انضمت كرواتيا للاتحاد الأوروبي قبل عقد من الزمان، لتصبح العضو 28 في التكتل، وأنجزت البلاد أهدافها الاستراتيجية، ولكن العضوية أدت إلى استنزاف سكاني، وفي نفس الوقت تقبع الدول المجاورة لكرواتيا داخل قاعة الانتظار. وبعد 10 سنوات من الترقب، جاء انضمام كرواتيا للاتحاد الأوروبي في الأول من يوليو 2013، ليمثل أحد أهم الأحداث في تاريخ البلاد، إلى جانب الانضمام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" قبل ذلك ب4 أعوام، وهو ما كان يشكل أهم هدف للسياسة الخارجية لكراوتيا منذ الاستقلال. ورغم ذلك، ربما يظل انضمام كرواتيا خطوة أخيرة في توسيع الاتحاد الأوروبي لأعوام عديدة، حيث لم تقترب أي من الدول المرشحة لعضوية التكتل من الانضمام الفعلي، واستغرقت مفاوضات انضمام كرواتيا حوالي 5 أعوام و9 شهور، أي أكثر من أي دولة عضو أخرى. واشترطت المفاوضات التعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، في لاهاي، والتي أصرت على القبض على الجنرال آنتي جوتوفينا، الذي كان مشتبها به في ارتكاب جرائم حرب، وقد أُلغي الحكم بحقه لاحقا. وكانت المفاوضات كذلك مثقلة بعرقلة سلوفينيا على خلفية نزاع حدودي مع كرواتيا، بالإضافة إلى إجهاد عملية التوسيع في الدول الأعضاء آنذاك. يشار إلى أن كرواتيا تقدمت بطلب للانضمام للاتحاد الأوروبي في 21 فبراير عام 2003، وبدأت المفاوضات بالفعل في الثالث من أكتوبر عام 2005، وأغلق الفصل الأخير من التفاوض في 30 يونيو 2011. - تقدم كبير مع استمرار العوائق الاقتصادية حققت كرواتيا الكثير من أهدافها بعد 10 سنوات من عضويتها في الاتحاد الأوروبي، وبينها الانضمام لمنطقة شينجن للتنقل الحر، ولمنطقة اليورو، إلى جانب تولي الرئاسة الدورية للتكتل خلال النصف الأول من عام 2020، كما دعمت بروكسلكرواتيا لربط منطقة تقع في أقصى جنوب البلاد بمشروع إقامة جسر بيلجيشاك. وحققت كرواتيا نتائج مالية طيبة، في ظل تراجع معدل الدين العام، كما تتوقع الحكومة انخفاض ديونها العام المقبل إلى ما يقل عن سقف الديون الذي وضعه الاتحاد الأوروبي للدول الأعضاء، وهو 60%. ورغم ذلك، قبل دخول كرواتيا الاتحاد الأوروبي، سقط اقتصاد البلاد في براثن الركود، لمدة 6 سنوات، ووصل التراجع في إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة من 2009 وحتى 2014 إلى 12.6%، ولم يتجاوز إجمالي الناتج المحلي مستواه في عام 2008 سوى في عام 2019. وهناك مشكلة أخرى تتمثل في الفجوة الواسعة بين العاصمة زغرب التي يصل فيها إجمالي الناتج المحلي إلى 131% من المتوسط الأوروبي، ومقاطعات شرق البلاد، التي يقل فيها إجمالي الناتج المحلي بنحو 40% عن المتوسط الأوروبي. وقدمت زغرب حوالي 34% من إجمالي الناتج المحلي القومي في عام 2018، في حين تعيش أغلبية السكان "67%" في مناطق يصل فيها نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي إلى ما هو دون 60% من المتوسط الأوروبي. - استنزاف السكان فقدت كرواتيا حوالي 10% من سكانها بسبب الهجرة على مدار العقد الماضي، وأدت ظروف العمل والمعيشة الأفضل في الدول