«وكأننا فى أوروبا» هكذا وصفت الإذاعية المثقفة بثينة كامل مشهد استقبال البرادعى فى مطار القاهرة، منوهة فى مداخلة مع دينا عبد الرحمن فى برنامج «صباح دريم» بروعة التنظيم ونعومة السلوك الأمنى مع الخارجين لاستقبال «رسول التغيير»، كما يرى القائمون على التجمعات السياسية المؤيدة للبرادعى. إذن، أفلتت الحكومة ونجحت فى مادة «التعامل الأمنى» فى اختبار وصول البرادعى، وجرت الأمور على نحو مغاير تماما لما توقعه كثيرون ممن ذهبوا إلى أن الحكومة ستكون باطشة مع كل من تسول له قدماه ارتياد الطرق المؤدية إلى مطار القاهرة. هذا عن الحكومة، التى بدت ناعمة لأنها ربما كانت مشغولة أكثر بتأمين «السيد علاء» ومجموعة الوزراء الكاجوال الذين ذهبوا لقيادة الجماهير فى مباراة كرة اليد ضد منتخب الجزائر، وربما جاءت نعومتها مؤقتة نظرا لتزامن العودة مع مناقشة المجلس الدولى لحقوق الإنسان لملف مصر. ماذا إذن عن بقية الأطراف التى تخوض الامتحان ذاته، وأعنى البرادعى شخصيا، والقوى السياسية، والجماهير؟ ماذا بعد فورة الاستقبال الحاشد فى مطار القاهرة، هل سيخلد البرادعى إلى اللقاءات التليفزيونية التى من خلالها يلمح أكثر مما يصرح، ويشير أكثر مما يؤكد؟ أم أنه سيتحول إلى مشارك حقيقى وعن كثب فى إدارة معركة التغيير فى مصر؟ بمعنى هل سيمارس البرادعى السياسة بالشوكة والسكين مرتديا قفازا حريريا واقفا فى شرفة منزله الجديد، أم سيخوض غمار المعركة السياسية من الشارع، يمشى فى الأسواق ويأكل الطعام؟ أزعم أن البرادعى عبر منتصف البحيرة، ودخل مرحلة اللاعودة بعد أن أيقظ حلم التغيير فى نفوس تخيلنا أنها نامت نومة أهل الكهف، ومن ثم فإن الموقف الأخلاقى يحتم عليه أن يعلن بكل وضوح أنه لن يتخلى عن أحلام الجماهير ولن يخذلها، مهما بلغ ثمن هذا الاختيار الصعب. وفى المقابل على النخب السياسية الفاعلة فى المجتمع ألا تضع البيض كله فى سلة البرادعى فقط، تحسبا لأى مستجدات قد تطرأ، ومن ثم من المهم ألا «تبردع» قضايانا على هذا النحو المفرط، وتعتبر أنها فعلت كل ما عليها بأن منحت توكيلا على بياض للدكتور البرادعى ليقود المسيرة، وكفى الله السياسيين النضال، بل على العكس من ذلك، باتت مسئولية هؤلاء أكبر بعد أن اختزلوا حلم التغيير وآليات تحقيقه فى شخص الدكتور البرادعى، ومن هنا عليهم إذا لم يكونوا قادرين على توفير عدة بدائل محتملة أن يديروا الحوار مع «البديل الوحيد» على قاعدة «مفيش رجوع» كما هتف عدد من الأنصار فى مطار القاهرة.