قطع الكهرباء 3 ساعات غدا عن مركز الباجور بالمنوفية بالكامل لأعمال الصيانة    الدفاع الروسية: إسقاط 47 طائرة مسيرة أوكرانية خلال 7 ساعات    نائب رئيس الزمالك يكشف عن تحرك جديد في أزمة أرض أكتوبر    عمرو أديب ينتقد إخفاق منتخب مصر: مفيش جدية لإصلاح المنظومة الرياضية.. ولما نتنيل في إفريقيا هيمشوا حسام حسن    أحمد حسن يعتذر للجماهير: حزين للغاية.. وبذلنا كل ما نملك في ظروف استثنائية    مأساة بولاق الدكرور.. التصريح بدفن 5 جثث لأسرة واحدة ضحايا تسرب الغاز    ياسمين عبد العزيز: الشهرة حرمتني من عيش حياتي بشكل طبيعي    مفتي الجمهورية يشهد افتتاح مسجدي الهادي البديع والواحد الأحد بمدينة بشاير الخير بمحافظة الإسكندرية    الرئيس الروسي يبحث مع نظيره العراقي علاقات التعاون    الجيش الأمريكي ينفذ طلعات جوية بمقاتلات وقاذفات ومسيرات فوق ساحل فنزويلا    "الزراعة" توضح أفضل طريقة للتعامل مع كلاب الشوارع الضالة    الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر بشأن تزايد الطلب على موارد المياه مع ازدياد الندرة    المطربة أنغام البحيري تشعل استوديو "خط أحمر" ب أما براوة.. فيديو    شتاء 2025: لماذا لا ينجو أحد من نزلات البرد هذا العام؟    الأرصاد تعلن انحسار تأثير المنخفض الجوي وارتفاع طفيف في الحرارة وأمطار على هذه المناطق    حجز تاجر بتهمة النصب على المواطنين بزعم حصولهم على شهادات علمية    السودان بين العواصف الدبلوماسية وتضييق الخناق الدولي على المليشيات وتصاعد الأزمة الإنسانية    التحقيق في 12 بلاغا ضد فرد أمن مدرسة دولية بالتجمع بتهمة التحرش    الحلقة التاسعة من برنامج «دولة التلاوة».. الاحتفاء بالشيخ محمود على البنا    غلق مزلقان مغاغة في المنيا غدا لهذا السبب    لجنة المحافظات بالقومي للمرأة تناقش مبادرات دعم تحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي    تعرف على نتائج مباريات اليوم بالدوري الممتاز لكرة السلة    ليفربول ضد برايتون.. تفاصيل إنهاء الخلاف بين محمد صلاح وسلوت    تسليم "كنز صوتي" نادر لأحفاد الشيخ محمد رفعت بعد عقود من الغياب    نجوم الفن يتألقون في ختام مهرجان البحر الأحمر السينمائي 2025 | صور    "الست".. عن إعطاء الحرية وإطلاق الأيدي    «تموين القليوبية» يحرر 40 مخالفة بالمخابز اليوم الجمعة 12 ديسمبر    محافظ الإسكندرية: الدولة المصرية ماضية في مشروع التأمين الصحي الشامل    إصابة 3 أشخاص فى حادث تصادم وانتشار فرق الطب العلاجي بمستشفيات سوهاج    مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 12ديسمبر 2025 فى المنيا    المخ يموت خلال 7 دقائق.. حسام موافي يكشف مفاجأة في وفاة السباح يوسف محمد    عروض تراثية وفنون شعبية..«الشارقة للمسرح الصحراوي» يستعد لافتتاح الدورة التاسعة    بروتوكول تعاون بين قصور الثقافة وهيئة الكتاب لتوسيع منافذ بيع الإصدارات في المحافظات    انطلاقة قوية للمرحلة الثانية لبرنامج اختراق سوق العمل بجامعة سوهاج |صور    علي ناصر محمد يكشف جهود بناء علاقات جنوب اليمن مع دول الخليج    محافظ أسوان يأمر بإحالة مدير فرع الشركة المصرية للنيابة العامة للتحقيق لعدم توافر السلع بالمجمع    يارا البدوي تحصد ذهبية تنس الطاولة في دورة الألعاب الأفريقية    اسعار الفاكهه اليوم الجمعه 12ديسمبر 2025 فى المنيا    محافظ الغربية يتابع كسح مياه الأمطار ويؤكد استمرار العمل على مدار الساعة    سويلم: العنصر البشري هو محور الاهتمام