ميناء دمياط يستقبل 16 سفينة ويغادره 15 ناقلة    بيان أوروبي آسيوي مشترك.. دعم حذر لخطة واشنطن بشأن أوكرانيا    اليونيسف: الوضع الإنساني في الفاشر كارثي والأطفال يواجهون الموت يوميًا    مانشستر سيتي يكشف تشكيله الرسمي لمواجهة نيوكاسل في الدوري الإنجليزي    «الوضع صعب».. فان دايك يكشف سبب هزيمة ليفربول من نوتنجهام    دوري أبطال أفريقيا.. بيراميدز يصل الدفاع الجوي لمواجهة ريفرز النيجيري    بريمونتادا مثيرة.. الهلال يهزم الفتح ويطارد النصر على صدارة الدوري السعودي    أيتن عامر تتأثر بمفاجأة عيد ميلادها من فريق عمل مسلسل "كلهم بيحبوا مودي"    بعبارات فكاهية.. مراد مكرم يداعب متابعيه بمقطع فيديو من جريمة قتل «ورد وشوكولاتة»    أهالى القفايطة بنصر النوبة يشكرون الرئيس السيسى بعد تحقيق حلم تركيب الكهرباء والمياه    الري: تصرفات السد الإثيوبي العشوائية تهدد استقرار النيل الأزرق    ارتفاع مشاركة الشباب المصري في انتخابات البرلمان داخل سفارة موسكو    مرموش بديلا في تشكيل مانشستر سيتي لمواجهة نيوكاسل بالبريميرليج    الشباب والرياضة تُطلق أضخم مشروع لاكتشاف ورعاية المواهب الكروية بدمياط    الشوط الأول| ريمونتادا بايرن ميونخ أمام فرايبورج في الدوري الألماني    حقيقة تحطيم زجاج سيارة وسرقة «موبايل» بالإسماعيلية| فيديو    جهود صندوق مكافحة وعلاج الإدمان في مواجهة المخدرات وحماية الشباب خلال أسبوع    شلل مرورى بالطريق السياحى اتجاه المنيب والمعادى وتوقف تام لحركة السيارات.. صور    منذ 10 ايام .. كشف لغز جثة متحللة داخل سياره سقطت ببركة مياه بطريق مطروح السلوم    30 ديسمبر.. الحكم على 9 متهمين فى خلية شبكة العملة    توم وارك: نزع سلاح حزب الله شرط أساسي لسلام واستقرار لبنان    تجهيز 14 مركزًا لاستقبال 158556 ناخبًا بحي الزهور في محافظة بورسعيد    45 ألف مشاهد لأفلام الدورة ال46 من مهرجان القاهرة السينمائى    يقود اليوم الأوركسترا الملكي الفيلهارمونى احتفاءً بموسيقار الأجيال فى لندن..    نجوى كرم تحتفل بعيد استقلال لبنان    نسرين العسال تكتب: أصوات من السماء تصنع ترند من "دولة التلاوة"    73 ألف زيارة منزلية لعلاج كبار السن وذوي الهمم بالشرقية    الزراعة: زيادة إنتاج مصر من اللحوم الحمراء ل600 ألف طن بنهاية 2025    مصر تبحث مع نيجيريا تعزيز التعاون فى مجالات الزراعة والدواء والطاقة والإنشاءات    مفتي الجمهورية: خدمة الحاج عبادة وتنافسا في الخير    محافظ القليوبية يتابع إزالة 12 حالة تعدٍ "مغمورة بالمياه" بفرع رشيد بالقناطر الخيرية    الرعاية الصحية: أعظم الطرق لحماية الصحة ليس الدواء لكن طريقة استخدامه    قبل عرضه.. تعرف على شخصية مي القاضي في مسلسل "2 قهوة"    معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف نحو مستقبل مستدام    غنيم: خطة الصناعة لتحديد 28 فرصة استثمارية خطوة استراتيجية لتعزيز التصنيع المحلي    الولايات المتحدة تسجل أول وفاة لمصاب بسلالة جديدة من إنفلونزا الطيور    علاج نزلات البرد، بطرق طبيعية لكل الأعمار    وزيرة التخطيط تشهد الحفل الختامي لجوائز مصر لريادة الأعمال    "رويترز" عن مسؤول أوكراني: أوكرانيا ستبدأ مشاورات مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين بشأن إنهاء الحرب    «من تركيا للسويد نفس الشبكة ونفس النهب».. فضيحة مالية تضرب شبكة مدارس تابعة لجماعة