وزير التعليم يتفقد مدارس الحوامدية: تقديم كافة سبل الدعم للمعلمين والطلاب    جدول مواعيد امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة أسيوط جميع الصفوف    غدا آخر موعد للتقديم.. وظائف شاغرة في جامعة أسيوط    الأكاديمية الطبية العسكرية: فتح باب التسجيل للدراسات العليا لمقدمي الخدمة الصحية 2025- 2026    أسعار الفراخ والبيض اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025 في أسواق الأقصر    إيرادات ب24.8 مليار جنيه.. «المصرية للاتصالات»: 8% زيادة في مشتركي الإنترنت و4% بالتليفون الأرضي    عاجل- توقيع عقود ب34.5 مليار جنيه لتوريد مواسير «شين شينج» لمشروعات قومية بمصر والسعودية    البترول تبدأ استقبال مستندات تعويض المتضررين من طلمبات البنزين المعطلة بحد أقصى 2000 جنيه    واشنطن تعلن عقوبات جديدة على إيران بعد الجولة الرابعة من المحادثات    5 شهداء ومصابون جراء عدوان الاحتلال بأنحاء متفرقة في قطاع غزة    عبد العاطي ونظيره التركي يناقشان التطورات في غزة وليبيا    تحت قيادة ألونسو.. 3 صفقات على طاولة ريال مدريد في الميركاتو الصيفي    عماد النحاس يستقر على تشكيل الاهلي لمواجهة سيراميكا كليوباترا    الأهلي يواجه المقاولون العرب اليوم في بطولة الجمهورية مواليد 2008    جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025    «الداخلية»: مصرع 3 عناصر شديدة الخطورة خلال تبادل لإطلاق النار مع الشرطة في قنا وأسوان    الداخلية: ضبط 546 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    تبدأ غدا.. جداول امتحانات الشهادتين الابتدائية والإعدادية بالأزهر    فيصل بالطيور.. الرئيس الرابع لمهرجان البحر الأحمر السينمائي    بالفيديو.. الأعلى للآثار يكشف تفاصيل تسلم مصر 25 قطعة أثرية نادرة من نيويورك    «في الشدة يُعرف الصديق»: 4 أبراج فلكية تجسد معنى الوفاء.. هل برجك من بينهم؟    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الثلاثاء    ترامب يصل السعودية.. الرئيس الأمريكي يضبط ساعته على توقيت الخليج    صحة غزة: شهيدان فلسطينيان إثر قصف إسرائيلي استهدف مجمع ناصر الطبي    تعرف على أخر مستجدات تطوير هيئة قناة السويس رغم أزمات المنطقة    التصريح بدفن طفلة سقطت من الطابق الرابع بالخصوص    مدير عمل بني سويف يسلم عقود توظيف لشباب في مجال الزراعة بالأردن    وزير الرى يتابع موقف الأنشطة التدريبية الإقليمية بالمركز الإفريقي للمياه    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة سيراميكا في الدوري    الآثار: حصن بابليون محطة رئيسية في المسار السياحي للزائرين    داعية إسلامي: احموا أولادكم من التحرش بالأخذ بالأسباب والطمأنينة في التوكل على الله    هل يحق للزوجة طلب زوجها "الناشز" في بيت الطاعة؟.. محامية توضح الحالات والشروط    دراسة: الإفراط في تناول الأغذية فائقة المعالجة يزيد مخاطر الإصابة بالاعراض المبكرة للشلل الرعاش    صبحي خليل يكشف أسباب تألقه في أدوار الشر وممثله المفضل ورسالة محمد رمضان له    عاجل- الأمم المتحدة تحذر من أزمة غذائية وصحية حادة في غزة    عاجل- الأمم المتحدة تحذّر من جرائم حرب في ليبيا عقب مقتل عبدالغني الككلي    إرشادات دقيقة لأداء مناسك الحج والعمرة كما فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم    بعد ساعات من وفاته.. شريف ليلة يتصدر تريند "جوجل"    البنك الأفريقي للتنمية يمول المرحلة الرابعة من محطة معالجة المياه بأبو رواش    وزارة الصحة تحذر: تغيرات في سلوك الطفل قد تشير إلى اضطرابات نفسية    قبل السفر للحج... وزارة الصحة تنشر دليلك الصحي الشامل للوقاية وسلامة الحجاج    حكم تسوية الصف في الصلاة للجالس على الكرسي.. دار الإفتاء توضح    عيد ظهور العذراء مريم في فاتيما.. ذكرى روحية خالدة    ستيف ويتكوف: حرب أوكرانيا وروسيا لم تكن لتحدث لو كان ترامب رئيسا في 2022    بيان هام من محامية بوسي شلبي بشأن اتهامات خوض الأعراض: إنذار قانوني    حديد عز فوق ال 40 ألف جنيه.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 13 مايو 2025    غيابات مؤثرة بصفوف الأهلي أمام سيراميكا كليوباترا في الدوري المصري    حبس عصابة «حمادة وتوتو» بالسيدة زينب    مستشفى سوهاج العام يوفر أحدث المناظير لعلاج حصوات المسالك البولية للأطفال    ذهبت للمسرح بعد وفاة زوجها بأيام.. رسالة دعم ومساندة من إلهام شاهين ل كارول سماحة    انفجار أسطوانة غاز السبب.. تفاصيل إصابة أم وطفليها في حريق منزل بكرداسة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 13-5-2025 في محافظة قنا    اليوم| محاكمة 73 متهمًا في قضية خلية اللجان النوعية بالتجمع    يلا كورة يكشف.. التفاصيل المالية في عقد ريفيرو مع الأهلي    منتخب مصر للباراسيكل يكتسح بطولة إفريقيا لمضمار الدراجات ويحصد 29 ميدالية.    النصر يكتسح الأخدود بتسعة أهداف نظيفة في ليلة تألق ماني    جامعة القاهرة تحتفل بيوم المرأة العالمي في الرياضيات وتطلق شبكة المرأة العربية- (صور)    طفل ينهي حياته داخل منزله بالإسماعيلية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النيل والفلاح.. من الذى وفَّى؟
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 09 - 2022

حين يقترب من النهر تسمعه يقول «أعز خلقى على نهرى» وعندما تسأله عن معناها، يقول بيقين النيل نهر الله. فهو نيل فى الجنة ونيل فى مصر، ومصر فقط. ثم يضيف فرحا وأنا المصرى أعز خلقه، فلذلك أسكنى جنته على أرضه، أسكنى مصر. فالماء والخضرة حولى أما الوجه الحسن، فيقول ضاحكا انظر إلى يا رجل ألست خلق الله الحسن؟ وبالفعل تنظر إليه فترى وجها جميلا، فيه صفاء سمائه وعزوبة نهره.
ما يثير الدهشة والإعجاب لماذا لم يتخلَ عن مهنته القاسية منذ آلاف السنين، مثل كثيرين. انقرضت مهنهم، يأتى رد الحكمة منه إنها ليست مهنة، بل هى حياته. ثم يضيف انظر إلى معنى اسمى فأنا من يرفع الله بعرقه السنبلة بالقمح. ومن أجل صغارى يملأ ربى الضرع بالحليب. ويفيض لى النهر بالخير، يقطع من أجلى آلاف الأميال لنحول سويا الصحراء الجرداء إلى واحة خضراء. حياته تشبه إلى حد كبير الملاحم القديمة. والتى حكمت عليها الآلة بالشقاء والألم. ولكن بصبره وبصيرته حول الشقاء إلى حكمة، والألم إلى قوة. كأنه الصوت القديم اجعله يشكو لتسمع منه الحكمة، ما زال يتردد فى جنبات الوادى. يتحمل العمل الشاق صابرا وفى الغالب مغنيا، زرع بذور الصبر والألم منذ استقراره قرب النهر. والذى وهب له الخير والجمال، وحمل له الخصب والنماء وعلمه فنون الحياة. ذلك هو الفلاح فى مصر.
