لا أعرف على وجه الدقة كم كان عمر المهندس هشام مصطفى خليل حين كان والده يدير المفاوضات مع إسرائيل ويحمل على كاهله عملية التطبيع التى ناءت بحملها الجبال ويصعد بها إلى الأدوار العليا على قدميه. ربما كان فى ريعان الصبا أو شرخ الشباب، لكن من الواضح أن الابن هشام كان مشاركا عن كثب ومتواجدا عن قرب فى تفاصيل التفاصيل، كما بدا فى الحوار الذى أجرته معه «المصور» فى إطلالتها الجديدة أمس. خليل الابن وكما جاء فى حواره مع «سليمان عبدالعظيم» كان يستمع لمكالمات والده مع السادات ومازال يحفظ تفاصيلها عن ظهر قلب كلمة كلمة، وكان حاضرا فى اللحظات العصيبة التى كان والده فيها يصهل غاضبا فى وجه فايتسمان وبيجين ويعاقبهما كتلميذين مخطئين وهما يرتعدان خوفا وخجلا أمام ثورته العارمة. يقول هشام: «كان هناك عشاء رسمى فى قصر الطاهرة بين والدى والجنرال (فايتسمان) الذى قال له وكنت شاهدا على هذا الحوار: كده يا دكتور مصطفى تمشى وتحرجنى قصاد الناس دى كلها.. فرد عليه والدى فورا: آه.. مش انت رحت للرئيس السادات وعايز تتفق معاه من ورا ظهرى «لا أعرف ماذا كان يشتغل خليل الابن فى ذلك الوقت. لكن على ما يبدو فإن مناسبات العشاء الرسمية على مستوى رؤساء الوزراء ووزراء الدفاع فى تلك الفترة كان يكتب على ظهر الدعوة لها «مسموح باصطحاب الأبناء والأطفال»، وإلا بأى منطق تجرى المفاوضات بين دولتين مفترض أنهما عدوان ووسط ترقب العالم كله فى وجود الأنجال؟ وهل كان أبناء جنرالات إسرائيل أيضا يحضرون؟ ليس هذا هو كل ما فى جعبة الابن هشام فقد كان شاهد عيان على حوار سرى للغاية بين والده والسادات حين رفض الأول العشاء مع بيجين الذى عايره بأنه رئيس حكومة معين بينما الإسرائيلى رئيس حكومة منتخب، وبعد قليل من المحايلات وافق مصطفى خليل «عشان خاطر الريس السادات بس». ويمضى خليل الابن تاركا حبل الذكريات على الغارب مستخدما طوال الوقت عبارات من عينة «سمعت بأذنى وشاهدت بعينى». غير أن أطرف ما فى هذه المذكرات الظريفة أن الابن هشام كان حاضرا أيضا لمكالمة سرية بين والده والسادات حينما أعلن الأخير قراره بالذهاب إلى القدس فطلب منه مصطفى خليل أن يكون معه فى الرحلة فرد عليه السادات «يا دكتور مصطفى انت عندك أولاد ولسة صغيرين وأنا واخد قرار بأخاطر بيه» ولا أستبعد امتدادا لهذا السيناريو اللطيف أن يكون خليل الابن قد اختطف سماعة التليفون من الأب وقال للسادات «والنبى يا عمو عايز اجى معاكم» وربما قال له الأخير «المرة الجاية يا هشام».