بعد نفي الشركة.. الموظفون المختصون ردوا بأن الرحلة خاصة بالعاملين ثم قالوا إنها أُلغيت البرنامج كان يتضمن زيارة تل أبيب.. ومصادر مسيحية: الرحلات معتادة من شركات السياحة الخاصة وليس الجهات الحكومية "لأول مرة تنظيم رحلة إلى مدينة القدس.. استكمالا لتنظيم شركة المترو رحلات السياحة الدينية، تعلن الإدارة العامة للإعلام والعلاقات العامة بالشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق ولأول مرة عن رحلة إلى مدينة القدس لزيارة الأراضي المقدسة". كانت هذه مقدمة الإعلان الذي فوجئ به الجميع على الصفحة الرسمية لإدارة الإعلام والعلاقات العامة بالمترو، على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) ظهر يوم الأربعاء الماضي، والذي نفته لاحقا شركة المترو، في بيان رسمي مساء الأربعاء، مفسرة ما حدث بأن الصفحة تم اختراقها ونشر إعلان عن تنظيم الرحلة، وأن "هذا الخبر عار تماما من الصحة". من أهم الأماكن السياحية التي شملها إعلان زيارة القدسالمحتلة، الذي تم إزالته من على صفحة العلاقات العامة للمترو، هي جبل الزيتون وجبل صهيون وطريق الآلام بمراحله ال14، وبيت لحم لزيارة كنيسة المهد ومغارة الحليب وحقل الرعاة، كذلك زيارة قبر عازر بيت مريم ومرثا، وزيارة نهر الأردن وجبل التجربة وشجرة زكا، وكنيسة البشارة اللاتين وكنيسة العذراء للأرثوذوكس، كذلك التوجه إلى يافا وتل أبيب وكنيسة مارجرجس في اللد. وتدرجت أسعار الاشتراك المعلنة مما يعادل 850 دولار إلى 1050 دولار، على أن يحصل المشاركون على "هدايا ومفاجآت وشهادة تقديس". الإدارة العامة لشركة المترو اعتادت نشر إعلانات تتعلق بتقديم كوبونات خصم وتخفيضات لحلوى عيد الفطر المبارك، وكذلك تهنئة للأقباط بمناسبة عيد الميلاد، وعيد القيامة المجيد، وعيد شم النسيم، وتهنئة لجميع أطياف الشعب بمناسبة احتفالات أعياد الربيع. بالإضافة إلى نشر إعلانات لجمعية الحج والعمرة للعاملين بمترو الأنفاق، وخلال فصل الصيف لرحلات المصايف، منها رحلة إلى محافظة مرسى مطروح بالتقسيط على عدة شهور، وكذلك شرم الشيخ والغردقة. الرحلة خاصة أم أُلغيت؟ بعد حوالي 12 ساعة من النفي الرسمي لصحة الإعلان؛ تواصل محرر "الشروق" بالرقم الساخن المعلن على الصفحة صباح الخميس الماضي، فرد عليه الموظف المختص، وسأل المحرر مباشرة عن كيفية الاشتراك في رحلة القدس، فأجاب الموظف بأن الرحلة تقتصر على الموظفين الأقباط في شركة المترو، وليست مفتوحة للاشتراكات الخارجية. وبالاتصال مرة أخرى بأحد الأرقام المعلنة للتواصل، جاء رد آخر "تم منعها" وعندما استفسرت محررة "الشروق" عن الأسباب أجاب موظف آخر "الأسباب غير معلومة لكن الرحلة اتمنعت". وسواء قد تم منع الرحلة بالفعل أم أنها مازالت قائمة بشكل سري غير معلن تحسبا لرد فعل الرأي العام كما حدث عند نشر الإعلان، فالجديد في هذه الواقعة أنها المرة الأولى التي تعلن فيها جمعية للعاملين بإحدى الجهات الحكومية أي تابعة مباشرة للجهة الإدارية -وليست شركة سياحة خاصة- عن إقامة رحلات لزيارة القدس لحج الأقباط، بل وزيارة تل أبيب. وللتأكد من هذه النقطة؛ توجهت "الشروق" بالسؤال إلى الكنيسة، حيث قال مصدر مطلع إن رحلات الحجيج إلى القدس معتادة منذ سنوات من خلال شركات سياحية خاصة ومتخصصة في هذه النوعية من الرحلات، وليس من المعتاد إقامة رحلات للقدس من جهات حكومية أو جمعيات تابعة لها. كما قال اثنان من المواطنين الأقباط سبق وسافرا القدس للحج -رفضا نشر اسميهما- إن الرحلات المعتادة تقام من خلال شركات سياحة، وأنها