جاءنى وفى عينيه طوفان من الدموع الحزينة، يقلب فى صور لا أعرفها، يبتسم مرة ويكشر مرات فضولى يدفعنى أن استرق من صوره لقطات لعلنى أعرف سبب ابتسامته وعبوسه معا لا يشعر بمساحة القرب التى صارت بيننا، فجسدى يكاد يلتحم بجسده حتى خشيت أن يفهم قربى منه أمرا آخر ازداد قلقى عليه، فرموشه لا تطرف.. وريقه لا يبلع وزفيره لا يخرج.. وشهيقه لا يتسرب إلى رئتيه أناديه فلا يجيب، حتى ظننت أننى فقدته للأبد، لكن دمعات من عينيه نزلت فأمسكت قلبى فرحا حتى لا يفر من بين ضلوعى ارتفع صوته فجأة ينادينى ويحكى: تصور يا هشام إن عادل يوم ما انتحر كان عيد ميلاده كتمت تساؤلى عن عادل الذى لا أعرفه لأسحب من لسانه وقلبه كل ما يفكر فيه عادل مات منتحرا بعد فشله فى الثانوية العامة للمرة الثانية واستمر يسبح فى أغوار حكايته، ترفعنى الأحداث إلى أعلى تارة وتشدنى إلى أسفل تارة أخرى عرفت عن عادل ما لا أعرفه عن هشام صديق عمرى ماذا يأكل وما مشروبه المفضل؟ أسماء محبوباته حتى رقم تليفون منزله وهاتفه المحمول وعدة التليفون الأثرية التى كان يحملها طوال خمس سنوات حتى ظننت لبرهة أننى لابد أننى أعرف عادل معرفة خاصه جدا وأن هشام لا يحكى من فراغ، إنما اختار الشخص الذى يذكره بعادل صديق العمر ومن بين الكلمات الكثيرة والتفاصيل المتلاحقة عاد هشام يكرر جملته عادل مات منتحرا بعد فشله فى الثانوية العامة للمرة الثانية لا أصدق نفسى ماذا حدث لهشام كيف يتذكر حدثا وقع منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما كأنه كان بالأمس القريب وظل يضم الصور التى بين يديه ويقبلها ويبكى كأن عادل قد مات اليوم حاولت أن أجعله يهدأ ويعرف أننا قد تخرجنا من الجامعة ونعمل فى سلك النيابة منذ فترة ليست بقصيرة، لكن نحنحه الصول فتحى استوقفتنى فنظر فى عينى كأنه يطلب أن أقرأ ما فى عينيه من كلمات فلم أعرف.. شعرت بغليان فى عروق رأسى، وأدركت أننى تحولت إلى أغبى الأغبياء وتوقف عقلى عن استقبال إشارات من أحد فهمس لى الصول فتحى متأثرا: أنظر فى الصور التى فى يدى هشام بيه لتعرف الحقيقة كم كنت أنتظر الإشارة من الصول فتحى لكى أقفز بكلتا يدى وأخطف برشاقة لم أعهدها فى نفسى صورة من تلك الصور التى يبكيها صديقى هشام، فإذا بى تذهلنى الحقيقة ليس عادل من كان فى الصور إنه (رامى) ابن هشام الوحيد!! وبعفوية ساذجة ورعونة متناهية أطلقت صرخة من داخلى (يا هشام ده رامى ابنك هو فين عادل ده) ولأول مرة يضع الصول فتحى يديه ليغلق كلماتى المنساقة وراء جهلى بالكارثة لم أحتمل تطاول الصول فتحى على فقررت أن أطرده من الحجرة التى تجمعنى بهشام، وأغلقت الباب، واستسلمت لنداء كرسى بأن أجلس قليلا لأستوعب ما حدث أغمضت عينى وراجعت ما سرده على صديقى هشام ثم فتحتها باحثا عن تاريخ اليوم لمحت جريدة اليوم.. اليوم نتيجه الثانوية العامة ورامى ابن هشام طالب فى الثانوية العامة أذهلنى ما وصل إليه تفكيرى فلم أجرؤ على سؤال هشام وفضلت أن أنادى الصول فتحى.. اقتربت بصوتى من أذنيه، سألته عن رامى، فإذا بإجابته تشطرنى نصفين مات رامى منتحرا مثل عادل وفقد هشام عقله حزنا عليه