تمر اليوم ذكرى رحيل الأديب الكبير نجيب محفوظ، الذي كان يرفض بإصرار أن يكتب سيرته الذاتية، وكان يرد: «فكرة السيرة الذاتية تراودنى من حين لآخر، أحيانا تراودنى كسيرة ذاتية بحتة، وأخرى تراودنى كسيرة ذاتية روائية، لكن الالتزام بالحقيقة مطلب خطير ومغامرة جنونية، وبخاصة أننى عايشت فترة انتقال طويلة تخلخلت فيها القيم وغلب الزيف وانقسم فيها كل فرد إلى اثنين». لكن الكاتب الكبير رجاء النقاش (1934- 2008)، نجح فى إقناع محفوظ بأن يحكى له سيرته بدلا من كتابتها، التى ظهرت فى كتاب مهم بعنوان «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» عن دار الشروق، بعد نقاش بينهما استمر 18 شهرا فى مقهى «علي بابا» المطل على ميدان التحرير. محفوظ أكد ل"النقاش"، خلال فصول الكتاب المهم، الذى يعد مرجعا لسيرة محفوظ الذاتية، أنه فى مرات كثيرة كاد يتعرض لمشاكل جدية تحد من حريته الأدبية والشخصية معا. أولى هذه المرات كانت بسبب قصة قصيرة نشرها محفوظ فى الأهرام بعنوان «سائق القطار»، وبعد النشر سرى همس فى أوساط المثقفين، بأنه كان يقصد عبدالناصر، والقصة تدور حول سائق قطار يفقد صوابه، ويتسبب فى حادث تصادم مروع، وكان التفسير السائد أن محفوظ يشير إلى أن عبدالناصر يقود مصر إلى كارثة. لكن أنقذه من ورطة الاعتقال مقال كتبه محمد فريد أبوحديد، رئيس تحرير مجلة الثقافة -ولم يكن بينه وبين محفوظ سابق معرفة- توصل فيه إلى أن القصة ترمز للصراع بين الشرق والغرب. وفى الفصل الذى حمل عنوان «متاعبى مع السلطة»، أشار محفوظ إلى أن أغلب معاناته كانت مع إدارة الأهرام، حيث رفض محمد حسنين هيكل نشر رواية «المرايا»، فنشرها رجاء النقاش فى مجلة الإذاعة والتليفزيون، حيث كان رئيسا للتحرير. واستأذن وقتها محمد فائق وزير الإعلام، فى نشر الرواية، فأذن له، وتم نشرها من أول مايو سنة 1971، كما رفض أحمد بهاء الدين عندما كان رئيسا لتحرير الأهرام نشر رواية «الحب تحت المطر»، فنشرها أيضا رجاء النقاش فى مجلة الشباب (التى كانت تصدر عن وزارة الشباب عندما كان وزيرها أحمد كمال أبو المجد، وكان فى أواخر سنة 1972، وليست مجلة الشباب التابعة لمؤسسة الأهرام)، بعد أن حذفت منها الرقابة أشياء كثيرة. أما رواية «الكرنك»، فقد كانت أكثر الروايات التى عانيت فى نشرها. هكذا يؤكد محفوظ، قائلا: «قدمتها إلى الأستاذ محمد حسنين هيكل، وبعد أن قرأها ظن أنها هجوم مباشر على عهد عبدالناصر، فحمل أصول الرواية، وذهب إلى مكتب توفيق الحكيم يشكونى إليه، وقد حكى لى الحكيم استنكار هيكل لما جاء فى الرواية وقال له: «يرضيك كده.. خد شوف نجيب باعت لى إيه؟!». وفى الفصل الذى يحمل عنوان «أولاد حارتنا.. رواية وأزمة»، يحكى محفوظ قصة انقطاعه عن الكتابة لمدة 5 سنوات متصلة بعد ثورة يوليو، وكيف قرر احتراف كتابة السيناريو؛ حيث ظن أنه انتهى كأديب، إلا أن رواية «أولاد حارتنا» تعيده مرة أخرى للكتابة؛ حيث كانت كل الأفكار المسيطرة عليه فى ذلك الوقت تميل ناحية الدين والتصوف والفلسفة. ويشرح محفوظ من أين بدأت أزمة الرواية: «بدأت جريدة الأهرام فى نشر الرواية، ومرت حلقاتها الأولى دون أن تظهر أى ملاحظات عليها، لكن الأزمة بدأت بعد أن نشرت جريدة الجمهورية خبرا يلفت فيه كاتبه النظر إلى أن الرواية فيها تعريض بالأنبياء، بعد هذا الخبر المثير، بدأ البعض، ومن بينهم أدباء للأسف، فى إرسال عرائض وشكاوى إلى النيابة العامة ومشيخة الأزهر، بل وإلى رئاسة الجمهورية، يطالبون فيها بوقف نشر الرواية وتقديمى إلى المحاكمة». وأضاف محفوظ: «وخدع رجال الأزهر فى هذه الأزمة، لأنهم لم يحسنوا قراءة الرواية وفهمها، بل إن بعضهم لم يقرأ رواية أدبية من قبل، ومن هنا فسروا رواية (أولاد حارتنا) تفسيرا دينيا، ورأوا أن شخصية أدهم فى الرواية ترمز إلى آدم، وشخصية جبل هى موسى، وشخصية رفاعة هى شخصية المسيح، أما شخصية قاسم فهى شخصية محمد عليه الصلاة والسلام، لكن دافع عن الرواية الأستاذ محمد حسنين هيكل، ولولاه لكان توقف نشرها فى الأهرام».