غدًا انطلاق التصويت بالداخل في المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب.. 1316 مرشحا على 141 مقعدا.. الدعاية أمام اللجان تهدد ببطلان الدوائر.. والهيئة الوطنية تطلق لأول مرة تطبيقا لاستعلام الناخبين    وزارة المالية تعلن بدء صرف مرتبات شهر نوفمبر 2025 اعتبارا من الغد    مدبولي: شركات فيتنامية تسعى لتوسيع استثماراتها في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس    فيفا يعتمد سلسلة المباريات الدولية الجديدة    تعرف على غيابات الزمالك في مواجهة زيسكو الزامبي بالكونفدرالية الليلة    مصرع 3 عناصر جنائية شديدة الخطورة وضبط مخدرات ب 78 مليون جنيه في سوهاج    الداخلية تشارك الأطفال الاحتفال بيومهم العالمي بزيارة لقطاع إدارة النجدة النهرية    الكشف عن القائمة القصيرة لمسابقة السهرات الإذاعية لعام 2025    نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة يستقبل سفير قطر لبحث تعزيز التعاون الصحي المشترك    «يونيفيل»: إعادة انتشار الجيش اللبناني في الجنوب خطوة لبسط سلطة الدولة    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام الإصدار الرابع لسندات توريق بقيمة 3.821 مليار جنيه    تحصين 94,406 رأس ماشية عبر 1,288 فرقة بيطرية خلال 4 أسابيع بأسيوط    سباليتي يعترف بتأخره في الدفع بالتبديلات أمام فيورنتينا    إنزاجي: كررنا هذا الخطأ أمام الفتح.. وعلينا تداركه مستقبلا    أمين البحوث الإسلامية: دار الإفتاء حصن منيع للمجتمع في عصر الفتن وفتاوى المتفيهقين    " أردوغان": سنقيم كيف يمكن نشر قوات أمن ضمن قوة الاستقرار بغزة    فضيحة "مشروع الزئبق"| كيف أخفت "ميتا" أدلة ضرر منصاتها على الصحة العقلية؟    مواعيد الاجازات.. بالرابط تفاصيل التقييمات الأسبوعية للمرحلة الابتدائية لتعزيز مهارة الطلاب    ضبط 7 أشخاص اختطفوا شخصا بالتجمع    وزير الخارجية يبحث مع رئيس وزراء قطر تطورات الأوضاع في قطاع غزة    شيرين عبدالوهاب تنفي شائعات الاعتزال وتعد جمهورها بمفاجآت جديدة    موعد ميلاد هلال شهر رجب 1447 وأول أيامه فلكيا . تعرف عليه    ازدحام غير مسبوق للشاحنات الإنسانية عند معبر رفح وسط استمرار الأزمة بغزة    مصرع سائق توك توك بطلق ناري على يد عاطل بعد تدخله لفض مشاجرة في شبرا الخيمة    حاكم موسكو: اندلاع حريق في محطة كهرباء تغذي العاصمة جراء هجوم بطائرات مسيرة أوكرانية    محافظ الشرقية: المرأة شريك أساسي في بناء الوطن وحماية المجتمع    «المنوفية» تحصد 12 ميدالية في «بارلمبياد الجامعات المصرية»    صحة غزة: 106 شهداء وجرحى بالقطاع خلال 24 ساعة    المصل واللقاح: نمر بذروة انتشار الفيروسات التنفسية وعلينا تجنب العدوى    جامعة بني سويف ال 8 محليا و 130 عالميا في تصنيف تايمز للعلوم البينية 2025    متحف الأكاديمية المصرية بروما يجذب أعدادًا كبيرة من الزوار الأوروبيين    «التموين» تنتهي من صرف مقررات نوفمبر بنسبة 94%    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فانصروا الوطن يرحمكم الله !؟    ورشة عمل عملاقة.. أكثر من 200 منشأة قيد التنفيذ لدعم مشروع الضبعة النووي    نتنياهو: إسرائيل ستقوم بكل ما هو ضروري لمنع حزب الله من إعادة بناء قدرته التهديدية    كلية التمريض بجامعة القاهرة الأهلية تنظم ندوة توعوية بعنوان "السكري والصحة | غدًا    أسامة الأزهري: الإفتاء تستند لتاريخ عريق ممتد من زمن النبوة وتواصل دورها مرجعًا لمصر وسائر الأقطار    «غرق في بنها».. العثور على جثة شاب أمام قناطر زفتي    غرف السياحة: كريم المنباوي ضمن أقوى 50 شخصية مؤثرة بسياحة المؤتمرات عالميا    مواجهات مثيرة.. مواعيد مباريات اليوم الأحد والقنوات الناقلة    نصر: قيمة رعاية الزمالك لا تصل للربع بالنسبة للأهلي    