والذى تحتفل مصر فى التاسع من سبتمبر بعيده والذى اتخذته ثورة يوليو من ثورة عرابى عيدا للفلاح. وقد مر عيد وفاء النيل فى الخامس عشر من أغسطس الماضى من دون التذكير أو الاحتفاء به. بالرغم من أن نقطة المياه ودوامها هى الحياة وبدونها الفناء. وهنا يبرز السؤال المهم من الذى وفى تجاه صاحبه الفلاح أم النهر؟! ينطلق رسول قلب أفريقيا، حاملا البشائر وقاصدا بلدا بعينه، يشق طريق الصعاب لجهة تملأ بالحنين قلبه. ليروى عطش بلد غاب عنه المطر. يحمل له شرابه وطعامه معا، أعذب المياه وأصفاها لشرابه، أما طعامه ففى إخصابه للأراضى المصرية وكسوتها بالطمى والغرين؛ ليخرج له من نبات شتى، فيه حلاوة المذاق وجمال المنظر. ويحمل له فى أحشائه لحما طريا، أسماكا شهية أسماك المياه العزبة.
• • •
لذلك قدس المصرى القديم النهر وأدرك قيمته وأقام له الاحتفالات الكبرى لوفائه. وكانت الشهادات الأولى أمام محكمة الحياة الأبدية القسم بعدم تلويث مياه النهر. هذا الفيض السماوى القادم من الجنوب، المهاجر إلى الشمال. والذى يقطع مسافات بعيدة، ويخترق صحارى وجنادل وصخورا، بدون أن يساعده رافد أو أن يحمل عنه أخ له. وكأنه أوجده الله لذلك البلد البعيد فى أقاصى الشمال، والذى يكابد الأشواق للوصول إليها. ولقد أخذ النهر وسحره عقول وقلوب كثيرين. من مكتشفين ورحالة ومؤرخين وأدباء وفنانين إلى قادة عسكريين. فهذا المؤرخ هيرودوت والذى جعل مصر وحضارتها هبة النيل.
وهذا قائد عربى يصف مصر لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب: «ويخطها يا أمير المؤمنين نهر مبارك الغدوات، ميمون الروحات، يجرى بالزيادة والنقصان كجرى الشمس والقمر، له أوان يدر حلابه، وتكثر أمواجه. فتخرج جماعة يحرثون بطون الأرض، ويبذرون الحب ويرجون النماء من الرب، فإذا أشرق الزرع وأشرف نقاءه من فوقه الندى، وغذاه من تحته الثرى. فإذ مصر يا أمير المؤمنين لؤلؤة بيضاء، فإذ هى عنبرة سوداء، فإذ هى زمردة خضراء، فتبارك الله الخالق لما يشاء». هذا الوصف ليس لشاعر أو أديب بل هو للقائد العربى عمرو بن العاص يصفه لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
أما الباحث عن المجد على ضفاف النيل نابليون بونابرت فقد سحره النهر، فرفعه إلى أن جعله رسول الخير، والصحراء رسول الشر. يكسب النهر من الصحراء بفضل إدارة رشيدة، فتكسب الصحراء من النهر بفعل إدارة رديئة فى مصر النيل والصحراء ماثلين على الدوام. حتى فى منفاه فى جزيرة القديسة هيلانة لم ينسَ نابليون النيل فرسم مشاريع للزراعة، مشاريع لشق قنوات وإقامة سدود ليصير النهر إلى برزخ قناة السويس بعد أن أكد على وجود حفر القناة. فلذلك تزرع على يمين وشمال القناة عدة أميال من الأفدنة. ويقول مؤلف كتاب النيل حياة نهر اسمه أميل لودفيغ أن النيل لا الحرب هو الذى أوجد تلك الواحة الواقعة بين صحراوين وعندها تكون شعب، حيث لا ينزل مطر من السماء. وحيث يكون السكان أكثف من أى مكان آخر من النصف الغربى من الكرة الأرضية، مساحة مصر البالغة مليون كيلو متر مربع، تزيد على مساحة إيطاليا وفرنسا معا. فإن معظم تلك المساحة صحراء، والغالبية العظمى من السكان يعيشون على الشريط الضيق لوادى النيل.