المرة الأولى التي يسمعان فيها برحلة تنظمها شركة حكومية أو جمعية تابعة لها. الحج إلى القدس.. تاريخ من الجدل: دعت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية رعاياها لعدم السفر إلى القدس رسميا في أعقاب حرب 1967 حيث كان البابا كيرلس السادس أول من أعلن ذلك في سياق احتجاج الكنيسة المصرية على احتلال الصهاينة للقدس وتهويدها والسيطرة على الأماكن المقدسة. وفي عام 1980 وبينما كان مصر الرسمية تتجه إلى التطبيع مع إسرائيل، صدر قرار المجمع المقدس برئاسة البابا شنودة الثالث بمنع الأقباط الأرثوذكس من السفر للقدس، لحين استعادة سيطرة الكنيسة المصرية على دير السلطان، ثم تطور الموقف علنيا ليؤكد البابا شنودة أكثر من مرة أن "الأقباط لن يدخلوا القدس إلا مع إخوانهم المسلمين" مرسخا موقفه التاريخي الرافض لجميع أشكال التطبيع، مع التلويح بمعاقبة الأقباط الذين يسافرون للقدس وحرمانهم من سر التناول، كما رفض البابا شنودة السفر بنفسه إلى القدس عام 1991. لكن في أعقاب وفاة البابا شنودة اختلف الأمر وبدأ الإعلان عن تسفير رحلات للقدس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على الرغم من استمرار تأكيد البابا تواضروس على الموقف الوطني للكنيسة المصرية ضد التطبيع في تصريحات مختلفة. كما أعلنت الكنيسة السماح لرعاياها فوق سن الأربعين بالسفر للقدس وزيارة الأماكن المقدسة، بمعنى عدم اتخاذ إجراءات عقابية ضدهم على عكس ما كانت تلوح به سابقا. ثم شهد هذا الملف تطورات أخرى بعيدا عن الكنيسة ساهمت في زيادة رحلات الأقباط إلى القدس، كان أهمها تنظيم رحلات طيران منتظمة بين مصر وإسرائيل من خلال شركة "سيناء للطيران". وفي سبتمبر 2021 أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بينيت زيارة إلى مصر كانت الأولى لمسئول إسرائيلي منذ 10 سنوات، والتقى الرئيس عبدالفتاح السيسي في شرم الشيخ، وبعدها بأقل من شهر هبطت أول رحلة تجارية تابعة لشركة "مصر للطيران" في مطار بن جوريون في تل أبيب، وفي مارس 2022 أعلنت إسرائيل عن الاتفاق مع مصر على مسار جوي جديد للرحلات التجارية لتنشيط السياحة الإسرائيلية لمنتجعات البحر الأحمر. أما التطور الآخر فهو الاعتراف القانوني لأول مرة في مصر بزيارة المسيحيين إلى القدس، والمساواة بينه وبين حج المسلمين من حيث استحقاق العامل إجازة مرة واحدة طوال حياته لأدائه. كان هذا عام 2017 بحكم أصدرته المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، رئيس مجلس الشيوخ الحالي، قضت فيه بأحقية المسيحيين المخاطبين بأحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة لأجازة مدفوعة الأجر لمدة شهر بأجر كامل ولمرة واحدة طوال حياتهم الوظيفية، لزيارة بيت المقدس، مع عدم احتسابها ضمن الإجازات الاعتيادية. وشجع هذا الحكم المسيحيين العاملين المدنيين بالدولة على الاشتراك في رحلات زيارة القدس نظرا لاعتراف المحكمة الدستورية العليا -أعلى جهة قضائية في مصر- بهذه الزيارة باعتبارها حقا للمواطنين المسيحيين بشكل عام، وبغض النظر عن القرارات الداخلية للكنيسة. يُذكر أن المتحدث باسم الشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق قد قال ل"الشروق" إن الشركة تنظم رحلات للعاملين بالمترو وأسرهم فقط، وأن أي إعلان لا يشمل أي شخص خارج الشركة، سواء الرحلات الترفيهية أو السياحة الدينية، مضيفا "المواطنين قد يعتقدون أن أي إعلان نخاطب به الأفراد، ونحن لم ولن ننظم أي رحلات للمواطنين ولكن فقط ننظم نشاطا ترفيهيا وخدميا للعاملين بالمترو".