الإخوان    حبس المتهمين بالاعتداء على أطفال المدرسة الدولية بالسلام 4 أيام على ذمة التحقيقات    سفير مصر بنيوزيلندا: ثاني أيام التصويت شهد حضور أسر كاملة للإدلاء بأصواتها    لحجاج الجمعيات الأهلية .. أسعار برامج الحج لموسم 1447ه – 2026 لكل المستويات    سعر اليوان الصيني أمام الجنيه في البنك المركزي المصري (تحديث لحظي)    بث مباشر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل في دوري أبطال إفريقيا 2025.. مشاهدة دقيقة-بدقيقة والقنوات الناقلة وموعد اللقاء    بدء توافد الزعماء المشاركين في قمة العشرين إلى مقر انعقاد القمة بجوهانسبرج    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    رئيس الوزراء يشارك في الجلسة الافتتاحية لقمة مجموعة العشرين G20 بجوهانسبرج    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع في الحرارة العظمى إلى 29 درجة مئوية    بعد قليل، محاكمة مها الصغير بتهمة انتهاك حقوق الملكية الفكرية    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسار السياسة فى مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 02 - 2010

«الشعب غير مهتم بالديمقراطية».. عبارة سمعناها تتردد بكثرة خلال الأشهر الماضية. وفى أغلب الأحوال كان المرددون من المسئولين الكبار والناطقين باسمهم ليس صعبا، فهم سبب التكرار الملحوظ فى استخدام هذه العبارة. وليس ببعيد جدا عن الدقة التحليل الذى قدمه أكثر من محلل سياسى يعربون فيه عن اعتقادهم بأن المسئولين عن التخطيط للمرحلة المقبلة ربما قرروا توجيه حملتهم السياسية والإعلامية إلى قطاع من الشعب عاطل عن العمل، وفاقد الأمل فى تحسن ظروف معيشته، ومتشكك فى كل شىء، وغير مبالٍ بمصر حاضرا ومستقبلا.
كان واضحا على امتداد سنوات أن الرسالة السياسية والإعلامية التى توجه بها أهل الحكم فى مصر إلى الرأى العام تركز على أن النظام الحاكم، قيادة وحزبا وموظفين كبارا، ليس مسئولا عما جرى لمصر. تارة كانت الحروب مع إسرائيل المسئول وتارة كانت القوى المعادية التى لا تريد لمصر الخير. ثم جاءت فترة اختاروا الشعب ليكون المسئول عن كوارث مصر. سمعنا عن هذا الشعب أنه لا يرسل أولاده إلى المدارس، ويأكل بشراهة، ويردم القنوات والمصارف بمخلفاته، ويشعل فى الحقول نارا ليفسد المناخ، ولا يحسن انتقاء نوابه وممثليه، ويفضل حال التخلف عن أحوال التحضر والتقدم. وأخيرا قرروا عزف نغمة مختلفة تماما.
النغمة الجديدة فى الرسالة السياسية والإعلامية نغمة محددة ودقيقة وموجزة عنوانها «مشكلة مصر فى نخبتها». تقول الرسالة فى صيغتها الجديدة إن هذه النخبة تقف وراء جميع أزمات البلد، فهى وراء الفشل الاقتصادى وسوء إدارة المرافق وانهيار الأخلاق والفتنة الطائفية ووراء دعوات التطرف. هذه النخبة التى اختارت قطاعات فيها ألا تتوحد مع إسرائيل ضد لبنان وفلسطين وإيران، بدت أمام العالم الخارجى وأمام شعب مصر منقسمة، فأصابت بالضرر الشديد سياسة مصر الخارجية وبالشلل العمل الداخلى، بينما لو أنها توحدت وراء سياسات تحت عنوان الوطنية المصرية أو الأمن القومى أو تحت أى عنوان آخر لحققت نتائج أخرى. لا تخفى الرسالة استنكار أهل الحكم تشدد قطاعات فى النخبة فى معارضة التوحد مع إسرائيل ضد العرب والمسلمين، ولا تخفى فى الوقت نفسه استنكارهم ضعف وتردد نخبة الحكم الإعلامية والحزبية فى الدفاع عن موقف التوحد مع إسرائيل والولايات المتحدة.