أما الرحالة الإنجليزى بيكر مكتشف منابع النيل «1821 1893» قد تنبأ بأنه سوف يأتى زمن يعجب فيه العالم بقدرة الفلاح فى مصر حيث تتموج سنابل القمح على مد البصر فى هذه الصحارى الرملية وذلك بفضل النهر.
أما أمير الشعراء أحمد شوقى فكتب قصيدة بعنوان النيل منها هذا البيت:
يقول شوقى:
ومن السماء نزلتَ أم فُجرتَ من عُليا الجنان جداولا ترقرق؟
إن كان هؤلاء وغيرهم كثيرون قد أخذ الفلاح والنيل فى مصر عقولهم وقلوبهم فإن الإنسان فى مصر عامة والفلاح بخاصة لهم ارتباط حياة مع النيل؛ لأنه المصدر الرئيسى والوحيد للمياه العذبة فى مصر. الفلاح بزرعه ومواشيه، وطيوره وكل البيئة الحية المحيطة به لا يستطيعون الاستغناء عن النهر حتى العيون الجوفية للمياه العذبة مصدرها النهر.
• • •
فهل وفَى الفلاح فى مصر تجاه صاحبه النهر؟ وإن كان هذا الوفاء للنهر لا يعود بالنفع لذلك الصابر الصامد «النيل» إنما يعود بالأساس للمصرى بعامة والفلاح بصفة خاصة. قدامى الفلاحين فى مصر والذين عايشوا زمن ما قبل السد العالى يقولون كان للنيل مهابة وتقدير، كان للنهر معنى فى حلنا وترحالنا، كنا ننتظر مجيئه وقت «الدميرة» الفيضان بالخوف والقلق انتظار الراجى لفيضان أكبر من أجل الزرع والضرع، ولذلك كنا نقدر كل قطرة ماء ندعو فى صلاتنا بدوام النهر واستمراره والخوف من غضبه وثورته من شدة فيضانه، أما بعد السد العالى فقد زال القلق، والخوف فقد فعل السد فعلته وكان القوى الضامن من غدر النهر وفيضانه ومن شحه وجفافه. وتبدل القلق والخوف لدينا إلى طمأنينة مشوبة بعدم اكتراث فلم يعد الفلاح يهاب النهر ويخشاه، وأصبح ضعيف التقدير لادخار الماء عظيم الإسراف والتبذير. فلم يغير طريقته المتوارثة من الأجداد فى الزراعة بغمر الأرض بآلاف الكيلومترات من المياه والتى أثبت العلم فشلها، وأنها تفقد الأرض خصوبتها لتصل فى النهاية إلى التطبيل «موت الأرض» تستهلك الزراعة ما قيمته 73% من المياه العذبة و21% للصناعة 6% لمياه الشرب.
ويقول أحد الخبراء الفرنسيين «مدير أبحاث المياه فى فرنسا» أن الحلول لمشاكل نقص المياه يجب أن تكون حلولا محلية فهل يستطيع الفلاح فى مصر تغيير طريقته الفرعونية بغمر الأرض فى الزراعة؟. واستبدالها بنظم الرى الحديثة؟. والتى تقوم الدولة بإجراءات تحفيزية من أجل إقناع الفلاح بجدواها. وإن كان هناك حل بطريقة أسهل وأسرع، وهى تطبيق الزراعة «على مصاطب» وهى طريقة يعلمها كثيرون من خبراء الزراعة وترشد من نسبته الثلث من المياه للزراعة وتزيد من جودة الأرض والمحصول، وفى هذا الشأن تقوم وزارة الزراعة للإرشاد لتلك الطريقة والتى تصلح لكافة المحاصيل. ولكن هذا الإرشاد على استحياء فكان لابد مع شح المياه العذبة التى يعانى منها كثير من دول العالم أن ترتبط تلك الطريقة وهى الزراعة «على مصاطب» بالدعم المقدم للفلاح، وفى النهاية يقول شوقى:
فاحفظ ودائعك التى استودعتها أنت الوفىُ إذ اؤتمنتَ الأصدق
للأرض يوم والسماء قيامة وقيامةُ الوادى غداته تُحلقُ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.