جدل كبير يدور هذه الأيام حول المعبد اليهودى «موسى بن ميمون»، والذى انتهى المجلس الأعلى للآثار من ترميمه مؤخرا. زاد من حالة الجدل ما نشرته مواقع إخبارية حول رغبة إسرائيل فى تحويل المعبد إلى مزار سياحى دينى يهودى تحت إشرافها، وأن تتولى تنظيم الرحلات إلى المعبد الذى بلغت تكلفة ترميمه أكثر من 15 مليون جنيه من ميزانية المجلس الأعلى للآثار. هذه الأحداث طرحت عدة تساؤلات: لماذا كل هذا الاضطراب حول معبد موسى بن ميمون تحديدا على الرغم من وجود 11 معبدا يهوديا بمصر، يتم الآن ترميم ستة منها.. هل تلعب أهمية الرجل التاريخية دورا فى هذا الأمر؟ توجهنا بالسؤال إلى الدكتور عاطف العراقى، أحد أهم أساتذة الفلسفة الإسلامية فى مصر، وصاحب مادة «موسى بن ميمون» فى موسوعة «أعلام الفكر الإنسانى» الصادرة سنة 1984 عن الهيئة العامة للكتاب، ليعرفنا على هذا الفيلسوف اليهودى، من هو، وما علاقته الحقيقية بمصر، هل كان فعلا تلميذا لابن رشد؟ وغيرها من الأسئلة. فى البداية قال: موسى بن ميمون يعد من أكبر مفكرى اليهود فى العصر الوسيط، ولد فى قرطبة 30 مارس 1135 ميلادية، أى بعد مولد ابن رشد بأعوام قليلة، وتوفى بمصر فى 13 ديسمبر 1204، ونقل جثمانه كما أوصى إلى بحيرة طبرية بفلسطين ودفن هناك. سألته عن أسباب مجيئه إلى مصر؟ أجاب.. عندما سقطت قرطبة فى أيدى الموحدين، والذين خيروا اليهود والنصارى بين أن يتحولوا إلى الإسلام أو أن يهاجروا من قرطبة، رحلت أسرته إلى فلسطين حيث بقى بها والده، أما موسى وشقيقه وأخته فقد غادروها إلى الإسكندرية ثم إلى الفسطاط حيث نزل موسى فى بلدة تسمى المصيصة كان ينتشر بها اليهود، وعمل بتجارة الجواهر واشتغل بالطب ومعالجة المرضى». وحقيقة علاقته بابن رشد؟ تجمع أغلب المصادر على أنه استفاد فى البداية من أول فلاسفة المغرب العربى «بن باجة»، ثم بدأ فى الاهتمام بأفكار «بن رشد»، وإن كانت استفادته من «بن باجة» أكثر، كما نجد أن سقف العقل عند «بن رشد» أعلى منه عند «بن ميمون»، وهو ما يجعلنا نفضل هذه الأيام أفكار الغزالى عن أفكار بن رشد الذى كتب عنه العديد من المستشرقين، ولم ينصفه العرب. أما عن أهم مؤلفات موسى بن ميمون فقال الدكتور عاطف العراقى إن أهم كتاب تركه لنا بن ميمون هو كتاب «دلالة الحائرين»، وكما نجد مؤيدين للكتاب فهناك أيضا الكثير ممن يعارضونه، والمعارضون كانوا يسمونه «ضلالة الحائرين»، وهو كتاب يوفق بين الشريعة الموسمية والتى سميت هكذا نسبة لموسى، والفلسفة الأرسطية التى ترجع لأرسطو، ويتحدث فيه عن الله والملائكة وحداثة العالم وقدمه وموضوع النبوة والخير والشر والإرادة كما أن له مجموعة أخرى من المؤلفات منها كتاب «السراج، و«الفرائض»، و«رسالة فى صناعة المنطق». وأوضح لنا العراقى أن هناك بعض أوجه الاختلاف الأخرى بين بن ميمون وبن رشد، منها مثلا أن بن رشد كان يميل إلى فكرة «قدم العالم» إلا أننا نجد بن ميمون يميل إلى القول بحداثة العالم، أى أن المادة خلقت من لا شىء، كما يرى بن ميمون أن صفات الله تعالى غير صفات البشر وأن النبوة فيض من الله تعالى. وما سر اهتمام اليهود بهذا المعبد تحديدا رغم وجود أحد عشر معبدا يهوديا فى مصر يتم ترميم ستة منها حاليا؟ يجيب العراقى: الرجل بوجه عام محط اعتزاز اليهود لأنه من أكبر مفكريهم فى مرحلة العصر الوسيط، وقد اهتم الدارسون للفكر الفلسفى والإنسانى بكتابه الكبير «دلالة الحائرين». ولماذا يتم الخلط بين كونه شخصية فكرية كبيرة، وبين كونه شخصية دينية؟ قديما وتحديدا فى العصور الوسطى لا نستطيع فصل الدين عن الفلسفة، فعندما تنظر إلى بن رشد مثلا تجده مفكرا مسلما، وكانت كل نظرياته الفلسفية تحاول اقتحام وتفسير مناطق فى الدين الذى يعتنقه، وبالمنطق ذاته لا تستطيع تفسير آراء بن ميمون دون أن تضع فى اعتبارك أنه كان يهوديا». وهل كان بالفعل الطبيب المعالج لصلاح الدين الأيوبى؟ هذه النقطة لا يوجد ما يؤكدها لكن فى رأيى أنه طالما أجمعت المصادر على هذا الأمر فإنه فى الغالب صحيح. هل يوجد من الفلاسفة المعاصرين من يتبع نظريات «موسى بن ميمون»؟ - لا.. لأن نظريات الفلسفة مختلفة عن النظريات العلمية، فالأولى خاصة برؤية ذاتية، تدعمها الأفكار الخاصة بعصر الفيلسوف، ودعنى أقول لك إننا لو حكمنا على آراء أى مفكر قديم بمعايير العصر الحديث فسوف نهدمه تماما نظرا لاختلاف الأزمنة.