مصطفى كامل: محدش عالج الموسيقيين من جيبه والنقابة كانت منهوبة    أول لقاح لسرطان الرئة فى العالم يدخل مرحلة التجارب السريرية . اعرف التفاصيل    هيئة الاستثمار: طرح فرص استثمارية عالمية في مدينة الجلالة والترويج لها ضمن الجولات الخارجية    موعد مباراة ريال مدريد أمام إلتشي في الدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    كمال أبو رية يكشف حقيقة خلافه مع حمادة هلال.. ويعلق: "السوشيال ميديا بتكبر الموضوع"    بدء فعاليات التدريب المشترك «ميدوزا- 14» بجمهورية مصر العربية    مركز المناخ يتوقع تقلبات جوية قوية يومى الإثنين والثلاثاء.. وسيول محتملة    «سويلم» يتابع منظومة الري والصرف بالفيوم.. ويوجه بإعداد خطة صيانة    أنواع الطعون على انتخابات النواب.. أستاذ قانون يوضح    «هنيدي والفخراني» الأبرز.. نجوم خارج منافسة رمضان 2026    ضايل عنا عرض.. عندما يصبح «الفرح» مقاومة    وزارة الصحة: معظم حالات البرد والأنفلونزا ناتجة عن عدوى فيروسية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 23-11-2025 في محافظة قنا    وزير الري: أي سدود إثيوبية جديدة بحوض النيل ستقابل بتصرف مختلف    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 23 نوفمبر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«قارئ الجثث».. مذكرات طبيب عظيم
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 01 - 2023

شُغفت بعالم الطب الشرعى فى فترة الصبا، بسبب مسلسل تليفزيونى أمريكى شهير بعنوان «دكتور كوينسى»، كان يذاع فى السبعينيات، بطله طبيب شرعى ذكى فى منتصف العمر، يحل أعقد الجرائم، قبل سنوات طويلة من ظهور مسلسلاتٍ وأفلام كثيرة، أبطالها من الأطباء الشرعيين النابهين.
لذلك أسعدنى صدور هذا الكتاب المترجم، الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، بعنوان «قارئ الجثث»، من ترجمة مصطفى عبيد، الذى أهدانا من قبل ترجمة ممتازة لمذكرات حكمدار القاهرة البريطانى توماس راسل.
فى هذا الكتاب الجديد يهدينا ترجمة لمذكرات الطبيب الشرعى الفذ سيدنى سميث، الذى عاش فى مصر فى الفترة من 1917 إلى نهاية 1927، والذى كان أحد مؤسسى مصلحة الطب الشرعى فى مصر فى العام 1927، واشترك فى العام 1924 فى تأليف أول كتاب باللغة العربية عن الطب الشرعى، بالاشتراك مع الطبيب المصرى عبدالحميد عامر.
صدرت المذكرات بالإنجليزية فى العام 1959، ونسخها صارت نادرة الآن، ولكن عبيد حصل على إحداها، وبدلا من عنوانها الأصلى، وهو «على الأرجح.. قُتل»، اختار لها عنوانا دقيقا هو «قارئ الجثث»، لأن ذلك بالضبط ما كان يقوم به «سميث» فى معامله، حيث يستطيع من خلال بقايا الجثث، أن يجمع أدلة الإدانة أو البراءة، ويمكنه أن يقدم سيناريوهات دقيقة لما حدث بالفعل، والكتاب حافل بجرائم غريبة، لعبت فيها تقارير وشهادات سميث، دورا حاسما فى محاكمة مجرمين فى مصر وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وسيلان.
سميث، وهو بريطانى ولد فى نيوزيلندا، حكّاء كبير، بالإضافة إلى نباهته الطبية وذكائه وسرعة بديهته، مع لمسات ساخرة ترصع حكاياته أحيانا، فتجعلنا أمام نصوص تنافس قصص شرلوك هولمز، بل إن سميث يحكى عن طبيب شرعى عظيم آخر هو جوزيف بيل، ويقول إنه الأصل الذى استلهم منه آرثر كونان دويل شخصية هولمز الشهيرة.
ولكن الملاحظة المهمة هى أن الكتاب يعيد إحياء عصر وتاريخ بأكمله، بالذات فيما يتعلق بالمجتمع المصرى، فقد أتاحت التحقيقات والمعاينات أن يدخل سميث البيوت المصرية، وأن يرى ظروف الفلاحين الاقتصادية الصعبة، وكان الرجل دوما منصفا بل ومتعاطفا مع المصريين، ويُذكر مثلا أنه اقترح أن تحصل مصر على الحكم الذاتى بعد ثورة 1919، واعتبر القبض على سعد زغلول ونفيه خطأ بريطانيا فادحا.
