما أشاروا إلى تدهور العلاقة بين عبدالناصر وفوس للدرجة التى قيل فيها إن ناصر قال عن فوس «إنه كاذب ويمكنك قول هذا على لسانى». وإلى جانب فوس كان هناك الجنرال فيلهلم فارمباخر الذى كانت كل بوصة فى بنيانه وهيئته تقول إنه قائد عسكرى فى الجيش الألمانى فى زمن الحرب. وبمعطفه الجلدى وقبعته المشدودة، كان جنرال المدفعية بملامحه القاسية وهيئته الصارمة مرتديا وسام الفارس الصليبى الحديدية على ياقة سترته العسكرية، يتفق تماما مع الصورة النمطية التى سادت لضباط الجيش الألمانى الكبار أثناء الحرب العالمية الثانية. وبعد خمس سنوات أو أكثر من انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبح فارمباخر عضوا رئيسيا فى مكتب التخطيط المركزى بالقاهرة. واستقر فى مكتب مترب فى ثكنة عسكرية مترامية الأطراف فى ضاحية مصر الجديدة شمال القاهرة، حيث كان عليه إعادة تركيز مواهبه لتشكيل القوات البرية المصرية. وفى 13 ديسمبر 1952 أى نفس عام وصوله إلى مصر، أجرت وكالة أنباء أسوشيتد برس مقابلة مع الجنرال فارمباخر القليل الكلام إلى جانب الدكتور فوس. وكتب مراسل أسوشيتد برس إن «فارمباخر ذا الشعر الأبيض الذى يتحدث بهدوء، يبدو مهتما بشكل أساسى بتدريب الوحدات المصرية فى الميدان، إنه يتحدث بفخر عن أبنائه قائلا «الجيش المصرى لائق الآن». والتقى الجاسوس الإسرائيلى أبراهام سايدنفيرج الذى كان يعمل فى مصر تحت اسم «بول فرانك» مع فارمباخر لأول مرة فى مكتبه فى أحد مقار القيادة العامة للجيش المصرى بالقرب من مصر الجديدة حيث كان «مملوءَ الخرائط والملفات الحكومية والوثائق وجو من الجدية» فى فبراير 1954. وأشار فارمباخر فى حديثه مع الجاسوس الإسرائيلى الشاب إلى أن الجيش المصرى يحتاج إلى عمل كبير لكى يتحسن أداؤه. وتحدث الجنرال ذو العيون الزرقاء والشعر الأبيض، بحماس شديد عن خططه لتكوين قوة ضاربة مصرية تتكون من 15 فرقة، على غرار هيكل جيش جمهورية فايمار الألمانية حتى 1933. لكن فارمباخر قال إن المهمة صعبة لأن «مصر تحتاج إلى ما بين 7 و8 سنوات أخرى قبل أن تتمكن من توفير الجوانب اللوجيستية اللازمة لمثل هذه المجموعات القتالية الكبيرة. وحتى ذلك الوقت، أعتقد أنه يمكن تكوين مجموعات أصغر، لا تزيد عن قوة لواء لكى تتعامل بخبرة مع الأسلحة الحديثة القليلة المتاحة لهم. ومنذ البداية أصبح فارمباخر شخصية موثوقة لدى السلطات فى مصر، ويعمل بدعم فريق يضم مجموعة من اللاعبين الجادين بما يكفى لإثارة قلق البريطانيين الذين ما زالوا يقيمون تأثير الخبراء الألمان على العمليات البريطانية على طول منطقة قناة السويس. ومن بين الشخصيات المهمة التى عملت معه الجنرال أوسكار مونزيل القائد السابق لوحدة مدرعات ومستشار حرب المدرعات، والكولونيل ألبرت برايرلاين مستشار تدريب المشاة والميجور جيرهارد ميرتينز مستشار قوات المظلات، والكولونيل إرنست زولينج الضابط السابق فى الفيلق الأفريقى والخبير فى الملاحة الصحراوية والذى انتقل للحياة فى القاهرة مع زوجته إليزابيث. وكان الميجور جنرال أوسكار مونزيل الرجل الثانى فى فريق فارمباخر فى مصر، حيث أمضى 4 سنوات متعاقدا مع وزارة الحربية المصرية. لم يكن مونزيل مهيئا ولا سعيدا بالظروف التى وجدها فى مصر، بما فى ذلك تشكيل وتدريب وموارد وحدات الدبابات. وفى خطاب من السفارة البريطانية بالقاهرة إلى وزارة الخارجية يوم 6 فبراير 1953، لخص مكتب الأرشيف العام محادثة بين الملحق العسكرى البريطانى