وتقول الرسالة، إن النخبة المصرية حين تدعو إلى الديمقراطية وتطالب بمشاركة الشعب فى صنع القرار فإنها فى الحقيقة تحاول التغطية على فشلها فى تحسين أحوال الناس ورفع مستوى معيشتهم وتحقيق الأمن الاقتصادى لهم، ولذلك يتعين أن يفهم الناس أن هذه الدعوات للمشاركة لا تخرج عن كونها شعارات نخبوية غير ذات جدوى لأنها لا تتوجه إلى مشكلات الجماهير المعقدة بغرض حلها. الناس تريد حلولا لمشكلاتها اليومية ويجب أن تعرف أن «النخبة» هى التى صنعت هذه المشكلات، ثم عقدتها وفشلت فى تقديم حلول عملية لها، وبطرحها الديمقراطية حلا، تحاول الآن التهرب من مسئولياتها وتبرير استمرار وجودها فى الساحة.
قد لا يعرف المسئولون عن الترويج لهذه الرسالة أنهم يلعبون لعبة حرجة، ما كانوا ليلعبوها لو لم يكونوا مقتنعين أن الوضع فى مصر وصل إلى نقطة اللاعودة، والأخطر ربما، أن يكونوا قد شعروا بأن مسار السياسة الحالى فى مصر اقترب من خط النهاية. نعرف من تجارب سابقة أن إثارة الجماهير ضد النخبة والتمييز المتعمد بين النخبة السياسية ونخب غير سياسية، وإشعال الخلافات والانقسامات بين النخب وداخل كل نخبة كلها أعمال تفتح الباب أمام مغامرة، مهما تحسبوا، ستكون لها عواقب وخيمة. يعتقد أصحاب الرسالة الإعلامية أن الشعب سيتعاطف مع الحكومة التى تعرض عليه حلفا ضد النخبة المتسببة فى تدهور الحال، وفى سبيل التوصل إلى هذا الحلف هم مستعدون لتقديم قرابين من «نخبة الحكومة» لتذبح أمام الشعب فى قضايا فساد أو قضايا إهمال، على أمل أن ينهض من ناحيته ويقدم قرابين من نخبة المعارضة فيعلن رفضه لرموز. بعض هذه الرموز يبشر بحلول لمشكلات، وبعضها بوجوده على الساحة، يبرهن على أن فى مصر بدائل فى الأفراد المخلصين وفى التوجهات الوطنية.
لا تنكر نخبة الحكم أن الأخلاقيات والمعنويات العامة تدهورت إلى حدود مخيفة. يقولون إنها مسئولية النخبة. يعرف أهل الحكم أنهم جزء من هذه النخبة جاءوا منها وسيعودون إليها، ومسئوليتهم أكبر لأنهم هم المكلفون بتجنيد المهارات المطلوبة للإدارة والحكم، هم المسئولون عن توظيف مهارات النخب الأخرى ومواهبها وتأهيل نخب جديدة. ومع ذلك نسمع دائما فى الجلسات الخاصة والاجتماعات المغلقة مسئولين سياسيين كبارا يصفون باستفاضة حال الانهيار فى منظومة الأخلاق وتفشى الفساد وسوء الإدارة، ويجأرون بالشكوى من تدخل بعض أجهزة الأمن فى حياتهم وحياة الناس وخصوصياتهم ودورها المتصاعد فى شئون الاقتصاد والتنظيمات الاجتماعية، بل ودورها المؤثر بشدة فى عملية صنع السياسة الخارجية.
