أوصت لجنة برلمانية فرنسية بمنع ارتداء النساء للنقاب فى الأماكن العامة. وطلبت من الجمعية الوطنية إصدار قرار بذلك. وكانت اللجنة قد أمضت ستة أشهر فى مناقشة الموضوع، وهى خطوة تأتى لاحقة للقانون الذى صدر قبل ست سنوات بمنع ارتداء الحجاب فى المعاهد والجامعات الفرنسية، فى مسعى لما وصف بأنه ملاحقة لمظاهر «الأصولية»، والدفاع عن العلمانية والجمهورية. وفى حين تمضى خطوات حظر النقاب، فإن المعهد الكاثوليكى فى باريس كان يستعد لتخريج 30 إماما للمساجد، بينهم أربع نساء. وهذا المسعى الثانى أهم من الأول، لأنه يستهدف التدخل فى تشكيل ثقافة وهوية المسلمين فى فرنسا، الذين يقدر عددهم بستة ملايين شخص (بالمناسبة عدد المنتقبات اللاتى سيصدر لأجلهن القرار الجديد لا يتجاوز 2000 واحدة). وقد وجد القائمون على الأمر هناك، أن أفضل وسيلة لإحداث التشكيل المطلوب هى إعداد جيل من الأئمة تحت إشراف الحكومة. قرأت تقريرا عن هذه العملية، تبين منه أن الفكرة جاءت من وزارة الداخلية (يبدو أن الشأن الإسلامى أصبح من اختصاص وزارات الداخلية فى مختلف أنحاء العالم، وليس عندنا فقط). ودافعها إلى ذلك ليس فقط ما يشاع فى أنحاء أوروبا عن تزايد «الخطر الإسلامى»، ولكن أيضا محاولة إدماج المسلمين وتذويبهم فى المجتمع الفرنسى، من خلال اصطناع ما يسمونه «إسلاما فرنسيا»، يختلف عن ذلك المعروف فى بقية أنحاء العالم العربى والإسلامى. إن شئت فقل إن الداخلية الفرنسية أبدت قبولا بالمسلمين الذين يشكلون الديانة الثانية فى البلاد بعد الكاثوليكية، فى حين أبدت امتعاضا وعدم ارتياح إلى الإسلام الذى نعرفه، وكانت تلك بداية التفكير فى إعادة تأهيل الأئمة طبقا للمواصفات الفرنسية. عرضت الفكرة على بعض الجامعات الرسمية مثل «السوربون»، لكنها لم تستجب لها، والمفاجأة أن الذى قبل بالمهمة كان المعهد الكاثوليكى، وهو جامعة علمانية خاصة، الأمر الذى أثار جدلا بين الكاثوليك المحافظين، ومنهم من قال إنهم حين يقدمون تبرعاتهم للمعهد فإنهم يفضلون أن تنفق على إعداد الكهنة وليس الأئمة. كما أن غلاة العلمانيين استنكروا أن تقدم المعونات للمعهد الكاثوليكى (كلفة الدورة التأهيلية التى مدتها سنة 3 آلاف يورو، تسدد وزارة الاندماج والهجرة والهوية 70٪ منها ويتكفل المعهد بالباقى). رغم الاعتراضات بدأ تنفيذ المشروع منذ سنتين، وقام بتخريج دفعتين والثالثة فى الطريق. أما دراستهم فقد تركزت حول أربعة محاور أساسية هى: (الثقافة العامة القانون الثقافة الدينية التداخل الثقافى). وأكثر ما يهم الأساتذة فى المعهد أن يتخرج الإمام وهو مستوعب تماما للعلاقة بين الدين والقانون والجمهورية كما يتصورها الفرنسيون، أما المتقدمون فإنهم يختارون عبر المؤسسات الإسلامية التركية والمغربية ومسجد باريس وغيرها، ولا يشترط فى المتقدم سوى أن يكون خريجا جامعيا، وقبل تخرجه يطالب بإعداد بحث يختار موضوعه فى الإطار الذى سبق ذكره، وهذا البحث يمثل شهادة إجازته وصلاحيته للعمل كإمام فى المساجد والجيش والمستشفيات والمدارس والسجون وغير ذلك من الأماكن التى يوجد بها المسلمون (فى التقرير أن تغطية الأنشطة فى تلك المجالات تتطلب توفير 2000 من الأئمة المؤهلين). هذا الجهد ليس بريئا تماما. ولكنه محاولة لعلمنة الإسلام من ناحية، كما أنه يجسد المفهوم الجديد للديمقراطية الفرنسية، التى لا تكتفى باحترام الجاليات للقانون والتقاليد، وإنما تصر على تذويبها داخل المجتمع الفرنسى، وتقبل بالتعددية السياسية، فى حين تتحفظ على التعددية الثقافية. ومن ناحية ثانية، فإنها تتحول إلى ديمقراطية انتقائية، تفتح أذرعها للوافدين بشروط معينة، تتعلق بالتأهيل والعرق والديانة، بحيث أصبحت تطارد المسلمين وترحب بالمهاجرين الجامعيين غير المسلمين الذين يفدون إليها من «أوروبا الشرقية»، خصوصا رومانيا. إن التصويت لصالح حظر المآذن ليس مصادفة، والحاصل الآن فى فرنسا جزء من المسلسل والرسالة واضحة فى الحالتين لمن يقرأ ويفهم.