محافظ دمياط يتابع تجهيز المقار الانتخابية استعدادا لانطلاق انتخابات مجلس الشيوخ (صور)    وزير التموين يبحث تطوير شركات مضارب الأرز    فيتو تكشف تشكيل الأهلي في وديتي بتروجيت ومنتخب الشباب استعدادا للدوري الممتاز    وائل كفوري يتفاجأ بمعجبة على المسرح خلال حفله في لبنان، شاهد ماذا فعل (فيديو)    «النواب» يبدأ عمله بالعاصمة الإدارية.. و«جبالي»: مجلس الشيوخ يثري الحياة النيابية وله إسهامات في إصدار توصيات للحكومة    وسط استعدادات مكثفة.. محافظ البحيرة تتفقد لجان انتخابات مجلس الشيوخ وتؤكد الجاهزية لاستقبال 4.3 مليون ناخب    200 مليون جنيه لدعم التأمين الصحى لغير القادرين فى موازنة 2025/2026    شركة ضمان المخاطر: توفير ضمانة ب 250 مليون جنيه لتمويل جمعية "المبادرة"    وزير العمل: ربط إلكتروني مع عدد من البلدان للقضاء على سماسرة العقود    وزير الكهرباء ورئيس الهيئة العربية للتصنيع يشهدان افتتاح خط إنتاج أبراج كهرباء الجهد العالي    اعتماد تخطيط وتقسيم 6 قطع أراضي لإقامة مشروعات عمرانية بالسادس من أكتوبر    ما الذي حفّز صعود سهم "فاليو" بنسبة 850% مقابل أداء باهت لسهم "بنيان"؟    الحكومة: 90 مليون يورو استثمارات بمشروع استغلال مواقع خام الرمال الكاولينية    نتنياهو يعلق على صلاة بن غفير في باحات الأقصى    السلطات السورية تتهم مجموعات مسلحة في السويداء بخرق اتفاق وقف إطلاق النار    مصر تواصل أعمال الإسقاط الجوي للمساعدات الإنسانية على قطاع غزة    رغم الأمطار الغزيرة .. 90 ألف متظاهر فى سيدنى تنديدا بالعدوان على غزة    الرئيس الإيراني: نثمن دعم باكستان خلال "العدوان الصهيوني الأمريكي"    والدة أسير إسرائيلي: علينا الخضوع لمطالب حماس    رئيس الوزراء يشهد فعاليات افتتاح النسخة السادسة من مؤتمر المصريين بالخارج    الكشف عن كرة الموسم الجديد للدوري المصري 2025-2026    تشييع جثمان الإعلامية الراحلة عائشة أبو السعود فى الإسماعيلية.. صور    الكشف عن طبيعة إصابة ميسي    عبر مخاطبة رسمية .. زيزو يستعجل اتحاد الكرة لحسم ملف مستحقاته لدى الزمالك    رئيس «فيفا» في جولة بمدينة العلمين ويشيد بالنهضة الإنشائية في مصر    20 صورة ترصد جوائز الأفضل في الدوري المصري بحفل دير جيست    اعترفوا بحيازتها .. مخدرات ومجوهرات وتحويلات مالية أحراز التيك توكر فى قبضة الداخلية    الطقس: الأرصاد تصدر تنويها جديدا بشأن حالة الجو    خصم 10 أيام من رئيس جمعية زراعية لتراخيه في مواجهة التعديات ببني سويف    انتشال جثمان طفل غريق بمنطقة المكس غربي الإسكندرية    ماس كهربائى يتسبب فى حريق مركب صيد بدمياط دون خسائر بشرية    تعديلات المناهج الدراسية 2025 - 2026.. 