تواصل «الأزمة الأوكرانية» تصدرها للمشهد العالمي، بالتلويح المستمر من جانب الولاياتالمتحدة بأن روسيا لديها نية باجتياح أوكرانيا خلال الأيام القليلة المقبلة، وأن كل المؤشرات تؤكد ذلك، حيث قامت روسيا بنشر نحو 150 ألف جندي من قواتها، بما في ذلك حوالي 60% من إجمالي قوات روسيا البرية، علاوة على إشراف بوتين، السبت الماضي، على مناورات عسكرية وتجاب صاروخية قرب الحدود الأوكرانية، وذلك وفقا لما جاء في "سكاي نيوز". ونفت روسيا الاتهامات الأمريكية، التي أكدت أنها ستعمّق الأزمة وتزيد التوتر، وشدد الرئيس الروسي على أن بلاده لا تريد الحرب، لكنها لم تتسلم ردا من البلاد الغربية فيما يتعلق بضمانات ضد المخاوف الأمنية بالتواجد في أوكرانيا، وذلك بحسب "بي بي سي". وبتزامن الأزمة مع عقد «مؤتمر مينوخ للأمن»، الذي سيجمع شركاء الناتو (أمريكا، وفرنسا، وألمانيا)، وستكون مشاورتهم حول الأزمة على رأس الأولويات، ما يمكن أن يمثل فرصة للتوصل لحل لا ينعكس على أوكرانياوروسيا، بل من الممكن أن يمتد أثره على الداخل الأمريكي والأوروبي، في ظل تراجع شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن، وقرب نهاية ولاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؛ لذا يثار سؤال "هل مثلت الأزمة الأوكرانية فرصة لمكاسب سياسية لعدد من الزعماء في إعادة بناء شعبيتهم أمام مواطنيهم؟". يقول الدكتور محمد صادق إسماعيل، مدير المركز العربي للدراسات السياسية، إن حل الأزمة الأوكرانية دون الدخول في حرب يمثل مكسبا هاما للرئيس الأمريكي جو بايدن، إذ إن منذ توليه السلطة وملف كورونا هو المتصدر، الذي كلفه خسائر اقتصادية وسياسية كبرى لصالح منافسته الصين. وأضاف، ل"الشروق"، أن إدارة بايدن تتفهم الأزمة بأوكرانيا، وتريد أن تحل الأمور دون الدخول في حرب، حيث إن الشعب الأمريكي يرفض ذلك وليس في حاجة إلى حرب، خاصة مع المظاهرات الرافضة لإجراءات الإغلاق الاقتصادي، والدخول في مناوشات عسكرية مع دولة بحجم روسيا سيخصم من الرصيد السياسي لبايدن. ومن جهة أخرى، يرى "إسماعيل" أن فرنسا تلعب دورا أكبر من حجمها، حيث تريد أن تكون بديلا لألمانيا في عهد المستشارة ميركل، متابعا أن ماكرون يحاول إثبات الوجود بعدة طرق، كان من بينها مثلا مبادرته لحل الأزمة اللبنانية، فهو يدرك حجم الفرصة الحالية في التوصل لحل سياسي قبل انتخابات بلاده؛ ما يرفع من شعبيته. بينما الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يرى أن الموقف المتشدد، والضغط الأمريكي على روسيا -وإن كان لن يصل بالطبع لإرسال قوات أمريكية للحرب- سيكون له أثر هام على رضا الشعب على الرئيس الأمريكي قبل انتخابات تجديد الكونجرس، التي تشير التوقعات فيها إلى تراجع الحزب الديمقراطي، فالتهاون مع الموقف بأوكرانيا سيكون تبعاته سيئة على إدارة بايدن. وأوضح، ل"الشروق"، أن الموقف البريطاني يتشابه مع الأمريكي، فرئيس الحكومة يريد أن يغطي على فضائحه بالدخول في تحركات أزمة عالمية تبعد الأنظار عنه، والحال نفسه بالنسبة للرئيس الفرنسي، التي باتت ولايته الأولى في أمتارها الأخيرة، والدور الذي يلعبه حاليا يدعمه قبل الانتخابات، فالظهور بمظهر الزعيم الغربي القوي له أهمية في زيادة شعبيته. وبالنسبة للمستشار الألماني الجديد شولتس، يرى "السيد" أنه اختار مسارا مختلفا عن شركائه الغربيين، فهو يقف وراء الحل السياسي، وينظر للأمر على المدى البعيد؛ حيث يريد أن يؤمن وارداته من الغاز الروسي؛ ما يجعل الصدام ليس في صالحه. أما الدكتور مكرم ربّاح، الأستاذ بالجامعة الأمريكية ببيروت، قال ل"الشروق"، إن الناخب الأمريكي أو الفرنسي يهتم في الأساس بالشأن الداخلي، فمحاولات بايدن لن تغير كثيرا في فرص حزبه الانتخابية، كذلك الأمر بالنسبة للرئيس الفرنسي، الذي أخلف كثيرا من وعوده الداخلية لمواطنيه، ما يصعب من فرصه في الفوز بولاية جديدة، بغض النظر عن التحركات في السياسة الخارجية.