مضاعفة الصادرات إلى 200 مليار جنيه بحلول عام 2013، هدف تسعى وزارة التجارة والصناعة لتحقيقه ويستبعد الغالبية العظمى من خبراء السوق إمكانية الوصول إليه فى ضوء الأزمة المالية وتداعياتها على الاقتصادات العالمية. غير أن رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة يراه «ممكنا وقابلا للتحقق» مع ما تعتزمه الدولة من تنويع أسواقها التصديرية فى الفترة القادمة بصورة عامة والتركيز على الأسواق الأسيوية بشكل خاص. «التوجه شرقا مرتبط بالتغيير الذى يشهده الاقتصاد العالمى، فلم تعد القوى الاقتصادية التقليدية، الولاياتالمتحدة وأوروبا، يسيطران على الاقتصاد العالمى، فقد بدأت دول مثل الصين والهند تستأثر بحصص أكبر من التجارة العالمية ولذلك يجب أن نتماشى مع الاتجاه العالمى»، كما جاء على لسانه. ويستطرد رشيد: «الاقتصاد حاليا يعنى استهلاك، والأسواق الأسيوية فى الوقت الحالى، هى الأكثر استهلاكا ومن ثم هى الأكثر جاذبية للصادرات والسلع، علما بأن هذه الدول أصبحت مستوردة ليس فقط للنفط والسلع والخامات الوسيطة، بل أيضا الخضراوات والفاكهة والسلع تامة الصنع»، يقول رشيد. وكانت الوزارة قد أعدت تقريرا مفصلا لخطتها لمضاعفة الصادرات، تحت عنوان «إستراتيجية مضاعفة الصادرات المصرية من 2010 إلى 2013»، جاء فيها أن الوزارة تخطط لمضاعفة الصادرات الصناعية غير البترولية خلال هذه الفترة إلى 200 مليار جنيه من خلال زيادة الاستثمارات ب60 مليار جنيه مما سيسهم فى خلق 200 ألف فرصة عمل جديدة. الصين والهند على رأس القائمة ووفقا لخطة وزارة التجارة والصناعة، فإن الأسواق الإستراتيجية التى تمثل أولوية لمصر هما الصين والهند، فالصين أصبحت ثانى أكبر اقتصاد فى العالم بعد الولاياتالمتحدة، كما أن بها خمس سكان العالم، وتستورد ما يعادل قيمته تريليون دولار. نفس الشىء بالنسبة للهند، فقد شهدت نموا اقتصاديا كبيرا خلال السنوات الأخيرة مما جعل منها سوقا استهلاكية كبيرة، ولذلك «يجب أن ندخل هذه الدول فى دائرة حسابنا»، بحسب تعبير الوزير، مشيرا إلى أن استحواذ هذه الدول على الاقتصاد العالمى بدأ يتزايد فى السنوات الأخيرة. فبعد أن كانت الولاياتالمتحدة وأوروبا يسيطران على 85% من الاقتصاد العالمى، تراجعت هذه النسبة فى الفترة الأخيرة إلى 65% لصالح الصين والهند. ويأتى بعد الصين والهند، ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة، «فهناك قرب ثقافى مع هذه الدول الإسلامية كما أن هناك علاقات سياسية متميزة مع هذه الدول»، لذلك نهدف إلى اقتحام هذه الأسواق فى الفترة القادمة لكى «نقفز بحجم التجارة الضئيل بيننا إلى المستوى المناسب لهذه العلاقات»، يقول رشيد موضحا أن حجم تجارتنا مع كل من هذه الدول لا يتجاوز المليار جنيه فى الوقت الحالى. ووفقا لأرقام وزارة تجارة ماليزيا، بلغ حجم الصادرات المصرية إلى ماليزيا فى عام 2008، 108 ملايين دولار، 90 منها صادرات غير بترولية، بينما يصل حجم الواردات 716 مليون دولار، كلها منتجات غير بترولية. ووفقا لأرقام وزارة التجارة والصناعة