أخشى أن نكون بالفعل على أبواب مرحلة سيتضاعف فيها شعور بعض رجال الحكم بأنه واقع تحت حصار تفرضه، فى جانب منه، قطاعات فى النخبة من المطالبين بممارسة حقهم فى المشاركة السياسية والساعين للوصول إلى الحكم، وتفرضه فى جانب آخر قطاعات واسعة من أهل الفقر وسكان العشوائيات والناس الزاحفة على المدن وأفراد الطبقة الوسطى، وهم الأكثر دراية بالظروف التى تعيش فيها الطبقات الوسطى وتطلعاتها المشروعة ودورها فى بناء المستقبل فى كثير من دول العالم. ولا يخفى بعض المنخرطين فى كواليس أهل الحكم والمطلعين على سباقات النفوذ أو الثروة أو كليهما حقيقة أن بين أهل الحكم كثرة من المتعثرة أحلامهم، ومن المحتجين على عدم العدالة فى توزيع المغانم التى هى فى رأيهم حق لهم جميعا. هؤلاء أيضا يشكلون جانبا من الحصار المفروض على قيادات أهل الحكم. وكلما زاد الحصار استحكاما زادت رغبة بعض أهل الحكم فى اللجوء إلى عناصر وقطاعات من خارج دائرة «المجتمع السياسى»، وبينهم مطاريد ومسجلون خطر وإرهابيون بالسليقة أو بالتدريب والتلقين لكسر هذا الحصار وإشعال «فتنة أهلية» داخل النخب، حاكمة ومحكومة.
من ناحية أخرى، لا أستبعد أن يؤدى استحكام الحصار من ناحية والخوف من تدخل الأجانب، وبخاصة الأمريكيون، إلى تقديم موعد تسديد دفعة أخرى من التنازلات فى السياسة الخارجية. ولن تكون المرة الأولى التى تستفيد فيها أطراف خارجية من أزمات الحكم فى مصر. والمثال الأبرز فى تاريخنا المعاصر هو إسرائيل التى كانت دائما أول المستفيدين من هذه الأزمات. استفادت من أزمة الحكم التى خلفتها أحداث الانفصال واستمرت حتى أعتاب هزيمة1967، واستفادت من أزمة الحكم فى أعقاب انتفاضة الفقراء فى عقد السبعينيات حين حظيت بزيارة القدس وما تلاها.
لا أحد إلا كاره لشعب مصر أو غير مبال وغير معنى، يريد أن تستمر الأسباب التى أوصلت مصر إلى حالها الراهن. لقد قامت معظم القوى السياسية المصرية على امتداد سنوات بعمليات نقد ذاتى فى حدود ما سمحت به الظروف والضغوط، واشتغلت مراكز بحث ودراسات بفحص الحالة أو الحالات المصرية وتوصلت إلى خلاصات ونتائج، وإن أيضا فى حدود ما سمحت به الظروف والضغوط، ونصبت ندوات ومؤتمرات يتبادل فيها الكلمات ممثلون عن جميع أفرع النخبة المصرية، وخرجت بتوصيات ورغبات لإصلاح الحالة المصرية. وفى آخر الأمر تداولت نخبة الحكم واستقر الرأى فيها على النزول إلى الساحة بحملة إعلانية تتضمن وعودا بالإصلاح انتهت بعدد من قرارات إصلاحية مرتفقة بقيود تمنع التغيير.
وبعد سنوات اكتشفت كل النخب أن حال مصر ليس أفضل مما كان عليه قبل حملة الإصلاح وقراراته، بل لعله ازداد سوءا مما اضطر نخبة الحكم إلى معاودة النزول إلى الساحة. ولكن هذه المرة، بإجراءات ردع أشد وسياسات إعلامية تعكس توترا شديدا وسياسات خارجية لا تعبر عن حقيقة الأوضاع الجيوستراتيجية فى المنطقة ولا تعكس طموحات الأمة المصرية.
أملنا الوحيد للخروج من الأزمة الراهنة تدشين حوار وطنى لا يستثنى أحدا، وتضمن سلامته تعهدات صريحة وحازمة بالابتعاد عن الغوغائية واحترام كل الأفراد والأفكار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.