الأعضاء الثرية بالاتحاد، وأيضا نقص العمالة -خاصة في ألمانيا التي تضم أكثر من مليوني وظيفة شاغرة- إلى تدفق سكاني خطير إلى خارج كرواتيا. وثمة إشارات على تباطؤ معدل الهجرة، ولكنها لم تتوقف بعد، وأظهرت تجارب في أماكن أخرى توازنا بين الهجرة للخارج للعمل، أو الهجرة الدائمة، عندما يصل مستوى التنمية الاقتصادية إلى نحو 80% من متوسط الاتحاد الأوروبي، ويبلغ المستوى 73% في كرواتيا حاليا. ويعوق التراجع في عدد السكان وتدني الإنتاجية النمو المحتمل، ولكن من شأن إجراء إصلاحات تقود إلى إدارة عامة أكثر كفاءة، وإلى قضاء أفضل، إحداث تأثير إيجابي. ويتعين تسريع وتيرة النمو في كرواتيا بشكل كبير حتى يصل إلى المتوسط الأوروبي، في المستقبل المنظور. ورغم ذلك، تظهر فوائد الانضمام للاتحاد الأوروبي جلية لدى مقارنة كرواتيا بدول الاتحاد اليوغوسلافي السابق، ذات الأداء الاقتصادي الأقل. - آفاق توسيع الاتحاد الأوروبي في المنطقة منحت دول غرب البلقان جميعا صفة مرشح للانضمام للاتحاد الأوروبي، ما عدا كوسوفو: البوسنة والهرسك في عام 2022، ومقدونيا الشمالية في عام 2005، وألبانيا في عام 2014، ومونتينيجرو "الجبل الأسود" في عام 2010، وصربيا في عام 2012. وعلى الرغم من التغيرات التي سببهتا الحرب الروسية الأوكرانية في سياسة التوسيع الأوروبية، حيث تلعب الجغرافيا السياسية دورا مهما، من الصعب تخيل مزيد من التوسيع دون إجراء إصلاح لعملية اتخاذ القرار، وهي عملية صعبة بالفعل بالنسبة للدول الأعضاء السبع والعشرين. وفي القمة الأوروبية التي عقدت بسالونيك في عام 2003، تعهد الاتحاد الأوروبي لدول غرب البلقان بضمها للتكتل حال استوفت الشروط اللازمة. وبعد 20 عاما، انضمت كرواتياوسلوفينيا فقط للاتحاد، رغم أن بروكسل لا تزال تشدد على التزامها بالتوسيع، كما تشدد دول غرب البلقان على أن حصولها على العضوية هدف استراتيجي. ودعت 7 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي مؤخرا إلى تسريع وتيرة ضم دول غرب البلقان للتكتل، وحذرت هذه الدول، بقيادة النمسا، في بيان من أن عملية توسيع الاتحاد كانت بطيئة للغاية ولم تحقق ما يكفي من نتائج ملموسة لشعوب المنطقة. - سلوفينيا تدفع باتجاه "اختيارات سياسية شجاعة" سلوفينيا هي إحدى الدول التي تدافع بقوة عن انضمام دول غرب البلقان للاتحاد الأوروبي. وفي الذكرى ال20 لقمة سالونيك الأوروبية، أصدرت رئيسة البلاد ناتاشا بيرك موسار، ورئيس الوزراء روبرت جولوب، ووزيرة الخارجية تانيا فايون، بيانا أكدوا فيه مواصلة الدعم لمساعي دول المنطقة للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، كما أشاروا إلى ضياع فرص عديدة من الجانبين منذ قمة 2003 . كتب الثلاثة: "يبدو أن الحماس المبدئي للإصلاح في غرب البلقان تضاءل إلى حد ما على مدار العقدين الماضيين"، وأضافوا "أن الاتحاد الأوروبي مشغول بمواجهة مشاكله الخاصة، ولم يكن التوسيع دائما أولوية له". وقالوا: "من الواضح أن هذه العملية هي بالأساس اختيار استراتيجي، وليست ممارسة تقنية.. ثمة حاجة لاختيارات سياسية شجاعة". ويدرك