فى مصر، تبلغ صادرات مصر إلى إندونيسيا 223 مليون دولار، بينما تصل الواردات إلى 791 مليون دولار، فى الوقت نفسه، تبلغ الصادرات المصرية إلى سنغافورة 162 مليون دولار، والواردات 369 مليون دولار. الطريق مازال طويلا إلى تلك الأسواق «المشوار طويل بالفعل لتثبيت أقدامنا فى هذه الدول»، بحسب رشيد، مشيرا إلى ضرورة وضع إطار حكومى للتعاون مع هذه البلاد. وفى هذا الصدد، يكشف رشيد أن هناك اتفاقيات حكومية على وشك التوقيع مع كل من حكومات هذه الدول تسهل مناخ الاستثمار والتجارة «بيننا وبينهم». أسواق آسيا تربة خصبة للسلع المصرية، كما أنها أسواق تبحث فى الوقت الحالى عن الاستثمار، فلم نكن نسمع فى وقت سبق عن أى شركة أسيوية تريد أن تستثمر فى الأسواق الخارجية، ولكن أصبحت هذه الدول مصدرة للاستثمار»، كما جاء على لسان رشيد، مشيرا إلى أن خطة الوزارة لزيادة التجارة مع هذه البلاد تواكبها خطة أخرى لجذب مزيد من الاستثمار منها. «التجارة والاستثمار أصبحا لا ينفصلان عن بعضهما، ولن يتحقق فى سنة أو سنتين، فالمشوار أمامنا طويل»، بحسب رشيد الذى أكد أهمية التعرف على طبيعة هذه الأسواق وفهم احتياجاتها. وقد قررت وزارة التجارة والصناعة خلال الأشهر القادمة إرسال بعثات تجارية ترويجية من أربعة مجالس تصديرية إلى إندونيسيا، للتعرف على احتياجات سوقها وللترويج للمنتجات المصرية هناك. وتمثل الاستثمارات الماليزية حصة ضئيلة من إجمالى الاستثمارات الموجهة إلى مصر حيث إنها ليست موجودة سوى فى مجال النفط، متمثلة فى شركة بتروناس، وبعض الاستثمارات الخاصة بزيت النخيل، إلا أن الاستثمارات الإندونيسية والسنغافورية تكاد تكون منعدمة فى السوق المصرية. وبرغم كون سنغافورة، سوقا صغيرة لا يتعدى حجمها ال4 ملايين نسمة، فإنها تمثل أولوية أيضا بالنسبة للسوق المصرية، باعتبارها «بوابة لأسيا»، بحسب تعبير رشيد. وكانت وزارة التجارة والصناعة قد أعلنت الأسبوع الماضى عن مفاوضات مستقبلية فى أبريل القادم بين مصر وسنغافورة من أجل توقيع اتفاق تعاون للتجارة بين البلدين يهدف إلى زيادة حجم التبادل بين البلدين. ومن المجالات المرشحة للتعاون بين مصر وهذه الدول، بحسب رشيد، الأثاث والمنتجات الغذائية والتكنولوجيا والزراعة والأسماك، فضلا عن الخدمات المتعلقة بالتعليم والصحة، «لما يجتذبه التعليم الأزهرى من آلاف من هذه الدول»، بحسب رشيد. المنافسة هناك حامية ونستعد لها دول شرق آسيا، وبصفة خاصة الصين، دول مصدرة خاصة للسوق المصرية، ولكن الآن ما تسعى إليه الحكومة المصرية، شأنها شأن الدول الأخرى هو التصدير لهذه الأسواق، لتحقيق هدفها ومضاعفة حجم صادراتها، وهنا يأتى السؤال الذى يطرحه السوق، هل ستصمد البضاعة المصرية، خاصة مع تكلفة النقل العالية نتيجة بعد المسافة بيننا وبين هذه الدول، أمام منافسة هذه المنتجات؟ «لا يوجد مهرب من المنافسة، والتحضير لمواجهتها جزء أساسى من خطتنا فى الفترة القادمة»، يقول رشيد، مشيرا إلى أن مصر إذا لم تهتم بتحسين الإنتاجية والتنافسية لن تبيع «حتى فى أفريقيا»، بحسب قوله، مشيرا إلى أن هذه الأسواق، التى تضم عددا كبيرا من الدول الفقيرة، تتطلب معايير محددة للنجاح فى دخول أسواقها. وكان وزير التجارة والصناعة قد أعلن أن الوزارة تركز فى الوقت الحالى على تعميق الصناعة المصرية، ولذلك قامت بتكوين لجنة مختصة فى هذا الأمر منذ ثلاثة أشهر، تضم كبار المعنيين بأمر الصناعة فى مصر من أجل تطويرها. «هذا هو التدرج الطبيعى لتطوير الصناعة، لقد كنا فى بادئ الأمر بحاجة إلى خلق كتلة صناعية، والآن نحن لدينا هذه الكتلة، وحان الوقت لتطويرها»، تبعا لرشيد، الذى توقع زيادة فى الصادرات الصناعية بنسبة تتراوح ما بين 10 15% فى عام 2010. والمقصود بتعميق الصناعة هو مزيد من الاعتماد على المكون المحلى والاهتمام بالصناعات المغذية لرفع القدرة التنافسية للصناعة المصرية بالإضافة إلى وضع ضوابط جديدة لتطبيق معايير الجودة على المنتجات المحلية. ويوضح رشيد أن مصر ستستهدف هذه الأسواق بمنتجات بعينها «فنحن لا نصدر جميع منتجاتنا ولن نقوم بذلك، فهذا ليس هدفنا»، وفقا له، بل نسعى إلى تصدير بعض المنتجات التى نمتلك بها ميزة نسبية مثل الكابلات، والفواكه، والأسمدة، والمنسوجات. واستبعد الوزير الاتجاه إلى الاستثمار والانتاج فى تلك الاسواق فى المرحلة المقبلة، «فى الوقت الحالى سنقوم بتصدير ما نستطيع إنتاجه وتصنيعه فى مصر فقط، وذلك لأن تشغيل العمالة هدف أساسى»، يضيف الوزير، مشيرا إلى أن فكرة الدخول فى شركات متعددة الجنسيات فى تلك الدول قادم لا محالة، ولكن لن يكون له الأولوية فى الفترة الحالية. ويستطرد رشيد «أنا لا أعمل من أجل بناء مصانع فى هذه الدول بل الهدف الأساسى هو جذب استثماراتهم وفتح أسواقهم أمام بضاعتنا، فلا يجب أن أسير أسرع من مستوى التنمية». لكن «لكى أستطيع مضاعفة الصادرات يجب أن أخلق مزيدا من الوجود فى أسواق آسيا ضمن قائمة من الأسواق المستهدفة فى الفترة القادمة مثل الأسواق العربية، والأفريقية ودول أمريكا اللاتينية (الميركسور)»، يوضح رشيد، مشيرا إلى أنه يرى فى احتلال كل من هذه الأسواق نسبة تتراوح من 5 إلى 20% من إجمالى الصادرات المصرية، كل على حسب إمكانياتها يعد خطوة مهمة للمستقبل ويمثل أساسا للعلاقات التجارية معهم بعد 20 سنة من الآن، «وهذا هو التحدى الأهم»، كما جاء على لسانه، مؤكدا أن الولاياتالمتحدة وأوروبا سيظلان السوق الاستهلاكية الأكبر خلال ال10 سنوات القادمة. أمريكا وأوروبا مازالا وسيظلان على الخريطة طرق أسواق جديدة لا يقلل من أهمية سوق الولاياتالمتحدة وأوروبا لمصر، بحسب رشيد، مشيرا إلى أن الهدف من اقتحام الأسواق الجديدة هو امتصاص الزيادة المستهدفة فى الصادرات المصرية خلال الفترة القادمة. «ولكن هذا لا يعنى أن صادراتنا إلى أمريكا ستقل خلال الفترة القادمة ولكن ستقل مساهمتها فى إجمالى الصادرات، تصل إلى 70% حاليا. وقد وصل إجمالى الصادرات المصرية إلى الولاياتالمتحدة بنهاية عام 2009 إلى 5.94 مليار جنيه، بينما بلغت إلى السوق الأوروبية 22.82 مليار جنيه خلال نفس الفترة، بما يقدر ب68% من إجمالى الصادرات المصرية.