زيزو يترقب ووسام يستغرب.. لحظات ما قبل ركلة جزاء الأهلي الضائعة أمام إنتر ميامي (صور)    بعد التعادل مع إنتر ميامي.. موعد مباراة الأهلي المقبلة بكأس العالم للأندية 2025    أكثر من 100مصاب فى قصف إيران الأخير لتل أبيب    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    إصابات واستهداف منشآت استراتيجية.. الصواريخ الإيرانية تصل حيفا    إعلام إسرائيلي: مصرع 5 وأكثر من 100 مصاب جراء القصف الإيراني على تل أبيب    مجدي الجلاد: الدولة المصرية واجهت كل الاختبارات والتحديات الكبيرة بحكمة شديدة    «زي النهارده».. وفاة وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل 15 يونيو 2009    بكام الفراخ النهارده؟.. أسعار الدواجن والبيض في بورصة وأسواق الشرقية اليوم الأحد 15 يونيو 2025    اليوم.. طلاب الثانوية الأزهرية يؤدون امتحان مادة اللغة الإنجليزية    السينما والأدب.. أبطال بين الرواية والشاشة لجذب الجمهور    ذكريات مؤثرة لهاني عادل: كنت بابكي وإحنا بنسيب البيت    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    احتفالًا برأس السنة الهجرية 1447.. أجمل صور لتصاميم إسلامية تنشر البهجة والروحانية    الجرام يسجل 5600 جنيه.. ارتفاع كبير في أسعار الذهب والسبائك اليوم الأحد 15 يونيو 2025    شديد الحرارة ورياح.. الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الأيام المقبلة ( بيان مهم)    سبب دمارًا كبيرًا.. شاهد لحظة سقوط صاروخ إيراني في تل أبيب (فيديو)    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    "رفقة سواريز".. أول ظهور لميسي قبل مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    أعراض السكتة القلبية، علامات صامتة لا يجب تجاهلها    حدث منتصف الليل| السيسي يبحث مع أردوغان الأوضاع الإقليمية.. وسبب ظهور أجسام مضيئة بسماء مصر    3481 طالب يؤدون امتحانات نهاية العام بجامعة حلوان التكنولوجية    الجلاد: الحكومة الحالية تفتقر للرؤية السياسية.. والتعديل الوزاري ضرورة    المهرجان القومي للمسرح يعلن عن برنامج ندوات الدورة 18 بالإسكندرية    "العسل المصري".. يارا السكري تبهر متابعيها في أحدث ظهور    القانون يحظر رفع أو عرض العلم المصرى تالفا أو مستهلكا أو باهت الألوان    سوريا تغلق مجالها الجوي أمام حركة الطيران    الحرس الثورى الإيرانى: موجة جديدة من العمليات المرکبة ردا على عدوان إسرائيل    بداية العام الهجري الجديد 1447.. عبارات مميزة لرسائل تهنئة وأجمل الأدعية    ضبط كوكتيل مخدرات وأسلحة آلية.. سقوط عصابة «الكيف» في قبضة مباحث دراو بأسوان    «الإصلاح والنهضة» ينظم صالونًا حول المستهدفات الحزبية في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان    بمشاركة 20 ألف.. مستقبل وطن يُطلق مؤتمر شباب الدلتا بالإسكندرية    رسميًا بعد الارتفاع.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 15 يونيو 2025    كهرباء قنا تفتتح مركزًا جديدًا لخدمة العملاء وشحن العدادات بمنطقة الثانوية بنات    شهادة أم وضابطين وتقارير طبية.. قائمة أدلة تُدين المتهم في واقعة مدرسة الوراق (خاص)    بالخطوات.. نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 في الجيزة عبر الرابط الرسمي المعتمد    إصابة سيدتين وطفل في انقلاب ملاكي على طريق "أسيوط – الخارجة" بالوادي الجديد    محافظ قنا يشارك في الاحتفالية الرسمية لاستقبال الأنبا إغناطيوس بالمطرانية    نتناولها يوميًا وترفع من نسبة الإصابة بأمراض الكلى.. أخطر طعام على الكلى    دون أدوية أو جراحة.. 