والجنرال مونزيل، حيث أكد فيها الجنرال الألمانى أنه لا يعتزم تجديد عقده مع الحكومة المصرية عندما يحين موعد التجديد. وأعطى مونزيل انطباعا بأن المستشارين الألمان ليس لديهم أية صلاحيات تنفيذية، وأنه يرى أن محاولة تدريب المصريين على الأسلحة والمعدات الحديثة أشبه بإضاعة الوقت. كما أعرب عن اعتقاده بأن الجيش المصرى يتدرب بالفعل على محاربة الإسرائيليين، وليست لديه أى نية لكى يشارك فى صراع أوسع نطاقا ضد الاتحاد السوفيتى. كما صدمته مشاعر مرارة المصريين تجاه بريطانيا. وترك مونزيل عمله لدى الحكومة المصرية بعد مواجهة شخصية مع عبدالناصر، دق خلالها بيده على المنضدة قبل أن يندفع خارجا من المكتب. وبعد رحليه حل محله جنرال وخبير ألمانى آخر فى معارك الدبابات هو إرنست جونتر جيرهارتس الذى أصبح الوحيد المتخصص فى معارك الدبابات فى مجموعة المستشارين الألمان، والخبير الرئيسى فى مدرسة الدبابات بالجيش المصرى. كانت القوات البحرية المصرية فى أوائل الخمسينيات ضعيفة أو على الأقل الشريك الأصغر فى القوات المسلحة المصرية، وكان نادرا ما تظهر سفنها خارج الموانئ، ويفتقد بحارتها للوجاهة والأهمية العسكرية. وفى حين لم يكن لدى البحرية المصرية قوة ضاربة كبيرة، فإنها كانت تستطيع حشد 10 فرقاطات و3 زوارق دورية مسلحة و7 كاسحات ألغام ساحلية و17 لنش طوربيد. وكان البريطانيون يرون أن فوة البحرية المصرية فى أى نزاع تكاد لا تذكر، وذلك بعد خسارتها لمنشآت التدريب البريطانية وسحب الضباط المدربين البريطانيين وتدهور حالة معداتها. وكان الرجل الذى تم تكليفه بإعادة بناء البحرية المصرية كابتن بحرى سابق ونبيل ألمانى وهو القبطان بحرى البارون تيدور فرايهر فون بيختولشيم. وجاء البارون فون بيتولشيم إلى مصر بعد الحرب بحثا عن عمل مستقر، بعد سنوات من المعاناة والسجن والاستجوابات من جانب قوات الحلفاء منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فبعد الحرب وضع فون بيختولشايم تحت التحفظ يوم 24 مايو 1945 على متن السفينة أورانفونتاين بمدينة كيل الألمانية. وتم نقله إلى سجن جيل واستجوابه من جانب اثنين من الضباط البحريين. وبعد ذلك خضع لمزيد من الاستجواب وتنقل بين معسكرات الاحتجاز فى الوقت الذى كان الحلفاء يحاولون استخراج المعلومات منه بشأن ثلاثة عملاء ألمان كان مصيرهم ما زال مجهولا، وهم هاينز ستال وفيلى بالوف وألبرت لاديز إلى جانب المزيد من التفاصيل بشأن عمله فى البحرية، دون جدوى حتى تم إطلاق سراحه. وبعد إطلاق سراحه اختفى فون بيختولشايم فى أجواء الفوضى الاقتصادية والتحرر التى سادت ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن فى مارس 1952، ظهر مرة أخرى على رادار أجهزة المخابرات عندما اعترضت خطابا أرسله من عنوان فى مدينة الإسكندرية إلى زميله السابق فى البحرية بمدينة هامبورك الأدميرال مايسل. فى ذلك الوقت نجح فى تجاوز الحواجز وانضم إلى بعض زملائه السابقين كمستشار عسكرى فى مصر. كشف هذا الخطاب قدرا من مشاعر الإحباط التى يشعر بها فى وظيفته الجديدة حيث قال «هنا على المرء أن يتصرف بطريقة أبطأ كثيرا مما كان يحدث فى ألمانيا، الإهمال الشرقى أزعجنى مرارا وتكرارا، فى حين أن المصريين يكتفون عند كل خطأ بهز رأسهم والقول «معلش». وعندما لحقت به زوجته وأبناؤه فى مصر، أصبحت الحياة مريحة له بشكل عام، لكن كان عليه البقاء متيقظا لحماية ابنته البالغة من العمر 19 عاما من محاولات «أبناء