بأتيليه القاهرة فى الصف الأخير جلس المخرج داوود عبدالسيد يرصد المشهد، ويستمع بشغف شديد إلى كل من كان له تعليق على شريطه السينمائى الجديد «رسائل البحر» من خلال ندوة خصصها الاستشاري النفسي د. خليل فاضل لتحليل شخصيات العمل والرؤية السيكلوجية له، أو كما أطلق عليها فاضل نفسه «محاولة تفسير نفسية لفك شفرات داوود إلى بحره الغاضب». وقال: إنه يتتبع أفلام داوود عبدالسيد بدأب شديد، ليعتمد على تلك النماذج الإنسانية، التى يطرحها فى أفلامه لتعينه على تطبيق بعض الدراسات والنظريات النفسية كما أنه يعتمدها كشرح لبعض الحالات النفسية. ويرى د.خليل أيضا أن معظم مرضاه أنفسهم يمثلون رؤى سينمائية متنوعة. أما حالة الفيلم فوصفها د.فاضل بأنها أقرب إلى الحلم كتبت فى حالة من «التهويمه»، وهى تلك اللحظات الخاصة جدا بين النوم واليقظة، بما فى هذا الحلم من مطر وليل وخمر وبوليس ونساء. غير أن د. فاضل تحفظ على وجود شخصية الحاج هاشم «فى الفيلم والتى جسدها الفنان صلاح عبدالله ليمثل «الرمز البشع للنوفريش», حيث رأى فاضل أن موضوعه كتب خارج العقل الباطن فأيقظته من هذا الحلم الداوودى على يد أحد الذين يشترون العقارات الجميلة ليهدموها ويقيموا مكانها المولات معتبرها د.خليل شيئا مكررا لقضية باتت قديمة. أما الرموز التى عنى د. فاضل بتفسيرها فكان منها موضع الذاكرة فى نفس كل من «يحيى»، و«نورا»، و«قابيل» خاصة هذا الأخير الذى جعله داوود يزيح عقدة القتل إلى خوف فتم علاجه. يبرز د. خليل فاضل أهمية المجهول فى «رسائل البحر» الفيلم/الحلم، والذى يصفه بأنه مغبش بالمطر وصوت الريح والموسيقى التى يعزفها مجهول، وينتظرها الجميع عند الشرفة دائما مع حلاوة المجهول بأن يظل مجهولا كتلك الرسالة التى حملتها زجاجة ويسكى فارغة عبر البحار، والتى لن يفك شفرتها أحد لأنها رمزية محفورة فى العقل الباطن للناس والبلد». والجميل الذى لاحظه د.فاضل أنه رغم توتر شخصيات الفيلم والتى اسماهم فاضل ب«المتلعثم والبغى والبودى جارد» بسبب ظروفهم القاسية ومعاناتهم الداخلية والخارجية إلا أنهم ناجحون فى التعامل مع مكوناتهم الداخلية وواقعهم. بما يعنى انها شخصيات منسجمة ومتصالحة مع نفسها والتى يجدها فاضل بوصفه استشاريا نفسيا أنها صحة نفسية ايجابية. وشارك فى الندوة كل من المحامى حسين عبدالعليم الذى ألقى الضوء على مشروع داوود السينمائي بدءا من فيلمه الأول الصعاليك حتى أحدثها، ود. باسم عبدالغفار المحلل النفسى. والذى ارجع مرض التلعثم المصاب به يحيى الشخصية الرئيسية فى «رسائل البحر»، إلى عدوان شديد تم كبته منذ الصغر، وخرج بعدها فى حالة تقطيع الكلام تلك غير أن هذا المتلعثم يشعر بقوة خروج الكلمة وسحرها، والتى ربما تصيب سامعها لتصل إلى قتله وهنا استشهد د. باسم بالمشهد الذى أداه أسر ياسين بطل الفيلم أمام ضابط الشرطة عندما سأله بطاقته الشخصية ففي اللحظة، التى نطق بها البطل «البطاقة فى البيت» أعقب ذلك بعنف شديد من الضابط. ويشير د.باسم أيضا إلى أنه من كل مائة شخص يوجد شخص متلعثم، وهناك نسبة تصل إلى 30٪ تلعثم من كلام الشخص العادى. أجمع كل من واتته الفرصة للتعليق على فيلم داوود من الحضور على تحية هذا المخرج الكبير لما قدمه من امتاع فنى وفكرى وإتاحة الفرصة لمشاهد الفيلم للتفكير والبحث عن معانى الرموز، وتساءل البعض أيضا عن تلك اللحظة التي شعر فيها بطل الفيلم بضيق المكان عليه رغم اتساعه كما أشار له أخوه الأكبر، وانتظر داوود عبدالسيد، وكأنه يريد أن يرى كم من مشاهديه نجح فى فك تلك الرسائل التى أراد إيصالها، إلى أن انتهت التعليقات ثم قال: إنه حاول أن يصنع فيلما يحبه وهو لا يقصد تماما بعض التفسيرات أو النظريات مثلما قصد التعبير عن الإنسان كفرد، مضيفا أنه يرى الفيلم «ليبرالى قوى»، ثم تحدث داوود عن تلك اللحظة التى شعر خلالها يحيى بطل الفيلم بأنه وحيد هى نفسها لحظة شعوره بحريته. يصر داوود عبدالسيد فى تجربته السينمائية الممتدة عبر ربع قرن، والتى صنع خلالها ثمانية أفلام سينمائية، على استنفار عقلية المشاهد ليشاركه تأليف الفيلم على حد تعبير داوود نفسه،فيحث هذا المشاهد على تكملة ما تركه متعمدا.