5 طرق طبيعية لتفتيت وعلاج حصوات الكلى    ضمن مبادرة "100 مليون صحة".. صحة الفيوم تقدم خدمات المبادرات الرئاسية لأكثر من 18 ألف مواطن خلال عيد الأضحى    بث مباشر مباراة الأهلي ضد إنتر ميامي اليوم (0-0) في كأس العالم للأندية    هشام حنفي: بالميراس أقوى فريق في مجموعة الأهلي.. ومواجهة إنتر ميامي ليست سهلة    النيابة تدشن المرحلة الأولى من منصتها الإلكترونية "نبت" للتوعية الرقمية    فرصة للراحة والانفصال.. حظ برج الدلو اليوم 15 يونيو    رئيس هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السابق: لا تأثيرات لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية على مصر    سر دموع عبد الفتاح الجرينى على الهواء فى "صندوق الذكريات" ب"آخر الأسبوع"    بدأت في القاهرة عام 2020| «سيرة» وانكتبت.. عن شوارع مدن مصر القديمة    إصابة 10 أشخاص إثر حادث تصادم 3 سيارات في دمنهور (صور)    وزيرة التخطيط تلتقي بمجموعة من طلاب كبرى الجامعات بالمملكة المتحدة    محافظ الدقهلية يتابع خطة ترشيد استهلاك الكهرباء وتخفيض إنارة الشوارع 60%    جامعة بدر تفتح باب التقديم المبكر بكافة الكليات لطلاب الثانوية العامة والأزهري والشهادات المعادلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    كأس العالم للأندية| «ريبيرو» يعقد محاضرة فنية للاعبي الأهلي استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي    أسرار صراع المحتوى «العربي - العبري» في الفضاء الاصطناعي    مجدي عبدالغني: الأهلي قادر على الفوز أمام إنتر ميامي.. وأتمنى تعادل بورتو وبالميراس    الهلال الأحمر المصرى: تنظيم حملات توعوية لحث المواطنين على التبرع بالدم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جُرسَة
نشر في الشروق الجديد يوم 11 - 11 - 2022

في مَشهَد من مُسلسلِ ليالي الحلمية الذي بات علامةً مَحفورةً في ذاكرةِ الدراما العربية؛ يواجه عادل ابن الباشا سليم البدري مَوقفًا صعبًا؛ إذ يناوش فتاةً أثارت بجمالها انتباهَه، فيكون عقابُه حلاقةِ شَعرِ الرأسِ ومن ثمّ التجريسُ وسط أهلِ المنطقةِ الشعبية التي تنتمي إليها، والإهانة أمام عائلتِه الأرستقراطيةِ العتيدة.
• • •
الجُرسةُ في معاجمِ الُّلغةِ العربيةِ هي صوتُ تقليبِ الأرض، وفي الوقتِ ذاتِه تنديدٌ صريحٌ عالى الصَّوت؛ بمَن اقترفَ ما يُنافي أُسُسَ المُروءةِ ويُجافي السلوكياتِ المَقبولةِ، والحقُّ أن العقابَ لا يستقيمُ بغيرِ إشهارِ الجُرمِ أو الخطأ الذي وَقَع، فهو تحذيرٌ من التكرارِ وإنذار لمَن تسوّل له نفسُه القيامَ بعملٍ مُماثل.
• • •
في زَمنٍ ولَّى كانت الجُرسةُ تقليدًا شائعًا؛ يستمدُّ قوتَه من قوةِ القِيَم الضابطةِ لأخلاقياتِ المُجتمعِ وعاداتِه؛ تلك التي إن خرقَها أيُّ كائنٍ كان، استحقَّ الجزاءَ المُناسب بفضحِ فعيلِه وجعلِه مَشاعًا على ألسنةِ الناس، يعلمُ به القاصي والداني. اكتسبَ طقسُ التجريسِ معالمَه الخاصة على مرّ العصور؛ واشتهر بوضعِ الشخصِ المُذنِب على الحمارِ مَعكوسًا، لينطلقَ الأطفالُ وراءه مُحدثين جلبةً عظيمةً، يُهلّلون ويُردّدون من العباراتِ ما يدعو إلى ازدرائه وتحقيره.
