الرمال السوداء أو الثقيلة ثروة مصرية كامنة لطالما تم إهمالها، ولكن الآن أعاد الرئيس عبد الفتاح السيسي الآمال مجددًا بشأنها، بعد 90 عامًا من اكتشافها، وذلك من خلال افتتاح مجمع مصانع الشركة المصرية للرمال السوداء بمدينة البرلس في محافظة كفر الشيخ. وتأتي أهمية الرمال السوداء؛ كونها ناجمة عن ترسبات نتيجة اصطدام مياه النيل الحاملة للطمي بمياه البحر المتوسط عند المصبات، وتتوزع هذه الرمال على طول ساحل الدلتا، وساحل شبه جزيرة سيناء، وتتمركز في 11 منطقة تبدأ من إدكو في محافظة البحيرة حتى مدينة رفح، كما أنها تُعد مصدرًا رئيسيًا لعنصر اليورانيوم، والمفاعلات النووية، إلا أنه يتم استغلالها بشكلٍ سيء، مثل الاستخدام في البناء. وقد أدركت القيادة المصرية هذه الأهمية، ما دفعها للاستفادة منها على النحو الذي يساهم بشكل كبير في زيادة العوائد الاقتصادية، وهو ما أكده الرئيس السيسي، خلال افتتاح المجمع، بأن المشروع انتظر فترة طويلة لإنشائه على الوجه الأمثل، وذلك حتى تتوفر كل المعدات والإمكانات والخبرات المطلوبة. وذكر الرئيس، على هامش الافتتاح؛ صباح الأربعاء: «تكلفة المجمع كانت 4 مليارات جنيه، إلا أن هناك دراسات حاليًا يتم إجراؤها بشأن إمكانية إنشاء مجمع آخر في مناطق تواجد الرمال السوداء، مثل بحيرة ناصر، وذلك لأن المجمع سيوفر الاستيراد بما يقرب إلى 50 مليون دولار، والعديد من فرص العمل، وزيادة الإنتاج المحلي». - ردود أفعال واسعة أوضح رئيس هيئة المواد النووية الدكتور حامد ميرة، أهمية الرمال السوداء في خدمة الاقتصاد الوطني، وتتمثل في: أولًا: البُعد الاقتصادي: المعادن التي تحملها الرمال تكمن أهميتها في أسعارها ووظيفتها وقيمتها الاقتصادية، إذ تحتوي على عناصر استراتيجية تقم عليها توطين صناعات تكنولوجية متقدمة. ثانيًا: البُعد البيئي: المعادن لها تأثير سلبي على البيئة الشاطئية، ولذلك ساهمت المعادن في تطهير السواحل وتأهيلها لسكانها وللمشروعات الاستثمارية والسياحية. ثالثًا: البُعد الاجتماعي: من خلال التنمية المجتمعية وتوفير عدة فرص عمل، وبنية تحتية متينة. وتابع الدكتور حامد قائلًا: "هناك 6 معادن رئيسية موجودة في الرمال، وهي الإلمنيت، والزيركون، والجارنت، والروتايل، والمونازيت، والماجنتايت"، وهي مواد معدنية تُعد جزءً من المواد النووية، وتستخدم في صناعة الحديد والصلب، ولذلك فإنها ستحقق اكتفاءً ذاتيًا، بعدما كانت تستورد مصر المواد الخام لهذه العناصر. بينما أكد رئيس المجلس الاستشاري العربي للتعدين الدكتور حسب بخيت، أن المجمع الجديد يعتبر نقلة نوعية في مجال الثروة المعدنية لمصر، ويأتي في المرتبة الثانية بعد مشروع "السكري" لمناجم الذهب من الناحية الاقتصادية والعوائد، مشيرًا إلى المكاسب التي ستحققها مصر من المشروع، وهي: 1. منع إهدار الرمال واستغلالها واستخدامها في البناء. 2. المعادن مطلوبة عالميًا بشكل كبير، وأبرز الدول التي تحتاجها الدول المتقدمة. 3. يُعد المشروع أول تجربة لاستغلال الرمال، ولن يتم الاقتصار على موقع المجمع فقط بل سيمتد إلى عدة محافظات. وأضاف أن هناك 4 قطاعات تحوى على هذه الرمال، وتتمثل في: 1. ساحل الشمال، وهو ساحل البحر الأحمر الممتد من أبو قير لرفح، وهذا ما بدأت به الدولة. 2. قطاع البحر الأحمر، وهو الروافد الوديانية القادمة من الجبال. 3. وسط الصحراء الشرقية. 4. بحيرة السد العالي. كما أن المشروع يعتبر صديقًا للبيئة، إذ أنه استخدم الطاقة الكهربائية، وليس الديزل والمواد البترولية، ولذلك فهي آمنة من الناحية البيئية، وسيقلل الانبعاثات الكربونية. - كفر الشيخ.. أرض الرمال السوداء وفي ذات السياق، أشاد محافظ كفر الشيخ اللواء جمال نور الدين، بالمشروع، وجهود الرئيس السيسي، موضحًا أن المشروع بدأ تنفيذه منذ 3 سنوات، ولكن أبحاثه بدأت من الثلاثينيات، وذلك نظرًا لعدم وجود الإمكانات والإرادة السياسية الحقيقية، فضلًا عن أن المشروع يعتبر أحد المشروعات العملاقة، إذ تُقدّر مساحته ب 80 فدانًا، وينقسم إلى 6 مصانع، كل مصنع مخصص لمعدن معين، ولذلك حتى تساهم المحافظ في مثل هذه المشروعات تم إنشاء مدرسة للتعليم الفني لمد المشاريع بالعمالة الماهرة المدربة، وهو ما انعكس في نسبة العمالة في المصنع التي مثلت 80% من أبناء المحافظة. بينما عقب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية العميد خالد عكاشة بأن المشروع نسف كل الشائعات والاكاذيب التي تنشرها جماعة الإخوان الإرهابية بشأن عدم قدرة الدولة على استغلال وتنمية مواردها، فيما أشار مدير مركز العدل للدراسات والأبحاث الاقتصادية الدكتور كريم عادل، إلى أن نتيجًة للمشروع، ستحدث زيادة في الاعتماد على المكون المحلي، وإنجاح سياسة الدولة في توطين الصناعة، وتقليل الاستيراد، ومن ثم، سيخفف العبء على النقد الأجنبي والموازنة العامة. - البرلمان يؤيد المشروع وعلى المستوى البرلماني، أكد رئيس لجنة الصناعة في مجلس النواب النائب معتز محمود، أن المجمع يعتبر أول مصنع يتضمن تكنولوجيا فصل المعادن من الرمال السوداء في مصر، كاشفًا عن أنه خلال الأسبوعين القادمين، سيتم إصدار الخريطة الصناعية الكاملة لمصر، التي توضح نوعية الاستثمارات المطلوبة وأماكنها. ومن خلال ما سبق، يتضح مدى اختلاف رؤى القيادة السياسية حاليًا، إذ تنطلق هذه الرؤى من ضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال الاستفادة الكاملة والنافعة من كل "شبر" في الدولة، ومن ثرواتها الكامنة، بالشكل الذي يساهم في تحقيق التنمية والازدهار، وهو ما جاءت به رؤية مصر 2030، ومازالت مصر مستمرة في طريقها نحو التقدم، رغم كل المعوقات والتحديات التي تواجهها، خصوصًا في الفترة الحالية.