لفترة تقل عن الساعة مساء يوم الثلاثاء، لم يشاهد الأمريكيون المتحدث النارى والملهم الذى سحر الأمة فى خطابه إلى الكونجرس فى الشهر الماضى، أو الرئيس المثير للجدل الذى أشرك الأمريكيين بحرارة فى محادثات عبر البلاد، أو الرئيس المرح الذى ظهر فى برنامج جاى لينو. بدلاً من ذلك، كان باراك أوباما فى مؤتمره الصحفى الثانى المذاع فى وقت الذروة من البيت الأبيض هو باراك أوباما المحاضر، وتلك هى الشخصية التى كانت مألوفة فى فترة بداية الحملة الانتخابية. فقد كان فى هدوئه وانعدام ابتسامته الأستاذ الجامعى الذى يعرض المقولات المألوفة فى فقرات مطولة وغالبًا ما يبدؤها بعبارة «كما قلت من قبل» فيما يبدو وكأنه يتحدث فى سكون قاعة الدرس حيث الطلاب ينتظرون فى ضجر جرس انتهاء المحاضرة. جاءت الجلسة التى عقدت فى القاعة الشرقية فى لحظة متقلبة بالنسبة للرئيس الجديد وهو يسعى إلى تبديد الشكوك الديمقراطية بشأن أجندته الاقتصادية الطموحة والتصدى للمعارضة الجمهورية القوية. وفى حديثه أمام الصحفيين فى القاعة الموجه إلى عشرات الملايين من المشاهدين الجالسين أمام شاشات التليفزيون فى المنزل، حاول طمأنة الأمة بأنه يمكنه حل الأزمة التى تمسك بخناق الاقتصاد منذ أكثر من عام. قال أوباما: «لقد بدأنا نرى علامات التقدم» داعيًا إلى «الثقة المجددة فى أن يومًا أفضل سوف يأتى». وبينما بدأ أعضاء مجلس الشيوخ العنيدون فى حزبه يقتطعون بعض المقترحات من ميزانيته، أشار أوباما إلى أنه يمكنه تقديم حل وسط على المدى القصير بشأن تخفيض الضرائب على الطبقة الوسطى والحد من انبعاثات الكربون. إلا أنه أشار إلى أنه سوف يتخذ موقفًا حازمًا من أربعة أولويات، حيث أصر على أن يحرز الكونجرس تقدمًا فى هذين المجالين. وقال أوباما معبرًا عن مرونة بشأن التفاصيل مادامت أهدافه الأساسية يجرى تحقيقها: «لم نتوقع قط عندما طبعنا ميزانيتنا أنهم سوف يصورون نسخًا منها ويصوتون عليها فحسب. الخلاصة هى أننى أريد رؤية الرعاية الصحية والطاقة والتعليم والجهود الجادة لتخفيض عجز ميزانيتنا.» فى وقت الغضب والقلق فى البلاد، أبدى أوباما القليل من العاطفة. وهو نادرًا ما يلقى نكتة أو يرفع صوته. بل إنه عندما أعلن غضبه من حوافز إيه إى جى البالغة 165 مليون دولار التى دُفِعت الشهر الحالى على الرغم من إنقاذ الشركة بأموال دافعى الضرائب، كان صوته يبدو هادئًا وغير قلق. فقد قال «إنى غاضب مثل أى شخص بشأن تلك الحوافز». وأضاف أنه كان على المديرين التنفيذيين أن يعلموا أن إثراء أنفسهم بأموال دافعى الضرائب أمر لا يُغتفر. إلى حد ما كان يمكن حساب تصرف أوباما، وقد قال معاونوه إنه يسعى لتخفيض درجة الحرارة بعد أسبوع مشحون جدًّا ودفع البلاد نحو ما يعتبره أوباما قضايا أكثر إلحاحًا خاصة بإصلاح النظام المصرفى وإحياء الاقتصاد. وحتى بعد استهجان ما قام به مديرو إيه آى جى، فقد حذر من أنه «لا يمكن لبقيتنا تحمل تبعات شيطنة كل مستثمر أو منظِّم أعمال يسعى إلى تحقيق الربح.» كانت المرة الوحيدة التى بدا فيها عصبيًّا عندما سُئِل عن السبب فى أنه بدا أن النائب العام فى نيويورك أندرو كوومو حقق نجاحًا فى جعل مديرى إيه آى جى يعيدون بعض الحوافز أكبر مما حققته إدارته. وعندما سُئل عن سبب عدم تعبيره عن غضبه فور علمه بأمر الحوافز، رد أوباما بحدة قائلاً «احتاج منا الأمر بعض الوقت، لأنى أحب معرفة ما سأتكلم عنه قبل أن أتكلم». وحتى فيما يتعلق بأحد الموضوعات الأكثر استقطابًا فى الحياة الأمريكية، وهى العلاقات بين العناصر، انحرف أوباما قليلاً عن الوسط. فعندما سُئل عن تأثيره باعتباره أول رئيس أمريكى إفريقى، قال إن الأمة شعرت ب«بفخر له ما يبرره» عند تنصيبه. وقال أوباما: «ولكن ذلك استمر ليوم واحد تقريبًا»، وربما كانت هذه هى النكتة الوحيدة تلك الليلة. ثم أضاف: «الآن يحكم علىَّ الشعب الأمريكى تمامًا بالطريقة التى ينبغى أن يُحكَم بها علىَّ، وهى هل نتخذ الخطوات لتحسين السيولة