وعلى الرغم من بشاعة الجرائم التى عاينها فى مصر، وأشهرها جرائم ريا وسكينة، التى اكتشفت فى نهاية العام 1920، فإنه لا يعتبر المصريين متوحشين، ويرى أن معظم الفلاحين بسطاء وسمحاء، ولكنهم لا يتحكمون فى غضبهم، كما أن كثيرا من جرائم القتل تتم بسبب مكائد تعدد الزوجات، ولا يقع سميث أبدا فى خطأ التعميم.
لقد كان حقا رجلا يتحرى العدالة، سواء داخل معامله، أو خارجها.
ما يجعل الكتاب شيقا هو أنه عن الحياة وليس عن الموت، رغم أنه حافل بجرائم القتل والانتحار، لأن الطبيب الشرعى يعيد أيضا إحياء تفاصيل الجريمة، معتمدا على بقايا الأشياء والأجساد، كما أنه يعيد إحياء الأدلة المطموسة.
يمكنه أن يحدد بدقة تفصيلات عجيبة: من عُمر الجثة، ونوعها (ذكرا أم أنثى)، إلى زمن وقوع الجريمة، بل إنه يقدم وصفا تقريبا لكيفية وقوعها.
إنه يتعامل حقا مع الموت، ولكن عمله هو نقيض المحو والقتل والإلغاء، وعندما نعرف أن عظمة صغيرة هى بداية خيط اكتشاف ضحايا عصابة ريا وسكينة، وأن المقذوفات النارية كانت سببا فى الوصول إلى التنظيم السرى الذى قتل السير لى ستاك، وأن ورقة جرائد مهملة دلت على تاريخ جريمة ما، ندرك بالفعل أن الطب الشرعى يعيد إحياء ما بدّده الموت.
مصر حاضرة فى الكتاب ليس فقط من خلال جرائم قتل واغتيال شهيرة، ولكن سميث يتذكرها دوما حتى وهو يفحص جرائم فى دول أخرى، لأن عمله فى مصر منحه خبرة واسعة.
جرائم التسميم بالزرنيخ مثلا فى مصر، كانت مرجعه فى كشف جرائم مماثلة فى بريطانيا وأستراليا، ويتذكر سميث أنه لم يكن يمر عليه يوم خلال وجوده فى مصر بدون عمل اختبار للجثث بحثا عن سم الزرنيخ بالذات، كما تدهشنا الإمكانيات التى وضعت تحت تصرف سميث، ليؤسس معملا مصريا من أكبر وأهم معامل الطب الشرعى فى العالم، بل إن إضافات سميث المهمة والمعتبرة فى مجال المقذوفات الجنائية، كانت نتيجة تعامله المباشر مع ثورة 1919، وما نتج عنها من قتلى وضحايا.
يدهشنا كذلك أن «الخبرة المصرية» جعلته من أوائل من دافعوا عن فكرة ضرورة الحصول على بصمات كل المواطنين، وكان ذلك أمرا غريبا ومرفوضا وقتها فى بريطانيا.
كان الرجل عبقريا بلا شك، ولكنه أحب عمله، ووجد فى البيئة المصرية مجالا للبحث والدراسة والاكتشاف والتأسيس، وسطور الكتاب تنضح بنزاهته وشهاداته العادلة.
هو مثلا الذى اكتشف أن بعض الإنجليز قتلوا برصاص بنادق الحكومة المصرية، وليس برصاص أنصار سعد زغلول، وهو الذى أثبت أن الشرطى المصرى الذى قيل إنه طارد قتلة السير لى ستاك، والذى كرّمه الإنجليز، جاءته الرصاصة فى ظهره، أى إنه كان يهرب من الجناة، ولم يكن يطاردهم، وطلب اللورد اللنبى من سميث كتمان ذلك، وقال له: «إننا نريد بطلا حتى لو لم يكن كذلك».
هذا كتاب يبعث الحياة فى الماضى بدقة مذهلة، وكم كان مصطفى عبيد على صواب بأن يكافئ دقة سميث بدقة مماثلة، تحفظ للنص تدفقه وسرده المشوق، مع مراجعة علمية لضبط المصطلحات الطبية الشرعية، تطوعت بها د. سمر عبدالعظيم، أستاذ الطب الشرعى بجامعة عين شمس.
ومثلما أعاد سميث يوما تركيب جثة من 80 قطعة أشلاء متناثرة، يعيد هذا الكتاب المهم تركيب وقائع تاريخنا المنسى، ويمنحنا دراما هائلة، جديرة بالحفظ والاعتبار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.