• • •
يُقالُ إن الجُرسةَ ترجِع إلى عهدِ الدولةِ العبيديةِ، ومنها امتدَّت إلى الدولةِ الفاطمية، واستمرَّت إلى وقتنا هذا وإن في صورٍ مُتباينة، وكان الرائجُ فيما مضى أن يُطلى وجهُ المُدان؛ سواء كان خائنًا لأمانةٍ أو سارقًا لقوتٍ أو واشيًا بسِرّ، ثم تُعلَّق حوله الأجراسُ والجلاجِلُ؛ فيجذب صخبُها انتباهَ المارةِ ما تحرَّكت الدابةُ، ويتساءل الرائحُ والغادي عما اقترف المَتعوسُ من آثامٍ، ويتجنبه أصحابُ الفضيلةِ وينفرون منه، وغالبُ الظنّ أن تعبيرَ "فضيحة بجلاجل" قد انبثق من هذا السياق.
• • •
ما الجَرَسُ إلا صوتٌ مُمَيَّز يُستخدَم في العادة للتنبيه. جَرَسُ انتهاءِ حصَّةٍ مَدرسيةٍ وبداية أخرى، جَرَسُ البابِ الذي يُعلن قدومَ زائر، جَرَسُ الهاتفِ الأرضيّ المُوَحَّد؛ وقد قَصرت وسائلُ التواصُلِ في عقودٍ خَلَت عليه، وجَرَسٌ يطلُب به قعيدُ فراشِه مُساعدةَ الآخرين، وآخرٌ يظهر في حيواتٍ أكثرَ ترفًا ورفاهة؛ إذ يهزُّه سادةُ المكانِ فيلبي الخُدَّامُ النداءَ مُهرولين طائعين.
• • •
تتردَّد في الذاكرةِ أغنيةُ رافقت أيامَ الطفولةِ وزانتها بهجةً؛ جرس الفسحة ضرب ضرب.. صوته كله طرب طرب. أدت الفنانة سعاد حسني الكلماتِ المرحةَ، بما لها من خِفَّة وحضورٍ طاغٍ، فنطقت بلسانِ الصدقِ، ووَصَفَت ما كان يجولُ بخواطرِنا صِغارًا دون زيادةٍ أو نُقصان. كان جرسُ الفُسحةِ دون غيره؛ إيذانًا بالانعتاق من شرحٍ بلا طائل، ومن حَرَجٍ يعقبُ سؤالًا بلا جواب. يتردَّدُ الرنينُ فنقفز مِن أماكنِنا قفزَ المُلهوفين، ونتزاحمُ لنخرجَ من الحُجرةِ خروجَ من قضى وقتًا داخل مصيدةٍ لا يستطيع منها نجاة. لا أعرف وقعَ جَرَسِ الفسحةِ اليومَ على التلامذةِ والحال من سَقطةٍ إلى هُوةٍ إلى جرفٍ عميق، والظنُّ أن زمنَ الفُسحةِ قد انقرضَ ولم تعد بالأفنيةِ مساحاتٌ للَّعِب، وقد يتحولُ الأمرُ خلال زمنٍ قريبٍ إلى دَرسٍ مُتَّصلٍ في مَركزٍ بلا فناء؛ يضمُّ بين جدرانِه طُلابًا بلا روح.
• • •
إذا قيل جَرَّسَ الدهرُ فلانًا بتشديد الراء؛ فالقصد أنه أتاه الحِكمَةَ والحنكةَ وأنضَجَه بالتجرِبة، مع هذا؛ رُبَّ أشخاص تمُرُّ بهم الأعوامُ والسنون مرَّ الكِرام، فلا تمنحهم من رزانتِها نُتفةً، ولا تُزيدهم إلا نزقًا ورعونة.
• • •
أن يتصاغرَ فرسُ النهرِ ليُناطِح وسطَ الجماهيرِ نملة؛ فقد استجْلَبَ لنفسِه جُرسَةً، وأن يُعاندَ المَرءُ في حَقٍّ ويُكابر، إلى أن يهتفَ به الناسُ زمرةً واحدةً مُحاولين إفهامه؛ فتلك لا مَحالة جُرسة.
• • •
على كلٍ، لم تحتفظ الجُرسَةُ في أيامِنا هذه بهيبتِها القديمةِ، ولا عادت لها بَصمةٌ في الذاكرةِ أو علامةٌ في النفوس؛ إذ المُوبقاتُ كلُّها تجري على رؤوسِ الأشهاد، وقد خَلَت الجِعابُ مما يدعو لاستحياءٍ أو خجل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.