الجنوب» (الشباب المصرى) إغواءها. وفى إطار دوره كمخطط للبحرية المصرية، تولى مهمة تعليم ضباط البحرية مهارات جديدة، وكان لديه 3 مهندسين متخصصين فى الطوربيدات والألغام وأحواض بناء السفن لمساعدته. واعتقد البريطانيون فى ذلك الوقت، أنه بينما كان كل الألمان المتواجدين فى مصر، يتمتعون بالكفاءة فى مجالاتهم، فإنهم لم يتمكنوا من تحقيق أى شىء، وأظهرت تقاريرهم إحباطا وخيبة أمل متزايدة. وردا على سؤال عن مدى فاعلية دور المستشارين الألمان فى مصر حتى 1953، أوضحت رئاسة الأركان البريطانية، أن المصالح البريطانية تعرضت لبعض الضرر وقد يزيد هذا الضرر بسبب الوجود الألمانى. وكتبت رئاسة الأركان فى تقريرها «إن هذا المزيج الغريب بين ديكتاتورية عسكرية ومستشارين من عرق ذى طبيعة استبدادية، سيزيد نفوذ هؤلاء المستشارين». وكرؤية مستقبلية واضحة، قالت رئاسة الأركان البريطانية إن بعض المستشارين الألمان منخرطون فى تدريب وتجهيز القوات المصرية والقوات شبه العسكرية والقوات البحرية الصغيرة للقيام بعمليات تخريب وإرهاب واغتيالات ضد القوات البريطانية فى مصر. ورغم أنهم لا يشغلون أى مناصب تنفيذية فى الجيش، توقع البريطانيون قيادة الألمان لبعض وحدات الفدائيين المصريين فى تنفيذ العمليات. ومن الشخصيات الألمانية التى يقول المؤلف إنها لعبت دورا مهما فى التجربة المصرية بعد ثورة يوليو المفكر خبير الدعاية النازى يوهان فون ليرز، الذى انتقل للحياة فى القاهرة أوائل 1956، وتم تعيينه كمستشار سياسى لإدارة الإعلام الحكومية (مصلحة الاستعلامات) التابعة لوزارة الإرشاد القومى، حيث كانت مهمته تعزيز قوة برنامج الإعلام المناهض لإسرائيل. وتقول مذكرة للمخابرات المركزية الأمريكية تحمل تاريخ 12 مارس عام 1956 بعنوان «الأنشطة الدعائية للدكتور يوهانس فون ليرز ضد إسرائيل وألمانيا العربية» إن السفارة المصرية فى الأرجنتين بدأت فى ذلك الوقت الاتصالات مع ليرز وطلبت منه إنتاج بعض الموضوعات الدعائية المعادية لإسرائيل فى الأرجنتين لصالح الحكومة المصرية. وتتباين الروايات حول كيفية بدء الاتصالات بين فون ليرز وحسن فهمى إسماعيل. إحدى الروايات تقول إن الاتصال رتبه الحاج أمين الحسينى الذى انتقل بعد الحرب العالمية الثانية من برلين إلى القاهرة لتجنب الملاحقة والمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب فى دول البلقان. وتقول رواية أخرى إن ألمانى فى المنفى يدعى بول شميتس والذى كان يعيش باسم مستعار هو عبدالمجيد أمين، قدم فون ليرز شخصيا إلى مسئولى السفارة المصرية بيونس أيرس. وقال عبدالمجيد أمين الذى كان معلما للغة الألمانية فى جامعة القاهرة إنه كان مسئولا عن قدوم ليرز إلى مصر باعتباره صديقا قديما له، ووصف ليرز بأنه «صديق مخلص للإسلام». ولعب ليرز دورا رسميا فى تشكيل آلة الدعاية المصرية وصقل جهود عبدالناصر لتوسيع النفوذ الأيديولوجى فى الشرق الأوسط فى مرحلة ما بعد الاستعمار، ودول عدم الانحياز حتى منتصف ستينيات القرن العشرين. ويشير المؤلف دون الاستناد إلى مصادر محددة إلى أن فون ليرز احتل مكانة جيدة لتقديم المشورة لعبدالناصر، فى بناء القصة التى تم استغلالها بنجاح فى الحالة النفسية الشعبية والمشاعر المناهضة للاستعمار أثناء العدوان الثلاثى على مصر فى نوفمبر 1956. كما كان دوره واضحا فى إنتاج الفيلم المعروف «العدوان الأنجلو فرنسى على مصر»، الذى وزعته مصر فى ديسمبر 1956 عقب انسحاب بريطانيا من بورسعيد.