نحتفل فى الحادى عشر من شهر طوبة من شهور التقويم المصرى بعيد الغطاس المجيد، ويوافق هذا اليوم التاسع عشر من يناير ما عدا السنوات المصرية الكبيسة فيوافق فيها العشرين منه. والاحتفال بعيد الغطاس المجيد احتفال بذكرى عماد السيد المسيح عليه السلام بنهر الأردن، وكانت مصر فى العصر الإسلامى تحتفل بعيد الغطاس احتفالا رسميا وشعبيا، ويذكر تقى الدين المقريزى فى كتابه «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» المعروف بخطط المقريزى احتفالات الغطاس فيقول: «ويعمل بمصر فى اليوم الحادى عشر من شهر طوبة، وأصله عند النصارى أن يحيى بن زكريا عليهما السلام المعروف عندهم بيوحنا المعمدانى عمد المسيح (أى غسله) فى بحيرة الأردن، وعندما خرج المسيح عليه السلام من الماء اتصل به روح القدس؛ فصار النصارى لذلك يغمسون أولادهم فى الماء فى هذا اليوم، وينزلون فيه بأجمعهم، ولا يكون ذلك إلا فى شدة البرد، ويسمونه يوم الغطاس، وكان له بمصر موسم عظيم للغاية». ويذكر المقريزى نقلا عن المُسبّحى مؤرخ العصر الفاطمى أن بعض خلفاء الدولة الفاطمية كانوا يضيّقُون على المصريين فى احتفالاتهم بهذه المناسبة، لكن الغالب الأعم كان مشاركة الخليفة وأرباب الدولة فى الاحتفال، ويذكر احتفال أهل مصر بهذا العيد سنة 415ه فيقول: «وفى ليلة الأربعاء رابع ذى القعدة كان غطاس النصارى، فجرى الرسم من الناس فى شراء الفواكه والضأن وغيره، ونزل أمير المؤمنين الظاهر لإعزاز دين الله لقصر جده العزيز بالله فى مصر (يقصد الفسطاط أو مصر القديمة اليوم) لنظر الغطاس ومعه الحرم، ونودى ألا يختلط المسلمون مع النصارى عند نزولهم فى البحر فى الليل. وضرب بدر الدولة الخادم الأسود متولى الشرطتين خيمة عند الجسر وجلس فيها، وأمر أمير المؤمنين بأن توقد النار والمشاعل فى الليل، وكان وقيدا كثيرا، وحضر الرهبان والقسوس بالصلبان والنيران، فقسسوا هناك كثيرا إلى أن غطسوا». ويؤكد ابن المأمون أحد مؤرخى العصر الفاطمى على أن الغطاس كان من أعياد الدولة التى يوزع فيها الخليفة العطايا والهدايا، فيقول فى حوادث سنة 517ه عن احتفال الغطاس: «ففرق أهل الدولة ما جرت به العادة لأهل الرسوم من الأترج والنارنج والليمون المراكبى وأطنان القصب والبورى، بحسب الرسوم المقررة بالديوان لكل أحد». ويبدو أن مشاركة الحكام فى الاحتفال أقدم من العصر الفاطمى، فالمسعودى الذى حضر ليلة الغطاس بمصر فى زمن محمد بن طغج الإخشيد يقول: «ولليلة الغطاس فى مصر شأن عظيم عند أهلها، لا ينام الناس فيها، وهى ليلة الحادى عشر من طوبة، ولقد حضرت سنة ثلاثين وثلاث مائة ليلة الغطاس بمصر والإخشيد محمد بن طغج أمير مصر فى داره المعروفة بالمختار فى الجزيرة الراكبة للنيل، والنيل يطيف بها، وقد أمر فأسرج فى جانب الجزيرة وجانب الفسطاط ألف مشعل، غير ما أسرج أهل مصر من المشاعل والشمع، وقد حضر بشاطئ النيل فى تلك الليلة آلاف من الناس من المسلمين ومن النصارى: منهم فى الزوارق، ومنهم فى الدور الدانية من النيل، ومنهم من سائر الشطوط، ولا يتناكرون كل ما يمكنهم إظهاره من المآكل والمشارب والملابس وآلات الذهب والفضة والجوهر والملاهى والعزف والقصف؛ وهى أحسن ليلة تكون بمصر، وأشملها سرورا، ولا تغلق فيها الدروب، وبغطس أكثرهم فى النيل، ويزعمون أن فى ذلك أمان من المرض ونشرة الداء».