في تطوير المنظومة المائية    هشام طلعت مصطفى يرصد 10 ملايين جنيه دعمًا لبرنامج دولة التلاوة    ناشيونال جيوجرافيك: الدعاية للمتحف الكبير زادت الحجوزات السياحية لعام 2026    الخارجية اللبنانية: تلقينا تحذيرات من عملية عسكرية إسرائيلية واسعة    ضبط المتهمين بتقييد مسن فى الشرقية بعد فيديو أثار غضب رواد التواصل    باسل رحمي: نعمل على استفادة كافة مشروعات الشباب الصناعية من خبرات جايكا    نقيب العلاج الطبيعى: إلغاء عمل 31 دخيلا بمستشفيات جامعة عين شمس قريبا    "الحلبسة" مشروب شتوى يمنح أسرتك الدفء ويقوى المناعة    بتوجيهات الرئيس.. قافلة حماية اجتماعية كبرى من صندوق تحيا مصر لدعم 20 ألف أسرة في بشاير الخير ب226 طن مواد غذائية    الزمالك يصرف جزءا من مستحقات اللاعبين الأجانب لينهى أزمة الإنذارات    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابة    تحالف جديد تقوده واشنطن لمواجهة الصين يضم إسرائيل و4 آخرين    عاجل- الحكومة توضح حقيقة بيع المطارات المصرية: الدولة تؤكد الملكية الكاملة وتوضح أهداف برنامج الطروحات    حمزة عبد الكريم: وجودي في الأهلي شرف عظيم.. وطموحاتي كبيرة في الفترة القادمة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : أنت صوفى ?!    أبرزها الأهلي أمام بيراميدز.. انطلاق منافسات الجولة الثانية عشرة من دوري الكرة النسائية    أمريكا تغرق.. فيضانات عارمة تتسبب في عمليات إجلاء جماعية بولاية واشنطن    الأعلى للجامعات يجري مقابلات للمتقدمين لرئاسة جامعة بني سويف    كيف أصلي الجمعة إذا فاتتني الجماعة؟.. دار الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثرثرة في عوامة أهداف.. فوق النيل
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 07 - 2022

لنقل إننى بدأت كتابة العمود الأسبوعى هذا فى عوامة أهداف سويف. فقد كنت فى طريقى إليها فى ليلة خريفية من ليالى القاهرة الدافئة. هبطت درجات تصل الشارع بالعوامة وعجزت عن الحركة فى أسفل السلم حين وصلتنى رائحة نبتة الكولونيا، والتى تسمى أيضا «مسك الليل». وقفت خارج العوامة كمن يقف وسط الطوفان، فقد فتحت الرائحة فى قلبى بابا موصدا لم أكن أعرف أن رائحة ذكرتنى بليالى دمشق ستنتزع عنه القفل المحكم.
• • •
حاسة الشم تعصف بالجسد والذاكرة وتخلق فوضى تمتد من الرأس حتى الأطراف وكأنها شحنة من الكهرباء دخلت من الأنف وتبعثرت عن طريق الدم. فى عوامة أهداف حديقة زرعت فيها هذه النبتة التى تلتصق بالنفس فى ليالى دمشق الحارة. وقفت أمام مدخل العوامة وقد فقدت حسى بالمكان بينما سألنى زوجى عدة مرات عما حدث دون أن أجيب. عدت فى ثانية إلى صيف دمشق والشارع الفرعى حيث بيت عائلتى وزاوية الشارع حيث أترك السيارة بعد سهرة مع الأصدقاء. هناك، فى تلك الساعة المتأخرة من ليلة صيفية ارتفعت فيها درجات الحرارة، عدت إلى حى جلس سكانه على شرفات منازلهم، هناك كانت نبتة الكولونيا أو مسك الليل برائحتها السكرية دوما بانتظارى لتغلفنى كما كانت تغلفنى أمى بلحاف حين ترانى مستلقية على الأريكة بعد الظهر.
• • •
فى عوامة أهداف اختلطت على الأماكن ونظرت إلى زوجى متسائلة لماذا وقفنا فى أسفل الدرج إذ لا درج فى حديقتنا فى دمشق؟.
أحكى هذه القصة لأننى أتابع تطورات إزالة العوامات من على كورنيش الكيت كات على النيل فى القاهرة. أظن أننى، ككثيرين غيرى، شديدة الحزن من قرار لا أرى فيه أى منطق ولا أفهم كيف تم المضى بتنفيذه رغم ما يكاد يكون إجماعا على عدم صوابه.