فى الأسواق المالية، وخلق فرص العمل، والعمل على إعادة فتح الأعمال التجارية، والحفاظ على سلامة أمريكا أم لا؟» وقد أبدى أوباما شعوره المعهود بالراحة بمجموعة كبيرة من الموضوعات، حتى عندما استبعد صحف الأمة الكبرى من توجيه الأسئلة لمصلحة مزيج أكثر انتقاءً. كما أشار إلى أن الحكومة المحافظة الجديدة فى إسرائيل يمكن أن تجعل التوصل إلى اتفاق سلام أمرًا أكثر صعوبة. وعبَّر عن صبره بشأن التعامل مع إيران. كما دافع عن اقتراحه الخاص بزيادة عبء الضرائب على الأثرياء. كان ذلك أوباما باعتباره مفَتِّرًا أكثر منه محفِّزًا للهمم، وهو ما يذكِّرنا بالطريقة التى أمكنه أن يكون عليها فى أيامه الأولى كمرشح لمنصب الرئيس, قبل أن يصبح معرَّفًا بواسطة الحشود المبتهجة. وقال ماتيو داوِد، واضع الإستراتيجيات الجمهورى السابق، الذى كثيرًا ما كان مجاملاً للرئيس الجديد: «لا يبدو أنه يعبر عن أية ضرورة أو غضب حقيقيين. ولذلك فهو يعطى أحيانًا انطباعًا بأنه متباعد بعض الشىء ومفكر». وقال المستشار الديمقراطى جو تريبى: «لقد قال كل الأشياء الصحيحة. ولكن ثقته تجعله يبدو فى بعض الأحيان فاترًا». ومع ذلك فقد جاء المؤتمر الصحفى فى الوقت الذى ينتقل فيه أوباما من فورة تنصيبه إلى كدح مفاوضات الكونجرس وتغيير الرأى العام. وعلى امتداد الأسبوع الماضي، انتقل من عرض آراء تكاد تكون رؤيوية خاصة بالاقتصاد إلى التعبير عن التفاؤل بقوة الاقتصاد الأساسية. وعندما ظهر فى برنامج «60 دقيقة» ضحك وهو يتحدث عن المشكلات التى واجهها، مما جعل محاوره يسأله إن كانت الضربات المتكررة أفقدته الرشد. لم يكن ذلك سؤالاً يبدو وثيق الصلة بالموضوع يوم الثلاثاء. فقد أبدى القدرة على تلقى ضربة وتوجيه أخرى. بل حدث قبل ذلك أن انتقد الجمهوريون أجندته الاقتصادية، مشيرين إلى أنها سوف تكدس ديونًا أكثر مما كدسه الرؤساء الثلاثة والأربعون السابقين مجتمعين. ودعا زعيم الجمهوريين فى مجلس النواب جون بوهنر من أوهايو إلى «تعديل» للميزانية. وقال بوهنر: «أرى فحسب أن هذا قد يكون التشريع الأكثر فى عدم مسئوليته الذى رأيته فى حياتى التشريعية.» رد أوباما على ذلك بعد ساعات بقوله: «بعض المنتقدين الجمهوريين يعانون من ضعف الذاكرة، ذلك أننى، كما أذكر، ورثت عجزًا قدره 1.3 تريليون دولار، وهو عجز سنوى، منهم». ولكن الحلفاء الديمقراطيين مزعجون على نحو أكثر مباشرةً، حيث يفككون ميزانيته بهمة ونشاط ويعيدون كتابتها بما يتفق مع ذائقتهم. وقد أشار أوباما، المقرر أن يزور الكابيتول هيل (الكونجرس) يوم الأربعاء لمقابلة أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، إلى أن خطط ضرائب الطبقة الوسطى والحد من انبعاثات الكربون، القائمة على أساس السوق، لم يكن هناك ما يدعو إلى تضمينها فى النسخة النهائية من الميزانية. وبدلاً من ذلك قال إنه يمكن السعى لتحقيقهما على نحو مستقل. وقد أجازت خطة الحوافز البالغ قيمتها 787 مليار دولار التى أقرها الكونجرس خصمًا ضريبيًّا مقداره 400 دولار لمدة عامين، وبذلك يكون لديه وقت للعثور على طرق لتمويله بشكل دائم. وقد اقترح اتخاذ الكونجرس خطوات نحو الطاقة البديلة فى الميزانية دون الحاجة إلى دمج ما يسمى نظام الحد من انبعاث الغازات، لأن اللجان يمكن أن تعالج الأمرين على نحو منفصل. خلال الوقت الذى أمضاه أوباما فى الحياة العامة، واجه أسئلة بشأن ما إذا كان منفصلاً إلى حد كبير، وتحليليًّا إلى حد كبير، ومفكرًا إلى حد كبير. وفى حملته الانتخابية كان من المرجح مقارنته بأدلاى ستيفنسون بقدر مقارنته بجون كنيدى. وإذا كان هناك نمط ثابت لأوباما، فهو أنه يتحرك بتثاقل أثناء أوقات كهذا الوقت ثم يصبح حادًا ومفعمًا بالحيوية عند أولى علامات المشكلات. وعلى المدى الطويل، خدم هدوء أوباما صاحبه إلى حد كبير، وخصوصا فى اللحظة الحرجة فى الحملة الانتخابية عندما بدأ الاقتصاد انخفاضه الحاد. وقال تريبى: «هذا أحد الأشياء التى يحبها الناس فيه.»