7 معلومات عن الشكل والمحتوى الجديد    اقتلاع أظافر وكي وضرب.. "حفلة تعذيب" مواطن تنتهي على طبلية عشماوي بالإسكندرية    ننشر أبرز أنشطة وفعاليات جامعة أسيوط خلال الأسبوع الماضي    المسرح يرفع شعار كامل العدد وغياب محدود لجمهور المحافظات    فى فيلم "روكى الغلابة".. محمد رضوان مدرب "بوكسينج" ويكتشف موهبة دنيا سمير غانم    قافلة التحالف الوطنى رقم 11 تنطلق لدعم غزة ب 200 شاحنة مساعدات.. صور    راغب علامة يؤكد احترامه لقرارات النقابة.. ومصطفى كامل يرد: كل الحب والتقدير    5 صور ترصد احتفال زوجة مصطفي فتحي بجائزته في حفل دير جيست    الأسبوع المقبل.. انطلاق صالون ماسبيرو الثقافي من استديو أحمد زويل    27.2 مليون خدمة.. ماذا قدمت حملة "100 يوم صحة" خلال 18 يومًا؟    هل نقص المغنيسيوم علامة على تلف الكبد؟    محافظ الإسكندرية: استمرار تكثيف القوافل الطبية المجانية وزيادة حملات التوعية    ماء الشعير- إليك 5 مزايا لصحتك    جامعة أسيوط الأهلية تُعلن عن إطلاق برنامج "هندسة الميكاترونيات والروبوتات" بكلية الهندسة والعلوم التطبيقية للعام الجامعي 2025/2026    نجم هولندا الشاب يكمل الفحص الطبي وينتقل إلى تشيلسي    نقابة الأطباء البيطريين تطالب بإصلاحات مالية وإدارية لحماية أموال الاتحاد    اليوم.. محاكمة 22 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية    مصادر حكومية هندية: نيودلهي ستواصل استيراد النفط الروسى رغم تهديدات ترامب    بالفيديو| الأقواس التسعة.. رمز فرعوني قديم يلهمنا لمواجهة تحديات اليوم    الرعاية الصحية: نجاح 11 عملية جراحية لاستئصال أورام المخ والنخاع الشوكي بمستشفى السلام في بورسعيد    وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 18 شخصا غالبيتهم من منتظري المساعدات بمناطق مختلفة من قطاع غزة منذ فجر اليوم    انعقاد غرفة العمليات بالأقصر استعدادًا لانتخابات «الشيوخ» 2025    كتب ممنوعة (1)    «فتوى» برائحة الحشيش    أحمد كريمة: قائمة المنقولات لإثبات حقوق الزوجة ومرفوض تحويلها لسيف على رقبة الزوج وسجنه (فيديو)    دعاء الفجر | اللهم فرج همي ويسّر لي أمري وارزقني رزقًا مباركًا    "الدنيا ولا تستاهل".. رسالة مؤثرة من نجم بيراميدز بعد وفاة بونجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل بالإمكان وراثة مصر ودورها؟
نشر في الشروق الجديد يوم 29 - 03 - 2010

يتزامن مع النقاش الصاخب حول مستقبل السياسة والحكم فى مصر، نقاش آخر لا يقل سخونة حول دور مصر الإقليمى، وحضورها (أو غيابها) عن القرارات المصيرية فى كل الملفات الشائكة فى المنطقة.
فبينما يكاد يجمع «المراقبون» على أن دور مصر العربى يشهد انحسارا غير مسبوق منذ أكثر من نصف قرن، يرد «الرسميون» بأن دور مصر القيادى هو حقيقة من الحقائق الجغرافية فى المنطقة، وهو باق وثابت ما بقيت وثبتت الجغرافيا السياسية والإستراتيجية فى المنطقة.
فى مواجهة هذا الخلاف، يتفق «المراقبون» و«الرسميون» على أن الجغرافيا السياسية للمنطقة تشهد «فراغات» كبرى فى عراق ما بعد الانتخابات والانسحاب الأمريكى، وفى السودان المهدد بالتشرذم، وفى فلسطين، المحكومة «بثالوث غير مقدس» يتمثل فى مصالحة داخلية معطلة، وتشرذم سياسى يعمق من هوة الجغرافيا بين الضفة الغربية وغزة، واحتلال إسرائيلى شرس يناور لابتلاع ما يمكنه من فلسطين مستفيدا من لحظة الارتباك الفلسطينى والعربى غير المسبوقة منذ بدء المحنة الفلسطينية قبل أكثر من ستين عاما.
