كلنا حمادة صابر.. ذلك المواطن الغلبان الذى تم التمثيل به عارياً، كى يفضح بعريه مجتمعاً ظالماً ونظاماً فاشلاً.. ولا توجد أى وسيلة لتعويض هذا المواطن المسكين أو لرد الاعتبار للمجتمع المصرى ألا بأن يتم خلع ملابس قائد فرقة الشرطة التى فعلت ذلك، وكل من يعتبر مسئولاً عما حدث له، وان يوضع عارياً فوق حمار بشكل معكوس، وتعلق الأجراس فى عنقه، ويدور به الحمار من أمام بوابة الاتحادية حتى يصل الى ميدان التحرير.. ذلك هو أضعف الإيمان.. لأن التعويض الحقيقى لا ينبغى ان يقل عن تطبيق عقوبة التجريس على كل من كان مسئولاً عن هذا الفعل الشائن، وان يحملوا جميعاً على الحمير حتى لا يتجرأ اى مسئول فى المستقبل على ان يسمح بذلك الظلم وتلك المهانة، لان من يقبل بفعل ذلك فى اى مواطن يجب ان يقبلها على نفسه.. هل يكفى الاعتذار..؟، بمعنى ان يتم امتهان كرامة إنسان ثم يقال له ببساطة «سورى يا أخ».. وإذا كان ذلك كافياً، فربما يكفى أيضاً ان نبادر يخلع ملابس كل المسئولين فى هذه الدولة الظالمة، وبعد تجريسهم نعتذر لهم قائلين: «سورى يا مسئولين». وعلى كل حال فأن عقوبة التجريس لا تعد جديدة، وسبق تجريبها وكانت فعالة، حيث كان يتم الحكم بها على بعض المجرمين بحملهم بالمقلوب فوق حمار مع دهان وجوههم بالقار، وتعلق فى رقابهم أجراس مجلجلة، ويدورون بهم فى الشوارع والحارات لتجريسهم، ولذلك تجد فى مأثوراتنا الشعبية إصطلاح التجريس، وإصطلاح « فضيحة مجلجلة « أى الفضيحة التى تحمل أجراساً تفضح الآثم على رؤوس الأشهاد.. هل عادت الدولة البوليسية التى ظننا أنها انكسرت أمام الحشود الثائرة التى داستها بالأقدام فى تلك الأيام الرائعة التى شهدتها الثورة المصرية ؟.. يبدو أنها أخذت الضوء البرتقالى على الأقل وخاصة بعد خطاب الرئيس الذى هدد فيه وهو يصوب أصبع التخويف إلى عيوننا، بأنه أعطى أوامره للأمن بأن يتعامل بكل قوة وحزم.. وإذا كانت تلك الدولة البوليسية تلملم أطرافها الآن كى تنقض على مولود الثورة البريئ كى ترهبه وتدفعه مرة أخرى إلى الإنزواء والإنطواء، فهل يوافق شعب مصر أن يداس بالبيادة مرة أخرى، وأن تحاط معاصمه وأقدامه وألسنته بالقيود، وأن يلقى فى الشوراع عارياً تحت أقدام زبانية السلطان.. ؟؟ أظن أن النظام يخطئ خطأً ً كبيراً إذا تصور أن مشهد المواطن الغلبان حمادة صابر سوى يلقى بالرعب فى قلوب الشعب المصرى، أو أن جثث الشباب الطاهر التى تزركش لوحة الوطن سوف تدفع الأمهات كى تمنع الأبناء من الخروج على الحاكم الظالم.. لقد انكسر القيد يا سادة وعرف الشعب طريقه، وإذا كان لديكم شك فى ذلك، فاسمعوا ما قالته والدة الشهيد محمد الجندى، وباقى أمهات الشهداء.. أما إذا كانت الخطة هى دفع الشرطة كى تفترس المعارضة السلمية إلى آخر جندى من الأمن المركزى، كى تنهار الشرطة وتنهك المعارضة ويفسح ذلك الطريق لمليشيات الحرس الثورى التى يجرى إعدادها كى تستكمل مراسم استعباد هذا الشعب، فأن السحر قد ينقلب على الساحر، لأن أبناء مصر من جنود الشرطة وضباطها لن يستطيعوا الإستمرار فى التورط فى هذه الخطة الشيطانية، ولذلك أيضاً أدعو كل شباب مصر فى الميادين، أن يحملوا الزهور ويقذفوا بها رجال الشرطة بدلاً من الأحجار، ورغماً عن رائحة قنابل الغاز التى يبدو أنه تم أستيراد كميات جديدة وغريبة منها.. وسوف ينضم هؤلاء الرجال من شرطة مصر فى النهاية للتيار الشعبى الدافق الذى يرفض الذل والإستعباد، ولا يقبل انتهاك كرامة أى إنسان على أرض مصر بعد ثورته المجيدة.. أن المشاكل التى تمر بها مصر الآن لا يمكن أن تحل بالقبضة الأمنية، أو بتعرية المواطنين وسحلهم فى الشوارع، أو بإلقاء جثث الشباب بعد تعذيبهم فى مراكز الإحتجاز، ولا يمكن التحجج بما يسمى « شرعية الصندوق «، فى مواجهة « الصناديق « التى تحمل جثث الضحايا.. دماء الشهداء أغلى من هذه الشرعية، بل أنها ستظل لعنة تلاحق هذه الشرعية المزعومة حتى تمسحها، ولا زالت نفس التجربة قريبة عندما ظن نظام مبارك أن قبضته الأمنية سوف تحمى شرعيته المزيفة، ولكن هذا النظام سقط مع أول قطرة دم سالت فى شوارع السويس.. وأظن أن الفرصة لا تزال متاحة لوقف نزيف الدم، إذا أدرك رجال النظام أن مصر قد تغيرت، وإذا تخلوا عن أوهامهم فى اختطاف الوطن والإستهانة بالمعارضين، ولا بد من التوقف فوراً عن نفخ نيران العنف والكراهية، ودفع الشباب لدائرة رد الفعل الخشن كى يبرر ذلك تركيع المعارضة بالقوة بادعاء أنها تحض على العنف.. أما إذا واصل أهل الحكم تلك السياسة العقيمة، فليس لدى أى شك أن يوم « الجرسة أم جلاجل» سوف يأتى، حين يمثلون مثلما مثل سلفهم أمام عيون العالم يتفرجون عليه، بعد أن ظن أن الدنيا دانت له ولبطانته، فجاءتهم الضربة فى يوم الزينة حين كانوا يحتفلون بعيد الشرطة، بينما يقول كبيرهم : « خليهم يتسلوا «.. ساخراً من معارضيه.. لا تستهينوا بدعوات المظلوم والمقهور، فهى لعنات تلاحق الظالم فى الدنيا والآخرة، ولا ينبغى لأبنائنا فى الشرطة أن يقبلوا إعادة ذلك الدور الذى لا يليق بهم، لأنهم حماة الشعب وليسوا حماة النظام.. أى نظام.. وأقول فى الختام للمواطن المصرى الغلبان حمادة صابر، شلت يد من أهانك وقام بسحلك عارياً، فهى ليست إهانة لك وإنما لشعب مصر كله الذى تم سحل سمعته أمام العالم كله، ولا ينبغى أن نصمت حيال هذه الجرائم مهما كان الثمن الذى ندفعه، لأننا لو صمتنا سنخون دماء الشهداء، ونبدد مستقبل أولادنا وأحفادنا.. .