• • •
حين دخلت إلى عوامة أهداف تلك الليلة كنت فى حالة «تجربة خارج الجسد» كما تسمى باللغة الإنجليزية، يعنى أننى كنت مع الضيوف بجسدى لكنى أخذت دقائق حتى أكون حاضرة بعقلى. كان الأستاذ جميل أول من تحدث معى وقد لمس أن أمرا ما حدث للتو ورآنى أحاول لملمة عواطفى التى تبعثرت عند مدخل العوامة دون إنذار.
• • •
شرحت للأستاذ جميل أننى فقدت البوصلة مع دخول رائحة النبتة النفاذة على بشكل غير متوقع رمانى فى ليلة مضى عليها سنوات فى وأعادنى شابة لم تعد أنا أصلا. وصفت له ذلك الشعور الدفين بالبعد رغم محاولاتى الدائمة بأن أتعايش معه ورغم شعورى بالاستقرار حيث أنا، وكنت حينها فى القاهرة. حاولت أن أصف له الساعة المتأخرة من ليلة صيف فى دمشق، حين يتوقف الهواء تماما فى سماء المدينة فنشعر، نحن سكانها، أننا فى أنبوب تجارب لا يصله الأكسجين. فى تلك اللحظة تنفجر عادة رائحة النبتة فتكسو المكان بشعور لزج من الكسل والبطء والسكر. هى لحظة عودتى إلى البيت بعد قضاء أمسية مع الأقارب أو الأصدقاء، هى لحظة دخولى إلى العمارة واحتكاكى بنبتة «مسك الليل» التى افترشت المدخل فهنأتنى بعودتى إلى البيت.
• • •
فى عوامة أهداف، شاركتها شعورى بالقلق ليلتها وفى ليال كثيرة بعدها حين جلست معها نثرثر، كما فى رواية العملاق نجيب محفوظ، ثرثرة فوق النيل. فوق هدير الماء تحت العوامة وحفيف النسمة فوقها، استقبلت العوامة أصدقاء صاحبتها بل وأصدقائهم فكانت شاهدة على ثرثارات كثيرة لم تكن ممكنة خارج تلك المساحة الآمنة الدافئة الأليفة التى خلقتها أهداف لنفسها ولمن تحب.
• • •
أحداث وتطورات ناقشناها فوق النيل، مجموعات تشكلت وتفرقت والعوامة تستقبلنا كما استقبلتنا صاحبة المكان بقلبها المفتوح ويديها تحيط بنا حين نحتاج ضمة وحضن. سنوات أدخل وأخرج من العوامة وفى كل مرة أتذكر ليلة تسمرت فيها فى مكانى حيت غلفتنى رائحة مسك الليل، ثم دقائق حاولت فيها أن أصف للأستاذ جميل كيف أفقدتنى الرائحة قدرتى على التحكم بشعورى بالبعد والغربة فطلب منى أن أكتب ما وصفته وأرسله له.
• • •
هكذا إذا، كتبت العمود الأول على طلب الأستاذ جميل بعد جلوسى معه فى عوامة أهداف. لم أتوقع يومها أن تتسبب نبتة مسك الليل بفتح طاقة فى قلبى تخرج منها الكلمات إلى الشاشة دون فلتر، أراها فيما بعد بشكل عمود يوافق عليه الأستاذ جميل كل أسبوع. من عوامة أهداف بدأ سرب كلمات يخرج من قلبى إلى العالم وصارت كتابتى الأسبوعية بمثابة بوح بما أخاف منه واعتراف بما أشك فيه ومشاركة لأفراح ولحظات خاصة قد لا تعنى القارئ إنما يعنينى أن أصبها فى النيل، تماما كما فعلت فى تلك الليلة حين أمسكت بحافة السلم واستنشقت ملء روحى من الحنين والصداقة والدفء الذين اختلطوا فى قلبى حين دخلت إلى عوامة أهداف.
• • •
قد لا أعود إلى العوامة، لكنها، كليل دمشق ورائحة الكولونيا، ستعود إلى فى كل مرة أفكر فيها بأكثر ما أحببته فى القاهرة: أماكن حميمة جمعت أصدقاء من أقرب الناس إلى قلبى حول مائدة وأحاديث عن السياسة والأفلام والحب والعلاقات ووصفات الطعام وآخر تطورات قضايا نتابعها. ثرثرة فى عوامة أهداف فوق النيل تبقى من أجمل لحظاتى فى القاهرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.