يتفق «المراقبون» و«الرسميون» أيضا على أن قوى إقليمية مثل إيران وتركيا تتقدم حثيثا لملء «الفراغات الإستراتيجية الكبرى» فى المنطقة، إما بطرح نفسها كما فى حالة إيران كحامل لواء القضايا العربية التى هجرها العرب (من قضية فلسطين، إلى مناهضة الإمبريالية والاستعمار)، أو بتقديم نفسها كما فى الحالة التركية على أنها الطرف القادر على لعب دور الجسر الحضارى بين العرب والغرب، والنموذج الذى ستتطلع إليه دول المنطقة.
ومن الواضح أن القاسم المشترك بين الطرحين الإيرانى والتركى، هو أن كليهما يطمح عمليا لوراثة دور سبق وأن طمحت مصر للعبه فى مرحلة من مراحل تاريخها القريب (مصر الناصرية فى حالة إيران، ومصر الساداتية والمباركية فى حالة تركيا). بعبارة أخرى، فإن كلا الدورين يطمحان «لوراثة دور» يتصوران أن مصر إما لم تعد قادرة عليه، أو راغبة فى القيام به.. فهل بالإمكان وراثة دور مصر؟
المسألة لا تتعلق فقط بقضية الكبرياء الوطنى الجريح فى مصر المحروسة، وإنما تصل أيضا لجوهر شرعية النظام السياسى المصرى (الذى يعتمد على الأقل منذ خمسينيات القرن الماضى على إنجازاته الخارجية كأحد أهم مصادر شرعية الحكم).. كما تتماس مع قدرة النظام السياسى المصرى على تعبئة موارد اقتصادية كبيرة من الخارج، تحصل عليها مصر ليس لأسباب اقتصادية ( أى متعلقة بعائد أو أرباح لهذه الأموال) ولكن لأسباب سياسية تتعلق غالبا بسياسات مصر الخارجية.
ولا يمكن أيضا الارتكان لأسهل الإجابات عن مسألة «وراثة مصر»، من خلال سرد مدرسى للدور المصرى باعتباره حقيقة جغرافية وإستراتيجية راسخة وغير قابلة للتبديل. ففى هذا مغالطة كبرى.. فالدور الإقليمى هو محصلة سياسات وليس هبة من الجغرافيا. ولواء القيادة فى المنطقة العربية ينعقد لمن يعبر بأكبر قدر من الدقة عن أولويات شعوبها، ويكتسب شرعية القيادة بناء على حمله لواء هذه الأولويات.. فالقيادة ليست صك إذعان، وقعه أبناء المنطقة لمصر، أيا كانت قراراتها وسياساتها.
من هنا، فإن التهرب من مناقشة أزمة الدور الإقليمى المصرى، بحديث مدرسى عن هبات الجغرافيا لمصر، هو استخفاف لا يليق بقضايا الأمن القومى المصرى. صحيح أن للجغرافيا معطيات أساسية تتيح إمكانات استثنائية لمصر، ولكن الجغرافيا كما يقول الراحل العظيم جمال حمدان لا تنطق إلا بلسان التاريخ، أى بلسان السياسات والإستراتيجيات التى تقررها نخب تفهم حق الجغرافيا وإمكاناتها.
وبالإمكان القول أن فى المنطقة الآن صراع مصيرى بين ثلاث صيغ إستراتيجية، كل منها يرتب هيكلا مختلفا للقيادة الإقليمية، ويؤثر بشكل حاسم على دور مصر وإمكانية «وراثته»:
1 الصيغة الأولى تنظر للمنطقة باعتبارها بؤرة صراع مذهبى ودينى، تخوضه كيانات أولية لم تترسخ فيها الدولة القومية وطموحاتها التنموية والتحديثية. الترجمة السياسية لهذه الصيغة تتراوح بين حلول فلكلورية لمشاكل شعوب المنطقة (مثال : التهليل لإحياء «اللويا جرجا» فى أفغانستان، أو لمجالس العشائر والقبائل فى العراق، باعتبارها الحل «المحلى» لمشاكل هذه الشعوب)، وصولا إلى الدعوة لإعادة رسم خرائط المنطقة على أساس مذهبى، الأمر الذى لا يمكن معه الاعتراض على مطالبة إسرائيل باعتراف عربى بها كدولة «يهودية خالصة»، لن تختلف عن سائر الدول «النقية عرقيا ومذهبيا» التى ستتشكل فى المنطقة بعد أن تفرغ من حسم الخلافات «الفقهية»، والصراعات القبلية حول مراعى الإبل ومساقط الأمطار!
