"شخص مهلهل الملابس.. يداه مقيدة خلف ظهر ويركب فوق حمار بالمقلوب.. يسحب الحمار شخص صوته جهور ومن خلفه عدد كبير من الأطفال والصبية وأحيانا الكبار".. هذا المشهد اعتاد عليه الناس قديمًا وأطلقوا عليه "التجريس"، إلا أنَّه تمَّ استحداثه في الآونة الحالية. بعض الجهات الحكومية في المرحلة الحالية استحدثت فكرة التجريس لمواجهة المخالفين، إلا أنَّ هذا التجريس لا يكون ب"ركوب الحمار بالمقلوب" لكن عبر النشر في الصحف. الشخص الذي يركب الحمار بالمقلوب هو صدر ضده حكم قضائي قديمًا، وهو إمَّا السارق أو خائن الأمانة أو المختلس أو الذي يقف على النواصي وأمام مدارس البنات للمعاكسة واصطياد الفرائس بأن يتم تجريسه بمعنى أن يركب حمارًا بالمقلوب ويدهن وجهه بالقار أو بالجير، وتعلق في رقبته الأجراس والجلاجل ويزفه الناس ويدورون به في الطرقات والأزقة ليعلم القاصي والداني أنَّ هذا مذنب ومجرم فيتجنبه الأهالي.. هنا جاءت مصطلحات مازالت متداولة حتى الآن ومنها "الجرسة.. والفضيحة أم لأجل"، وهذه الأيام لجأت إليها الحكومة في بعض الأحيان لمواجهة بعض الجرائم التي ترتكب باستمرار ولا يحقق فيها القانون الردع المطلوب. البيئة وقش الأرز من الوزارات التي لجأت إلى تطبيق هذا النوع من العقوبة هي وزارة البيئة التي أعلنت أنَّه سيتم إعلان أسماء مرتكبي حرائق المخلفات الزراعية وكذا نشر صورهم لردعهم عن ارتكاب الممارسات الخاطئة في حرق المخلفات الزراعية، نتيجة تجاهلهم للتحذيرات المتكررة بشأن عقوبة الحرق، ورفضهم التعاون مع منظومة المخلفات الزراعية. التموين والقائمة السوداء وزارة التموين والتجارة الداخلية أعلنت أيضًا في أكثر من مرة إعداد قائمة سوداء باسم الشركات التي تنتج منتجات رديئة وتقدمها للمواطنين، وأيضًا الشركات التي تورِّد منتجات "التموين" إلى الوزارة ولا تلتزم بالمواصفات المطلوبة. جهاز حماية المستهلك، برئاسة عاطف يعقوب، أيضًا من الجهات التي قررت تطبيق جريمة "التجريس" في عملها حيث نشرت أسماء عددٍ من المطاعم التي ضبطت بها ضبط أطعمة غير صالحه للاستهلاك الآدمي، وحذَّرت من التعامل مع هذه المطاعم، كما نشر الجهاز أيضًا أسماء عددٍ من الشركات التي تبيع منتجات رديئة وأيضًا تللك التي تخالف تعليمات الجهاز الذي من حقه حسب قانونه الجديد أن يحيل المخالفة مباشرةً إلى النيابة العامة للتحقيق فيها، وتسير الإجراءات القانونية حتى إصدار حكم من المحكمة المختصة. علي جمعة يرفض الدكتور علي جمعة مفتى الجمهورية السابق له رأي مختلف في هذا الشأن، حيث يقول: "التستر أمر مطلوب في الشرع الشريف، والنبي صلى الله عليه وسلم قال "الدين النصيحة ثلاث، قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". وأضاف جمعة، في بيان له: "فرَّق العلماء بين النصيحة والفضيحة وبينهما الستر، فالنصيحة تكون بإخلاص وفي السر لأنَّها نصيحة تريد التغيير لا التعيير، والفضيحة تريد التعيير، والأصل في الشريعة الستر بمعنى أنَّني لو ارتكبت ذنبًا عليَّ أن أستره على نفسي لقوله تعالى "لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ". وشدَّد على أنَّ العلماء "أهل الاختصاص كانوا قديمًا "يجرِّسون" كل من يتجرأ على دين الله بدون علم وهي مأخوذة من لفظ "الجرس" وكان لديهم نظام لترقية الطلاب ولإجازتهم بتدريس العلم الشريف، متابعًا: "كان سادتنا العلماء يقولون للطلاب من يرى في نفسه الأهلية للتدريس فليتقدم ويترك له الكرسي لكي يعطي هو الدرس في هذا اليوم على سبيل الاختبار العملي ويجتمع له كل العلماء المنوط بهم التدريس في الجامع الأزهر وبعد أن يلقي الطالب الدرس يناقشونه فيما قال، فإن رأوا أنَّه لا يصلح فلا يجيزونه بالتدريس، ولكن كان بعض من هؤلاء يصرُّ على أن يدرس في حين أنَّ قرار اللجنة العلمية من العلماء أنَّه لا يصلح فكانوا يضعون لمثل هذا عقوبة التجريس لتجرأه على دين الله فيركب على حمار بالمقلوب ويغطى وجهه بالهباب ويسير أمامه رجل يقرع الجرس ويقول هذا الذي أراد أن يهين العلم الشريف فكان هذا جزاء من يتصدر قبل أن يتعلم وقد ابتلينا في عصرنا هذا بمثل هؤلاء الذين يتكلمون في الدين بما لا يعرفون". عقوبه اجتماعية من جانبها، اعتبرت الدكتورة هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق أنَّ عقاب التجريس بالنشر في الصحف أو التعليق على أعمدة الإنارة مثلما فعل البعض في محافظتي الشرقية والوادي الجديد عودة إلى عقوبة التجريس التي كانت موجودة في العصر الفاطمي. وأضافت: "هذا الأمر لا يناسب كل المناطق، وقد يصلح في محافظة مثل الوادي الجديد حيث توجد علاقات اجتماعية بين العائلات، ومن ثمَّ فإنَّ ظهور أحد أفراد العائلة سيشكل وصمة عار لكل عائلته لكن في المدن حيث لا يعرف الناس بعضهم لن يكون مجديًّا أحيانًا".