التكتل أنه لا يمكنه أن يترك دول غرب البلقان وشرق أوروبا لنفوذ القوى الفاعلة الأخرى التي لا تشارك نفس قيم الاتحاد الأوروبي، وقد أوحى ذلك بفكرة تقريب دول أوروبا الشرقية من السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، وزيادة مساعدات ما قبل الانضمام لها. - ضم غرب البلقان مصلحة للاتحاد الأوروبي من الناحية الجيوسياسية وتشكل منطقة غرب البلقان تحديا جيوسياسيا للاتحاد الأوروبي، بحسب وصف ليله راميتش ميسيوفيتش، من جامعة بورش الدولية، التي تقع بإحدى ضواحي سراييفو. وقالت ميسيوفيتش: "يجدد كل توسيع باتجاه غرب البلقان الحاجة إلى تطوير آلية من شأنها منع تمدد النزاعات والمصالح الأحادية والثنائية إلى المستوى متعدد الأطراف للاتحاد الأوروبي". وأضافت أن ذلك يحد من نواح كثيرة، الخطط والمصالح الجيوسياسية الخاصة بالاتحاد الأوروبي، كما يهدد الأمن والاستقرار في غرب البلقان، وهي منطقة تعد الملاذ الجيوسياسي المحبذ للاتحاد الأوروبي. - رئاسة إسبانيا للاتحاد الأوروبي تبعث الأمل تولت إسبانيا أمس الأول السبت، الأول من يوليو، الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي لمدة 6 أشهر، وتضع مدريد منطقة غرب البلقان نصب أعينها. وكان رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز زار جميع دول المنطقة الصيف الماضي، ما عدا كوسوفو، حيث لا تعترف مدريد باستقلالها، وعبر وزير خارجية إسبانيا خوسيه مانويل ألباريس مؤخرا، عن رغبة في تعزيز علاقات بلاده مع المنطقة. وربما يجمع وزير الخارجية الإسباني معا نظراءه من الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ووزراء خارجية دول غرب البلقان في أكتوبر المقبل. وتظل كوسوفو القضية الأكثر حساسية بالنسبة لإسبانيا فيما يتعلق بتوسيع الاتحاد الأوروبي، ويعقد رفض مدريد الاعتراف باستقلال كوسوفو -وهو أيضا موقف اليونان وقبرص وسلوفاكيا ورومانيا- آفاق انضمام بريشتينا للتكتل، رغم أن أن سلطات كوسوفو قدمت طلبا للحصول على صفة مرشح أواخرالعام الماضي. وعلاوة على ذلك، فإن إسبانيا هي الدولة الوحيدة العضو في منطقة شينجن للتنقل الحر التي لن تسمح بدخول مواطني كوسوفو للبلاد دون تأشيرة، عندما تنضم كوسوفو لشينجن العام المقبل، لتصبح الدولة الأخيرة في غرب البلقان التي يتحقق لها ذلك. وفي عام 2019، دعا رئيس كوسوفو آنذاك، هاشم تقي، مدريد إلى الاعتراف باستقلال كوسوفو، وقال: "إسبانيا ليست صربيا، حيث لا يحكمها سلوبودان ميلوسفيتش، وإقليم كاتالونيا ليس كوسوفو". وفي الوقت نفسه، يبقى الموقف المتوتر في كوسوفو على حاله في أعقاب الصدامات العنيفة التي وقعت مؤخرا بين جنود قوة حفظ السلام التي يقودها حلف الأطلسي في كوسوفو "كفور"، ومتظاهرين من العرقية الصربية ببلدية زفيكان، وأدى هذا التصعيد إلى تجميد الحوار الذي يتم بتفويض من الاتحاد الأوروبي بين بلجراد وبريشتينا بشأن تطبيع العلاقات. وكانت كوسوفو أعلنت استقلالها عن صربيا في عام 2008، ولكن بلجراد لا تزال ترفض الاعتراف بها، وهو ما يمنع كوسوفو فعليا من الحصول على مقعد في الأممالمتحدة.