أغنية من نوادر الألحان العربية فى كل العصور، صدرت فى ألبوم «ولا كيف» عام 2001، ولم ينتبه أحد إلى كنز الاكتشافات الموسيقية الذى توصل إليه زياد فى اللحن والتوزيع الشرقى الدقيق الذى يعتمد على آلات النفخ، فى سابقة أوركسترالية غير عادية. الدخول إلى جو الأغنية لا يستغرق كثيرا، فالجملة الافتتاحية بكامل الأوركسترا مع الآلات النحاسية والدرامز توحى بأن هناك بيانا مهما فى الطريق، غير أن اللحن يبدأ بانسيابية عذبة تلخص الحكاية الشيقة والغريبة التى يسوقها زياد على لسان السيدة فيروز: خبرنى عن أخباره، شو أخباره ان شا الله ما بو شى كل مرة باصدف جاره وهايدا جاره ما بيفهم شى تمهد نصف جملة موسيقية بآلة الترومبيت المشاغبة لصوت فيروز قبل البداية، وتنحدر آلات النفخ إلى تساؤل مغلق على خلفية عبارة «ما بيفهم شى»، لتعبر عن المأزق، فقد اختفى الرجل دون أن يترك دليلا على غيابه، أو تفسيرا لهذا الغموض. يحكى لى خبريات وبيحكى عموميات هنا ينقلب الإيقاع إلى «الزار» المصرى، ليشارك بصورة ساخرة فى «تحضير روح» الغائب الغامض، على طريقة مطاردة العفاريت. ثم تتجمع آلات النفخ فى تعبير «منكوش» حائر يساعد على الإحساس بضياعها وهى تستمع إلى «الجار النصاب»: وبيبرم ساعة ع الكلمة وما بتطلع هى بالذات ينفرد زياد بتعبير موسيقى غير تقليدى، وعكس ما تتوقعه الأذن، ويبدو ذلك جليا فى تلحين جملة الكوبليه: أنا ما قلت له شى هو خرب كل شى هو معلم مش متعلم من عمره الماضى شى فى هذه الجملة يتدحرج اللحن عبر آلات النفخ القلقة مسافة 8 نغمات كاملة، من الحاد إلى الغليظ، حتى تسقط فى «القرار» الموسيقى. إنها جملة تعطى إحساسا بالضياع الكامل فى تجربة عاطفية يتم تخريبها بتعمد من جانب الغائب. أما قفلة الجملة فهى إحدى عجائب زياد الملحن، قبل أن يعود إلى السخرية الحزينة، فى «اللازمة» التى ترد بها آلات النفخ على فيروز عندما تقول: والدكانجى ما بيحكى. (صاحب الدكان يرفض الكلام) ثم تنعكس الجملة هبوطا عندما تضيف: واللى بالأول ما بيحكى. (ساكن الدور الأول يرفض الكلام أيضا). أما كل معانى التجديد والابتكار والمفاجأة الزيادية فتتجسد فى تلحينه لهذه العبارة: وطالع لى جاره هايدا جاره إلا جاره ما بيفهم شى اللحن لا ينساب شرقيا بالطريقة المتوقعة، ولا يستقى المنطق من الموسيقى الغربية، لكنه زياد. عند إعادة المقدمة الموسيقية للمرة الثانية يضيف زياد أصواتا مزدحمة فى الخلفية، تعطى الانطباع بأن صاحبة الشكوى تسيح فى الشوارع لتلقط طرف خبر عن الغائب دون جدوى. الجميل والغريب أن الأصوات من خارج اللحن لا تطغى عليه، بل لا تكاد تظهر إلا إذا استمعنا إليها فى هدوء كامل وربما باستخدام سماعات الأذن.