ومن الواضح أنه فى مثل هذه الصيغة، لا مجال لدور قيادى لدولة كمصر، لا تمثل مرجعا مذهبيا يعتد به، لكونها دولة مركزية عرفت فكرة الانتماء للدولة بصرف النظر عن الأصل العرقى والدينى والمذهبى منذ عقود سحيقة... بل يمكن القول بأن القيادة فى ظل هذه الصيغة ستنحصر فى مثلث سنى (السعودية مثلا)، شيعى (إيران)، يهودى (إسرائيل)!
2 أما الصيغة الثانية فلا تعتد إطلاقا بأى خصوصية محلية للمنطقة، وإنما تعتبر أن الجميع فى سباق للحاق بالغرب، واستنساخ قيمه وسياساته، كشرط لصعود سلم التطور الذى تتربع الولايات المتحدة على قمته، وتقبع المجتمعات العربية («البدائية»!) فى قاعه.
مرة أخرى، لا مجال فى هذه الصيغة لدور قيادى مصرى، فالأجدر بالقيادة فى مثل هذه الصيغة هى إسرائيل (نبتة « الحضارة الغربية» فى أرض العرب)، أو بالحد الأدنى تركيا الأتاتوركية (التى قام التحديث فيها على قطيعة حاسمة، ودموية أحيانا، مع الثقافة المحلية). أما مصر باستمراريتها التاريخية الاستثنائية وتصالحها مع تراثها فلا تملك أى مؤهل للقيادة على أساس القطيعة الشاملة مع التراث، كما تقترح الصيغة الثانية.
3 الصيغة الثالثة تعتبر أن المنطقة ليست كتلة إستراتيجية جوفاء تسعى للحاق بالغرب، وليست فى الوقت نفسه نسقا محليا فولكلوريا يعيش خارج التاريخ الإنسانى.. المنطقة تسكنها شعوب لها خصوصية قومية (تتجاوز الانتماء العرقى أو القبلى أو المذهبى لمكوناتها)، ولها طموحات مشروعة فى الاستقلال والتحديث والديمقراطية.
ترفض هذه الصيغة إذن الارتداد لمراحل البدائية وإعطاء الأولوية لصراعات دينية ومذهبية وعرقية، ولكنها ترفض أيضا اللحاق الخطى بالغرب، ولا تجد غضاضة من الاشتباك السياسى مع هذا «الغرب» إن كان الاشتباك ضرورة لتحقيق طموحاتها فى الاستقلال والتحديث والديمقراطية.
تعادى هذه الصيغة إسرائيل، من حيث كونها استعمارا (لو كان يهوديا أو مسيحيا أو مسلما أو بوذيا، لكان أيضا مرفوضا ويستحق المقاومة.. كما كان الراحل الكبير عبدالوهاب المسيرى يكرر دائما). وتنفتح على الجوار الإقليمى والقوى الدولية أو تشتبك معها من حيث كونها معينة أو معيقة لتحقيق هذا الطموح الوطنى والقومى.
لا يحتاج الأمر لكثير من البحث لإدراك أن فى هذه الصيغة وحدها مكان مطلوب وضرورى لمصر، ودور قيادى هى أقدر عليه من غيرها، لنفس الأسباب والخصائص التى تجعلها بلا دور أو مكان فى الصيغتين الأخريين.
ولا يحتاج الأمر لكثير من التأمل لاكتشاف أنه عندما جسدت مصر فى بعض مراحل تاريخها الحديث.. منذ محمد على على الأقل جزءا من هذه الطموحات، كانت قيادتها الإقليمية نتيجة بديهية لا تحتاج لسجال أو لبرهنة. وعندما تستعيد مصر الترتيب السليم لأولوياتها الداخلية والخارجية، لتكون قاطرة الاستقلال والتحديث والديمقراطية فى المنطقة، فسينتهى على الأرجح هذا الجدل حول «وراثة دور مصر».. ويصبح بلا معنى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.