- لا أكتفى بالحكى.. والجوائز تشكل معيارا للقارئ نحتاج زيادة ميزانية هيئة الكتاب وعودة المسرح وحركة الترجمة الثقافة المكتوبة بخير ونقص كبير فى تحويل الروايات إلى أعمال سينمائية «خليط من الحكايات العامرة بالتفاصيل الغنية، مساحات واسعة من الخيال مع خبرات ثرية من الواقع»، هى أبرز سمات أعمال الكاتب إبراهيم عبدالمجيد، صاحب المشروع الإبداعى المتميز والمشوار الممتد، يرى أن المشهد الثقافى فى الوقت الحالى يحتاج إلى تضافر الجهود من أجل استعادة ريادته وحيويته. يبرع عبدالمجيد فى أن يتشكل وفقا لملامح ومعطيات كل عصر، يتحدث عن أصالة المدن المصرية ويستغرق فى المعاصرة ومواكبة الجيل الرقمى، يعبر خلال حواره مع الشروق عن درجة توحده واستغراقه فى تفاصيل شخصياته، ويكشف عن القادم من أعماله. شكلت «الإسكندرية» البطل المكانى فى العديد من أعمالك، حدثنا عن ذلك وعن الفارق بينها وبين القاهرة من وجهة نظرك؟ كما كتبت كثيرا من قبل، الإسكندرية فى الماضى كانت تعطيك احساسا بالحرية، ما أن تصل إليها حتى تريد المشى على شواطئها وفى شوارعها، على عكس القاهرة تدفعك للتفكير فى العودة من الزحام أو السكون. حين كتب نجيب محفوظ عن الإسكندرية أو استلهمها منذ رواية «اللص والكلاب» عام 1961 تغيرت لغته، فصارت سريعة الإيقاع شعرية التدفق، ولم تعد عباراته كلاسيكية هادئة كما كان الأمر من قبل وهو يكتب عن القاهرة، الآن تساوى الاثنان للأسف، الإسكندريةوالقاهرة، صارتا قرى عشوائية، وليس أمامنا إلا أن نكتب روايات فارغة الصفحات. هل يمكن أن تحدثنا عن شعورك عند صدور أعمالك القصصية الكاملة عن دار الشروق؟ سعيد جدا بنشر أعمالى القصصية الكاملة فى «الشروق» تحت عنوان أشجار السراب، وسعيد جدا بكل ما نشرته وتنشره دار الشروق، وقد شعرت حينها بأن الأعمال القصصية الكاملة قد تبلورت أمامى لتصبح رحلة حياة مقابلة لرحلة الرواية التى أحبها جدا، وأريد التعبير عن سعادتى الكبيرة بمن يقرءون قصصى القصيرة، خاصة بعدما باتت فى هيئة «أعمال كاملة». هناك براعة شديدة عند رسمك لشخصيات مثل كاميليا فى «لا أحد ينام» وريم فى «أداجيو» ولبنى فى «الهروب من الذاكرة»، حدثنا عن ذلك؟ أنا لا أكتفى بالحكى، أنا أعيش مع الشخصية قبل وأثناء كتابتها، كما أدرس ثقافتها التى تتماشى مع شخصيتها. «كاميليا» كانت تلميذة بالثانوى فى الأربعينيات من القرن الماضى، فكان علىّ أن أعرف ما تدرس وما تقرأ فى المدرسة وما حولها وتعيشه، «ريم» موسيقية عالمية تعزف البيانو، فكان علىّ أن أفهم الموسيقى الكلاسيك وأية مقطوعات يمكن أن تعبر عنها فى كل مراحل حياتها وفى مرضها، «لبنى» يتيمة غير متعلمة، تعلمت فى بيت أيتام، لكن زوجها السلفى علمها كثيرا مما يعتبره دينا وهو زائف، وأدركت ذلك مما حولها ومن سلوكه، فكان لابد أن أدرس كيف يكون تمردها متماشيا مع عقلها وعلمها القليل، فكانت رحلة الهروب فى الصحراء متماشية مع ما أقنعها به زوجها من أنها جنيّة وليست إنسيّة، وهكذا أفعل فى كل شخصياتى. ذكرت سابقا أن شخصيات أعمالك لها ظل فى الواقع، هل يؤثر ذلك على الخيال فى الإبداع أم لا وجود لتعارض بينهما؟ الواقع مجرد بداية، لكنه الخيال هو الذى يمشى بالشخصيات، أحيانا يأتى الخيال بشخصيات لم أصادفها قط فى الواقع، مثل شخصية «مختار كحيل» فى رواية «فى كل أسبوع يوم جمعة» وكثير جدا من شخصيات رواياتى هى بنت ثقافتى وقراءاتى فى علم النفس والفلسفة، وليست ضرورة أن تكون من إنتاج الواقع، وفى كل الأحوال هو الخيال الذى يصنع الفن، ما معنى أن أنقل لك الواقع كما هو وأنت تراه حولك؟ الفن يُعنَى بالجانحين وغير المتوافقين مع المجتمع، وهؤلاء ابناء فكر ومشاعر الكاتب بالعالم، المهم أن يكونوا شخصيات فنية لا حالات فكرية فقط، وإلا تحولت القصة أو الرواية إلى مقال، تفسير الشخصيات متروك للقارئ أو الناقد، لكن بناءها فنيا هو مهمة المؤلف المبدع. نستشعر تفضيلك للسيرة الذاتية فى أعمال مثل «البلدة الأخرى» و«الصياد واليمام»، و«ليلة العشق والدم»، ما هو سر تفضيلك وميلك إلى السيرة فى عديد الأحيان؟ ليس تفضيلا للسيرة ما تتصورينه سيرة هو مجرد بدايات، لكن الرواية عالم من الخيال، ليس بالضرورة أن يكون كل ما فيها قد عاشه المؤلف، وإذا حدث لا بد أن يتغير ويصبح فنا، فبطل «البلدة الأخرى» مثلا قد يمثلنى فى رحلتى، لكن رؤيته للحياة والعالم والاغتراب هى بنت المكان وثقافته هو التى قد تحمل شيئا من ثقافتى، لكنها تظل تعبر عنه هو، أبطال «ليلة العشق والدم» رأيتهم لكنهم لم يفعلوا فى الحياة ما فعلوه فى الرواية. الرواية إنتاج شخصياتها وزمانهم ومكانهم فيها، «هنا القاهرة» فيها كثير مما عشته لكنه تحول إلى فن. لست من أنصار البحث عن سيرة الكاتب فى الرواية لأننا سنحمله ذنوبا كبيرة. لديك إبداعات تم تحويلها بنجاح إلى أعمال فنية، فى رأيك لماذا لم تعد العلاقة بين السينما والأدب الآن فى أفضل أحوالها، هناك نقص فى تحويل الأعمال الأدبية إلى فنية، ما السبب؟ هناك نقص كبير فى تحويل الروايات والقصص إلى أعمال سينمائية بسبب الاحتكار السائد للإنتاج للأسف، الاحتكار لا يتسع لكل الأفكار، كنا يوما ننتج ستين فيلما فى العام، صار الإنتاج خمسة عشر فيلما، وفى أحسن الحالات عشرين. والأمر نفسه فى المسلسلات. قارنى بين الأفلام المأخوذة عن الروايات فى تاريخ السينما المصرية، وما يحدث الآن، شىء محزن ولا أعرف لماذا الإصرار عليه ممن يحتكرون الإنتاج. هل هناك خصوصية معينة تتمتع بها جائزة الدولة التى حصلت عليها مقارنة بجوائز أخرى؟ هى أعلى جوائز الدولة وهذا له قيمته، جاءت فى وقت كنت خارجا من عمليات جراحية متعددة فأعطتنى أملا فى الحياة، لكن فرحة القراء بها كانت أهم ما فيها، كل الجوائز قيمتها المادية مهما علت تستهلكها الحياة، لكن هذه الجائزة كانت أشبه بخاتم التقدير الكبير؛ لأنها أيضا على مجمل الأعمال. فى وجهة نظرك ما هى أهمية الجوائز الأدبية بالنسبة للمؤلف، وهل تشكل معيارا للقارئ على جودة العمل الفائز؟ أريد أن أسجل إجابتى بالعامية فى تلك الإجابة: «هم قرشين يفكوا الضنك شوية»، الجوائز المفروض أن تشكل معيارا للقارئ لكن الأمر يختلف من جائزة إلى أخرى ومن بلد إلى بلد ومن زمن إلى زمن. وسط سيادة الرقميات والعصر التقنى، ما الذى يضفيه ذلك من فوارق بين جيل السبعينيات الذى تنتمى إليه والجيل الحالى فى الإبداع والكتابة؟ فى كل الأحوال لست بعيدا عن العصر الرقمى، إنه يتسلل إلى كل رواياتى تقريبا بعد عام 2009 الذى كتبت فيه رواية رقمية كاملة هى «فى كل أسبوع يوم جمعة»، بعدها كما قلت تجدين الإيميلات والبوستات على الفيسبوك والتغريدات على تويتر متسللة فى كل رواياتى مادامت احداثها فى هذا الزمان، أنا ابن كل عصر ولست ابن عصر واحد. هل نعيش عصر تراجع الشعر مقابل سيادة الرواية من وجهة نظرك؟ وما أسباب ذلك؟ ليس تراجعا للشعر أمام الرواية، الشعر موجود فى كل الأجيال، من حسن طلب وجمال القصاص وأمجد ريان وعبدالمنعم رمضان وعزت الطيرى وإبراهيم داود ومحمود قرنى وعزمى عبدالوهاب و ماهر حسن وغيرهم كثير جدا، إلى سلوى عبدالحليم وزيرى شوشة و منّة ابو زهرة وغيرهن، الأسماء كثيرة جدا وأنا أعطى مصر كمثال العالم العربى زاخر بالشعراء، لكن الشعر هجر المحافل الشفاهية ودخل فى قصيدة النثر التى تحتاج انفرادا ذاتيا بها وليس محفلا عاما فبدا قد اختفى وهو موجود، كما أن معظم الجوائز للأسف عن القصة والرواية أكثر من الشعر فساهم هذا فى غيابه. على أى حال هى ظاهرة عالمية أتمنى أن تنتهى، نحن الروائيون نطمح إلى بناء شعرى للرواية. لا أقصد هنا اللغة، لكن معمار الرواية، فلا تكون بها شوائب من الاسترسال والحكى الفارغ. هل هناك طقوس معينة أو أجواء تحب أن تضفيها حولك قبل الشروع فى الكتابة؟ أنا منذ أكثر من أربعين سنة أحب غرفة مكتبى ولم أغيرها ولمباتها الكهربائية بيضاء، وأستمع إلى الموسيقى الكلاسيك طول الليل لأنى أكتب بعد أن ينتصف الليل وينام الكون، وأشعر أنى وحدى فى العالم خلقنى الله الآن. هل يمكن أن تحدثنا عن القادم من أعمالك؟ أعمل فى الوقت الحالى على كتابة رواية تدور عن زمن الكورونا فى مصر. كيف ترى حال الثقافة والمثقفين فى مصر الآن، نقاط قوتهم ومكامن ضعفهم؟ حال الثقافة المكتوبة بخير، الرواية والقصة القصيرة والنقد والفكر والبحث، عشرات الكتاب الكبار فى كل مجال، المشكلة فى الثقافة المرئية، السينما ليست بخير كما ولا كيفا، وكذلك المسلسلات التليفزيونية، المسرح كذلك أصبح غائبا عن الإعلام رغم وجوده، فلا تتابعه القنوات التليفزيونية وتذيعه كما كان يحث يوما، الفن التشكيلى مثل الكتابة بخير، هكذا ترين أن ما يعتمد على الكاتب أو الفنان وحده بخير. المشكلة فيما يحتاج عملا جماعيا مثل السينما أو المسرح، هنا ياتى دور الدولة أن تفتح ابوابها وتتسع القماشة كما كان يحدث يوما فى مصر، المثقفون هم القوة والضعف يصيب الدولة من التضييق عليهم. فى رأيك ما هو المطلوب من وزيرة الثقافة الجديدة.. أبرز الملفات التى عليها أن تتبناها؟ أن تسعى لزيادة ميزانية هيئة الكتاب، وأن تسعى للاستفادة من الوزارات الأخرى مثل التعليم والتعليم العالى والشباب، فى دعم مشروع مكتبة الأسرة ليعود الوضع القديم كما كان فى السابق، ويتم طبع عشرين وثلاثين ألف نسخة من كل كتاب وبسعر زهيد جدا، أن تتبنى مشروعا كبيرا فى ترجمة الأدب المصرى إلى لغات عالمية، عشرون كتابا مثلا كل عام، أسمع أن هذا مشروع بدأ فى المركز القومى للترجمة، لكن لا أعرف كم كتابا وإلى أى اللغات. أن تعيد النظر فى شروط الرقابة على الأفلام والمسلسلات والمسرح وأن تتسع قماشتها. أن تسعى لدى الدولة أن تنتهى الضرائب على الورق المستورد لينخفض سعره وتنخفض أسعار الكتب.هذا على سبيل المثال. هل مشكلات الواقع الثقافى حاليا، يتم حلها عبر الحكومة فقط، أو من خلال الجهات الرسمية فقط، أم أن هناك أدوارا مطلوبة من المثقفين أنفسهم؟ مشكلات الواقع الثقافى فى نشر الكتب محلولة فى القطاع الخاص، دور النشر كثيرة جدا تسبق الحكومة كما وكيفا، المشكلة فى الثقافة المرئية كما قلت، مسرح وسينما، التى لا بد أن تمر على الحكومة، لم يعد لدينا مسارح قطاع خاص كما كان الأمر قديما مثلا، المسارح تابعة للدولة والمشكلة عندها، كذلك شركات الإنتاج السينمائى تعمل من خلال شركة واحدة تملكها الدولة وبرضاها، ومن ثم فالإنتاج قليل وللمحظوظين، ليس مطلوبا من المثقفين عمل شىء غير إنتاج أعمالهم، وهم يفعلون ذلك لكن كيف يرى إنتاجهم النور، الوضع كما أوضحت لكِ.