إذا كنت تتعامل مع محرك البحث العملاق جوجل يوميا وتظهر لك المعلومات عن المناسبات العالمية والوطنية اليومية، فبالتأكيد قرأت أن 12 يونيو من كل عام هو يوم الفلافل العالمي.. الأكلة العربية الشرق أوسطية التي يطلق عليها المصريون اسما آخر محبب هو الطعمية والمكونة من فول أو حمص مهروسين ومخلوطين مع مجموعة من الأعشاب والخضروات والبهارات في عجينة هشة ثم تقلى وتؤكل ساخنة مع الفول والطحينة والباذنجان وغيرها من المقبلات.. ولا ننسى الخبز الساخن، ويا حبذا لو كان العيش البلدي الأسمر المصري الشهير. تتبادر إلى الذهن عدة أسئلة: من اختار 12 يونيو ليصبح اليوم العالمي للفلافل؟ وهل مقصود بها فلافل الحمص الشهيرة في سوريا ولبنان وفلسطين، وتحاول إسرائيل تسويق أنها أكلة يهودية عبرانية خالصة، أم فلافل الفول اللذيذة مصرية الأصل والوجود؟
الفكرة دعاية إسرائيلية 100%: بالتتبع التاريخي للمواقع الإلكترونية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي وجدنا أن الاحتفال بهذا اليوم 12 يونيو كعيد للفلافل بدأ عام 2012 حيث تم تدشين موقع إلكتروني باسم falafelday.com لهذا الغرض. وهذا الموقع ببساطة هو الذي نجح في أن يقنع أكبر بوابات المعلومات في العالم، بما فيها محرك البحث الأضخم جوجل والموسوعة الحرة ويكيبيديا بأن 12 يونيو هو يوم الفلافل العالمي. ولم يقدم الموقع أي شرح لسبب اختيار هذا اليوم. ولكن المهم.. أن الموقع إسرائيلي 100% أي أن هذا اليوم من اختيار الإسرائيليين، والهدف هو الترويج للفلافل كأكلة إسرائيلية شعبية، أو على الأقل لاستخدامها لجذب السياحة لإسرائيل. فعندما تتصفح الموقع تجد روابط دعائية بعضها رسمي للترويج السياحي في إسرائيل.
كما نجد أن القائمين على الموقع هما شابان من إسرائيل الأول هو بن لانج والثانية ميريام يانج.
كما أن الموقع مرتبط بصفحة على موقع التواصل "فيسبوك" تأسست في 12 يونيو 2012 وكانت أولى منشوراتها احتفالا بالفلافل تحمل جملا بالعبرية ونجمة داود.
ولهذه الصفحة أربعة مديرين منهم ثلاثة في إسرائيل وواحد في أمريكا.
المحاولات الإسرائيلية تنجح عالميا: وبهذا.. نجح هؤلاء الشباب الإسرائيليون في تخصيص يوم اختاروه للاحتفال بمنتج غذائي كان أول ظهور له في مصر ربما قبل نحو 3 آلاف عام. قد يبدو الموضوع شكليا، لكن المسألة تتعلق في حقيقتها بحضارة وثقافة وتاريخ.. واقتصاد أيضا، خاصة وأن هذا الاحتفال السنوي يترجم في مناسبات عديدة إلى جذب سياحي لمطاعم الفلافل في إسرائيل، وكذلك المطاعم اليهودية حول العالم. فالفلافل تعرضت لمحاولات إسرائيلية عديدة للسطو على تاريخها من محيطها العربي، وفي ظل غفلة العرب لعقود عن أهمية الدعاية والإعلان والتسويق خاصة في الغرب، باتت الفلافل -والتي تشير الدلائل التاريخية إلى أن مصر هي موطنها الأول- مرتبطة بالمطبخ الإسرائيلي والحمية اليهودية المعروفة بال"كوشر" حتى أن أي بحث على الإنترنت عن مطاعم للفلافل في أوروبا وأمريكا وحتى في الشرق الأوسط يدلك مباشرة إلى مطاعم يهودية أو إسرائيلية. هذا الأمر يجعل الصراع الدعائي على تاريخ الفلافل أو الطعمية من طرف واحد، هو إسرائيل، حيث لم تدشن مصر أو دولة عربية أخرى حملات لتوثيق هذه الأكلة كجزء من تراثها الوطني المحمي أو حتى للاستفادة منها دعائيا حول العالم، اللهم إلا بعض الصفحات المصرية الناشئة مؤخرا على "فيسبوك" بهدف توثيق المأكولات المصرية، مثل صفحة "توثيق المطبخ المصري". كما ساهمت برامج الطهي وسياحة الطعام الشهيرة -والتي يقدم بعضها إعلاميون يهود- في تكريس ارتباط الفلافل بإسرائيل والتراث العبراني، ومن بينها برنامج Somebody feed Phil الشهير الذي يقدمه الممثل الأمريكي اليهودي فيليب روزنتال والذي فر والداه من ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. ونجد أن هذا النموذج الدعائي يتكرر كثيرا، ليس في البرامج فقط بل أيضا في السينما من خلال ربط الفلافل بالكوشر والتراث اليهودي.
للتاريخ رأي مختلف: تشير الأدلة التاريخية إلى أن المصريين القدماء طحنوا الفول والحمص والعدس لاستخدامها في الطهي وإضافة مكونات أخرى في عجينة متجانسة. ويتجه بعض مؤرخي الطعام إلى أن الفراعنة طحنوا الفول والعدس وبقوليات أخرى وأضافوا إليها البيض والأعشاب والدهن الحيواني، لصناعة مأكولات شبيهة بالعجة البلدي في العصر الحديث. وهناك أدلة أحدث على صناعة الفلافل أو الطعمية بالعدس المدشوش بين الأقباط قبل وبعد الفتح الإسلامي. أما أقدم ذكر تاريخي موثق للوصفة أو الأكلة فيعود إلى القرن التاسع عشر في مصر أيضا. ويطرح بعض المؤرخين احتمالات بأن الفلافل بشكلها الحالي كانت في بعض العصور غذاء للمقتدرين وليس للفقراء، لأن الزيت كان غالي الثمن، الأمر الذي تغير لاحقا بوجود أنواع مختلفة من الزيوت النباتية والمصنعة. ولا توجد أي أدلة تاريخية على ريادة يهودية أو إسرائيلية سواء في العصور القديمة أو العصر الحديث في صناعة الفلافل، بل إن المراجع الإسرائيلية تتحدث عن انتشارها في المجتمع اليهودي من الأسر اليهودية التي هاجرت من الشام في نهاية عصر الدولة العثمانية. غير أن الدعاية التسويقية المكثفة تنجح حاليا في ربط للفلافل بالمطاعم الإسرائيلية من خلال هذا اليوم العالمي الذي دشنوه قبل 11 عاما فقط.