أثار إعلان حركة طالبان، سيطرتها على العاصمة الأفغانية كابول، لغطا كبيرا وجدلا واسعا على صعيد المجتمع الدولي، وتباينت مواقف الدول العظمى ودول الجوار بين مؤيد ومعارض للحركة، ومن بين دول الجوار كانت إيران موضع انتباه، حيث لم تعلن عن موقفها من الحركة حتى الآن. ولمعرفة تفاصيل الموقف الإيراني من حركة طالبان وسيطرتها على الحكم في أفغانستان، استطلعت "الشروق" آراء مجموعة من المتخصصين في الشأن الإيراني. الباحث إسلام المنسي، المتخصص في الملف الإيراني والشؤون الآسيوية، قال إن الموقف الإيراني من القضية الأفغانية له مسارات متعددة، الأول أن الحكومة الإيرانية كانت تعمل في ظل وجود الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، على تمكين الأقليات الشيعية، وأهمها أقلية "الهزارة"، الذين ينتمون لمذهب الشيعة الإسماعيلية الاثني عشرية، وهو المذهب الرسمي لإيران. وتابع: كما عمدت إيران على توثيق علاقتها بحركة طالبان، وقدمت لها الأسلحة والدعم الكامل للمقاومة، وفي الفترة السابقة، عندما بدا واضحا للعيان أن الولاياتالمتحدة تعتزم الرحيل من أفغانستان، بدأت إيران في تجهيز لواء "فاطميون" المكون من الشيعة الأفغان اللاجئين في إيران، الذين تم إرسالهم سابقا للقتال في سوريا، وحاليا يتم التمهيد لعودة هؤلاء لتوظيفهم مليشيات للجهاد في أفغانستان. وأضاف أن محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني السابق، اقترح على الحكومة الأفغانية السابقة، الاستعانة بهم في محاربة الإرهاب، على حد وصفه، مختتما أن الحكومة الإيرانية كانت تدعم طالبان في ظل الاحتلال الأمريكي، لكن الآن وبعد انسحاب القوات الأمريكية، أصبح الموقف الإيراني أكثر توجسا من حركة طالبان؛ لأنها أصبحت في موقع السلطة، ولذلك ستكون لهم خلافات مع إيران سواء خلافات حدودية أو على تقسيم المياه. أما الدكتور محمد صادق إسماعيل، مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، قال: "حتى الآن لم يصدر تصريح رسمي يوضح الموقف الإيراني من حركة طالبان، حيث لم يصدر وزير الخارجية أو الرئيس الإيراني أي بيان يوضح ذلك". وتابع: ما يهم إيران هو تثبيت أقدامها في المنطقه العربية، عن طريق زرع الحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان والنظام الحاكم في سوريا. وأضاف أن إيران الآن أصبحت تنظر لطالبان بعين الريبة لأنها تعتنق المذهب السني وليس الشيعي، كما أنها انحدار لتنظيم القاعدة، المخالف للمذهب الإيراني والأيدلوجي، خصوصا ما يشغل إيران على مر العصور، هو التغلغل في المنطقة العربية باستخدام أدواتها السياسية والأمنية، أما الموقف في أفغانستان يهمها لكن ليس بدرجة كبيرة. خلاصة القول إن إيران تنظر بعين الريبة والشك لما يحدث في أفغانستان، لكن ما يهما هو التوسع في المنطقة العربية والحفاظ على مكاسبها التي حققتها منذ عام 2003، سواء في سوريا أو العراق أو اليمن، وحتى التمدد الشيعي في منطقة الخليج العربي من خلال التجنيس الشيعي في المنطقة العربية. واختتم الحديث، الباحث أسامة الهتيمي، قائلا: "بلا شك، لا يمكن أن نتصور أن تكون إيران في حالة غير متفاعلة مع ما يجري في أفغانستان، خاصة بعد سيطرة حركة طالبان على الأوضاع هناك، إذ سارعت طهران لإعلان ترحيبها بقرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، الذي كان يعني لدى كل المراقبين، منح طالبان الفرصة لإحكام السيطرة على أفغانستان، بعد أن تمكنت -على مدار الأشهر السابقة على قرار الانسحاب- من الاستيلاء على العديد من المدن الأفغانية. وتابع أنه وعلى الرغم من أن هذا الترحيب الإيراني كان يشير إلى تقارب إيراني مع طالبان نتيجة التنسيق والحوار المتبادل على مدار السنوات الماضية، إلا أن هذا لم يمنع طهران من اتخاذ عدة إجراءات وتدابير احترازية بعد تسارع وتيرة تنامي قوة طالبان، فرفعت من حالة الطوارئ على الحدود التي تمتد لنحو 850 كم2 وفي بعض القواعد العسكرية القريبة من أفغانستان. والخلاصة أن إيران لم تحسم بعد موقفها مما يجري في أفغانستان، فكما أن هناك الكثير من عناصر التوافق فيما بينها وبين حركة طالبان، فإن هناك الكثير من الهواجس والتخوفات تتعلق باحتمالية استئثار الحركة بالسلطة دون بقية المكونات السياسية الأفغانية، خاصة تلك القريبة من طهران أو الحد من التدفقات المائية المتجهة من أفغانستان إلى إيران، من خلال سد "هلمند"، أو البحث عن شريك تجاري آخر، الأمر الذي سينعكس سلبا على حجم الصادرات الإيرانية إلى أفغانستان، التي يقدرها البعض بنحو 4 مليارات دولار سنويا، بالإضافة إلى أخطر الأمور والمتعلقة بالخلاف الأيدلوجي فيما بين الطرفين، ومن ثم اتجاه طالبان لتوثيق علاقاتها بأطراف معادية لإيران؛ ما سيؤثر على المشروع الإيراني في المنطقة. لكن في المقابل، فإن إيران تنظر للحركة باعتبارها حليفا في تطبيق مشروع تقليص الوجود الأمريكي في المنطقة، إذ كان صمود الحركة طيلة 20 عاما كفيلة بأن تدفع البيت الأبيض لاستصدار قرار بالانسحاب، وهو ما كانت تطمح إليه إيران. في ضوء ذلك، فإنه يمكن لنا القول إن إيران تقبل بما يجري بحذر، حيث تراقب سلوك حركة طالبان في المرحلة المقبلة، وهل أصابها بالفعل تغيير في مواقفها وسياساتها أم أنه مجرد تكتيك أرادت أن تستفيد منه في معركة سعيها لتسلم السلطة في البلاد.