«لن نبالغ إذا قلنا إن عازف البيانو رمزى يس من الموسيقيين القلائل مصريين أو عربا، الذين استطاعوا أن يضعوا أقدامهم على الساحة العالمية ويتركوا فيها بصمة. والشىء الذى يحسب له أنه وصل إلى هذه المرتبة بفضل موهبته فى العزف على آلة غربية البيانو وهذا يعنى أنه عندما ذهب إلى أوروبا، وبالتحديد فرنسا نافس الأوروبيون على آلة هم أصحابها، ويملكون حظوظا أكثر فى الإبداع عليها. واستطاع رمزى بحرفيته أن يقنع الجميع بأن هناك فنانا مصريا يمكنه أن يكون أكثر إبداعا.. لذلك لم يكن غريبا أن يتم اختياره ليسجل أعمال المؤلف الموسيقى العالمى شوبان بمناسبة مرور 200 سنة على ميلاده فى 22 فبراير الحالى. عالمية يس اكتسبها من اهتمام العالم بأدائه، والدليل أنه عزف فى أهم القاعات الكبرى، أبرزها ميوسكفرن بفيينا، وبرلين فيلاهورمونيكا، ومركز كيندى للفنون بالولايات المتحدة، ومركز باربيكيان ببريطانيا، والبرت هول لندن، ومسرح الشانزليزية بباريس، ومسرح الكونسرفتوار بموسكو. كما أنه يعمل أستاذا للبيانو بأحد معاهد باريس، وفى مصر يعمل مديرا للمركز الدولى للموسيقى، وحاصل على جائزة الدولة التقديرية». فى البداية سألته عن أسباب قلة تواجده فى مصر.. قال.. بالعكس إننى أزور مصر كل شهر تقريبا بحكم عملى بالمركز الدولى للموسيقى. وهو العمل الذى يتطلب حضورى لمتابعة فعاليات البرنامج، والإشراف على ما يحدث، مع زملائى ومنهم الدكتور طارق شرارة. *لكن هذا الوجود إدارى أكثر منه فنى؟ طبيعة حفلاتى تلزمنى بالوجود بواقع مرة واحدة خلال السنة، وهو إيقاع جيد للوجود. *لكن مرة واحدة لا تكفى؟ الأماكن التى تستقبل نوعية الحفلات التى أقدمها، قليلة جدا فإذا تحدثنا عن القاهرة لن تجد سوى دار الأوبرا، والمركز الدولى للموسيقى، على اعتبار أنهما يملكان أيضا آلتين للبيانو لكننى لا أستطيع مثلا أن أوجد فى الدقى، ومصر الجديدة، و6 أكتوبر لعدم وجود قاعات، وآلات للبيانو. *لهذا الأمر نشعر بوجودك فى أوروبا أكثر؟ بالطبع لأن الأماكن متعددة، وبالتالى عدد الحفلات أكثر لذلك قد يشعر البعض بأن نشاطى هناك أكبر. *هل وجودك الدائم فى فرنسا تحديدا لهذا السبب؟ هناك أسباب أخرى منها أننى متزوج من فرنسية، وأعيش فى باريس من 33 عاما، وهذا يعنى أننى عشت نصف عمرى هناك لكن هذا لا يمنع أن لى جذورا هنا وأيضا حريص على أن أرويها. *ولا توجد أسباب سياسية لذلك؟ بالقطع لا توجد أسباب سياسية كلها أسباب عائلية أو عملية. *فرنسا دولة مغرية فنيا بالنسبة لك؟ بالتأكيد، أنها عاصمة النور عن استحقاق، وليس كلاما فقط، والنور هناك فعلا نور بكل ما تعنيه الكلمة. *هل عملك هناك مرتبط بالعزف فقط؟ هناك أعمال أخرى مثل التدريس، والمشاركة فى لجان تحكيم. *اتجاهك للتدريس سببه قلة الحفلات؟ ليس له علاقة بقلة الحفلات، ممكن اكسب كثيرا من الحفلات، لكن الجميل فى التدريس أنه الشىء الوحيد المنتظم فى حياتى. لو مثلا تعرضت لوعكة صحية سوف أعتذر عن الحفل، وكذلك لو لم أنم بشكل جيد، لأن ذلك ربما يؤثر سلبيا على قدرتى على العزف، ولكن لم أعتذر عن التدريس، الحفل يحتاج «فورمة» عالية. *هل الموسيقى الكلاسيك مظلومة أيضا فى أوروبا مثل حالها فى مصر؟ ليس بنفس القدر من الممكن أن يكون جمهور البوب أكثر لكن فى أوروبا يعملون بنظام وتنوع. *ماذا تقصد؟ فى أوروبا يستغلون فرصة ميلاد شخصية ما، مثل شوبان، ويخلقون حدثا وتعمل أكثر من جهة داخل هذا الإطار، وبالتالى يجذبون الناس. *مشاركتك فى احتفالية 200 سنة على ميلاد شوبان التى تبدأ الاثنين المقبل كيف جاءت؟ هناك منظمون للحفلات، يقومون بعملية الاختيار، وفقا لمقاييس محددة وترشح الأسماء للجهات التى تتبنى الاحتفالية، وبالتالى أقوم بعمل برنامج، وأعرضه عليهم. *التأليف الموسيقى أكثر ربحا من العزف.. لماذا لم تتجه إليه؟ الربح ليس مقياسا للاختيار عندى، الست أم كلثوم مثلا كانت تستطيع التلحين لكنها اختارت الغناء، وأنا اخترت المجال الذى استطيع أن أبدع فيه والعازف الماهر ليس بالضرورة أن يكون مؤلفا جيدا أو العكس. *ولماذا اخترت «الكلاسيك» ولم تلعب ألوانا أخرى اكثر انتشارا مثل الجاز والبوب؟ الكلاسيك هى اللغة التى أعبر بها عن نفسى بشكل جيد، وبالتالى اخترتها، ثم إن الكلاسيك يزدهر فى مكان، وينكمش فى أماكن أخرى، وحاليا فى دول مثل الصين، واليابان، وكوريا هناك ملايين يلعبون الكلاسيك، وهذا دليل ازدهار. *لكن فى مصر الأمر مختلف؟ أول حفل قدمته فى الأوبرا القديمة كان عمرى 14 سنة، وكانت القاعة كاملة العدد، الآن الوضع تغير، ولكن هناك أناسا ما زالوا يسمعون، ويستمتعون بهذا الشكل الموسيقى. فانتشار اللغة العربية لا يعنى عدم وجود ناس لا تتحدث الإنجليزية. وطبيعى أن تجد الموسيقى الشرقية أكثر انتشارا لأن الناس تسمعها طوال اليوم. والمسئولون إذا اهتموا بالكلاسيك سوف يتغير الأمر. *إذن أنت مع نظرية الإلحاح؟ الموسيقى بكل أشكالها يجب أن تكون متاحة للجميع. * هل تتابع نجوم الغناء الحاليين؟ بحكم وجودى خارج مصر لا أسمع منهم الكثير. * والموسيقى التصويرية؟ هناك جيل كامل ظهر بعد أن تركت مصر سواء مؤلفين أو عازفين، وكلهم جيدون، ولن اذكر أسماء، حتى لا أنسى أحدا منهم. * بعض فنانى الموسيقى الكلاسيك ينظرون للموسيقى الشرقية نظرة متدنية، ويرون أنها متخلفة؟ الجودة لا تصنف بالشرقى، والغربى، لكن هناك عملا جيدا، وآخر سيئا، وبالتالى يجب على أى إنسان أن يحكم بهذا المنظور. * لك تجربة مع التأليف «تنويعات على لحن ل«محمد عبدالوهاب» لماذا لم تكرر التجربة؟ هذا العمل كان مجرد تحية للأستاذ عبدالوهاب، قررت من خلالها أن أبدى له حبى لموسيقاه. * حصلت على جائزة الدولة التقديرية قبل عامين فقط هل تراها جاءت متأخرة؟ المهم اننى حصلت عليها. وهى جاءت بالتأكيد فى موعدها. * عملت مديرا لأوبرا القاهرة فترة قصيرة ثم طلبت إعفاءك؟ نعم لأننى وجدت نفسى غير قادر على الجمع بين عملين، الأوبرا تحتاج وجودا دائما، وكان عندى تفاؤل عندما عندما قبلت المهمة، لكننى اكتشفت عدم إمكانية ذلك. * ماذا لو عرض عليك رئاسة الأوبرا؟ الأوبرا فى حاجة إلى خبرة معينة عند ادارتها وانا خبرتي ليست فى هذا المجال، متطلبات هذه الوظيفة تحتاج إلى شخص ملم بكل الخيوط، لكننى قد اكون مفيدا فى إبداء رأى فنى لأننى أعيش فى هذا المجال من 50 سنة. فالعمل بالإدارة ليس بالنوايا فقط كما أنه، وهذا الأهم ليس من طموحى أن أكون رئيس أوبرا. * هل أنت راضٍ عن مكانتك فى مصر؟ بالتأكيد كل الرضا الحمد لله لى مكانة كبيرة. * كيف ترى دور أجهزة الإعلام فى دعم الفنون الجادة؟ مصر لديها معاهد موسيقية، ودور أوبرا، وأنشطة فى المراكز الموسيقية، لكنها للأسف غير موجودة فى الإعلام بالشكل الذى يعكس دورها، وأتمنى من الإعلام أن يتعامل بشكل جيد مع هذه الفنون وأن يعطوها جزءا مما يعطوه للفنون غير الجادة. * والأوبرا؟ تقوم بدورها بشكل جيد. لكننى أتمنى زيادة عدد قاعات الموسيقى فى كل المحافظات. * كيف ترى مستقبل البيانو فى مصر؟ هناك عازفون شباب على أعلى مستوى مثل محمد شمس، ووائل فاروق، وحسن معتز، وماجدة عمارة وهذا يجعلنى متفائلا خاصة أن هناك بالتأكيد أسماء أخرى. لا أعرفها.