لماذا رجاء النقاش يعد واحدا من أبرز الأسماء الصحفية والنقدية فى مصر والعالم؟ الإجابة على السؤال ربما تكون مغلفة بحب كبير للأستاذ رجاء النقاش. لكنها إجابة توضح إلى أى مدى نفتقد أمثاله فى وقتنا الراهن الخالى من المعلمين الكبار أصحاب مصابيح الضوء أمام هذه الظلمة. قال الدكتور محمد عفيفى أستاذ التاريخ فى مقالة بجريدة الدستور: «ربما لا يعرف الجيل الحالى من الشباب مَن هو رجاء النقاش، إذ غادرنا رجاء النقاش فى عام 2008 بعد صراع مع المرض، وتفقد مصر أحد أهم وأصدق كُتابِها ونقادها فى النصف الثانى من القرن العشرين». لكن أذكر الدكتور محمد عفيفى، وهو أستاذى بكلية الإعلام أننا تعرفنا على رجاء النقاش من خلال محاضراته التى شكلت وعينا بتاريخ مصر العظيم. وقتها لم يكن للإنترنت هذا الانتشار الواسع، وكانت أمامنا مكتبة الكلية، ودار الكتب والوثائق القومية وبعض دور النشر نشترى منها حسب الإمكانات المتاحة. وتلقفت الكتاب صاحب التأثير الكبير «أدباء معاصرون» فى طبعته العراقية، وعرفت أن هناك كاتبا صحفيا قديرا يكتب بروحه رؤيته للإنسانية، وكيف هو صحفى يتناول موضوعات أدبية بطريقة شديدة البساطة وغاية فى الجمال، تخطفك وأنت تقرأ وتقول كيف يجمع بين تلك البساطة فى اللغة وذلك العمق فى الرؤية والتحليل. هذه الأيام نحتفل بذكرى ميلاد هذا الكاتب الكبير (1934 2008)، ومن يتتبع مؤلفاته خاصة كتابيه «فى حب نجيب محفوظ» و«أزمة الثقافة المصرية» يعرف إلى مدى هو واحد من أبرز وألمع الكتّاب فى مصر والعالم العربى. وهنا أناشد مسئولى الثقافة والتعليم أن ينشروا بكل السبل كتابات هذا الرجل. المدهش أيضا رغم كتابات النقاش البديعة الصادقة، وهى تكفى. لكن من يقرأ كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» عليه أن يلمح دور النقاش نفسه فى إتاحة أعمال الأستاذ نجيب محفوظ التى كانت تواجه رقابة كبيرة، ففى مرات كثيرة كاد يتعرض محفوظ لمشاكل جدية تحد من حريته الأدبية والشخصية معا. يؤكد محفوظ فى الكتاب أنه أحيانا كان يتعرض لمعاناة فى نشر رواياته بالأهرام فيلجأ إلى الأستاذ رجاء النقاش لنشرها فى مكان آخر، ولنقرأ فى فصله عن متاعب الرقابة: «كل تلك المتاعب لا تذكر بجانب تلك التى حدثت بعد النكسة، ولم تكن خاصة بى وحدى، بل قاسى منها كل أدباء مصر، وكانت أغلب معاناتى مع إدارة الأهرام، حيث رفض الأستاذ هيكل نشر رواية «المرايا» فنشرتها أنت (يقصد رجاء النقاش) فى مجلة الإذاعة والتليفزيون، ورفض الأستاذ أحمد بهاء الدين عندما كان رئيسا لتحرير الأهرام نشر رواية «الحب تحت المطر» فنشرتها أنت (يقصد أيضا رجاء النقاش) فى مجلة الشباب (التى كانت تصدر عن وزارة الشباب عندما كان وزيرها الأستاذ أحمد كمال أبو المجد وكان فى أواخر سنة 1972، وليست مجلة الشباب التابعة لمؤسسة الأهرام)، بعد أن حذفت منها الرقابة أشياء كثيرة، أما رواية «الكرنك» فقد كانت أكثر الروايات التى عانيت فى نشرها». وهنا نعرف مدى دور النقاش فى نشر أعمال محفوظ المرفوضة من النشر، فلقد خاض النقاش حسب حوار سابق مع الكاتب محمد الشاذلى معارك محفوظ جميعها، وعلى رأسها معركة أولاد حارتنا. وكثيرا ما أعرب محفوظ عن اعتزازه بصداقة النقاش، على الرغم من صداقات محفوظ الواسعة فى الموسط الثقافى. وقبل ذلك نشر النقاش فى مجلة الهلال كل عمل ترفضه «الأهرام» لمحفوظ خصوصا بعد هزيمة 67. وحكى لى النقاش أنه كان يتسلمها من محفوظ شخصيا، مشفوعة بمخاوف محفوظ نفسه لئلا تسبب أزمة لكليهما.