فى بداية العشرينات من القرن الماضى، فى وقت كان يسكن فيه عدد كبير من الأجانب منطقة وسط البلد، انتشرت محال بيع التحف والأنتيكات، ومن ضمنها محل الداكس، الذى يوجد فى العقار رقم 6 فى شارع البورصة الجديد. المتجر لا تتجاوز مساحته العشرون مترا، وهو يشبه الكثير من المحال التى توجد فى الشارع، فهو يعج بالتحف، والبراويز، والأباجورات، والكراسى، التى يرجع تصميمها إلى الذوق الأوروبى الكلاسيكى. ورث الحاج أنور توفيق الداكس، الذى يبلغ من العمر أكثر من 80 عاما، تجارة الأنتيكات عن والده، ونشأ منذ صغره فى هذا المحل، الذى استأجره والده من الأميرة شويكار قريبة الملك فؤاد، بأربعة جنيهات، لكن قيمة الإيجار الآن ارتفعت إلى 160 جنيها. ويقول الداكس إن طبيعة منطقة وسط البلد التى نشأ فيها منذ صغره، اختلفت بشكل كبير عنها الآن، «زمان كان سكان المنطقة من الأجانب من مختلف البلاد تركيا، وايطاليا، وألمانيا، وفرنسا، وإنجلترا، أما ساكنو المنطقة من المصريين فكانوا من الباشاوات أصحاب الذوق الرفيع». أما الآن الوضع اختلف، كما يقول عم أنور، وأصبح بجوار المحل، وعلى بعد خطوات منه كشك لبيع الكبده، وآخر لبيع الأحذية المستوردة. البضاعة التى كان يتاجر فيها الداكس الكبير، والد أنور، فى النصف الأول من القرن الماضى، كان عبارة عن انتريهات، وصالونات، وكان الزبائن يطلبونها خصيصا، كل حسب ذوقه، ويتم تصنيعها بالطلب، أما القطع الصغيرة، مثل التحف، والنجف، والأباجورات، فكانت أصلية، مشتراه من الخارج، وكان أصحابها يبيعونها إلى الداكس الأب، الذى يعيد بدوره بيعها مرة أخرى. ويضيف صاحب محل الأنتيك أن والده كان يخصص عمالا باليومية حتى يتم الانتهاء من تصنيع طلب زبائنه، أما الآن فمع اختلاف مساحات الشقق إلى الأصغر، وتغيير طبيعة سكان منطقة وسط البلد، اختلفت البضاعة التى توجد فى محل الداكس للأنتيك. ولم يعد الداكس قادرا على تخصيص أحد العمال ليلبى طلب زبائنه، لأن تخصيص عامل يعنى أن يتكلف على الأقل يوميا 60 جنيها، وهو ما يعنى زيادة الأعباء عليه. يقول عم أنور إنه يعانى كما تعانى كل محلات الأنتيك بشارع البورصة الجديد من حالة الركود، التى أصبحت تصيب هذه المهنة، لم أبع أى شىء منذ أربعة شهور، هناك ركود تام فى هذه المهنة مع الأزمة، التى تتحدث عنها الجرائد كل يوم، فلا مصريين، ولا عرب، ولا أجانب أصبحوا يترددون على المحل. ورغم الركود الذى يعانى منه عم أنور فإنه يؤكد انه لا يستطيع أن يغير من نشاطه، «مهنة الأنتيكات مهنتى التى ورثتها، ولا أعرف مهنة غيرها»، حسب صاحب محل الأنتيكات. «تجارة الأنتيكات كانت رائجة فى الزمن القديم، وكان زبونها فاهم قيمة ما يشتريه، بينما يتوجه إلى محل الأنتيكات هذه الأيام من يمتلك المال، وليس الذوق» تبعا لأنور الداكس. فبعد أن كان زبائن محل الداكس من العاشقين للأنتيك، أصبح زبائنه فى الوقت الحاضر «من العرب، أو المصريين، الذين يمتلكون المال ويفضلون اقتناء قطع تبدو أنها قديمة. يقول الداكس إن كل ما يباع داخل محله الآن «بضاعة مقلدة يتم تصنيعها فى منطقة العطارين بالإسكندرية، وأصحاب الورش يأتون بعرباتهم إلى الشارع، وكل صاحب محل يختار ما يريد»، موضحا أن أصحاب الورش فى منطقة العطارين تعلموا تصنيع هذا النوع من الأثاث من الايطاليين، الذين كانوا موجودين بكثرة فى بداية القرن الماضى. يؤكد الداكس أن العاملين فى هذه الورش، يقومون بطلاء بضاعتهم باللون البرونزى، الذى يظهرها وكأنها بضاعة قديمة. لم يفكر الداكس أن يترك نشاطه الذى ورثه عن والده مع اختلاف طبيعة زبائن المحل الآن، «مهنة والدى ولم أتعلم غيرها، وعشقى لها جعلنى أعلمها لابنى الوحيد الذى أصبح يساعدنى الآن». وتبدأ أسعار البضاعة التى توجد داخل محل الداكس، من 100 جنيه، وهو سعر برواز صغير، على شكل طبق أبيض مزين بالرسومات، يبدو أن عمره تجاوز الخمسين عاما، لكن أنور الداكس يؤكد أنه حديث الصنع، كما يوجد مقعدان مطليان باللون الذهبى، من طراز ويليم ومارى الإنجليزى، يصل سعرهما إلى 1500 جنيه. تكلفة شراء البضاعة داخل المحل من الممكن أن تتفاوت أسعارها من زبون لآخر، فصاحب محل الأنتيكات يستطيع بخبرته أن يقيم الزبون المتردد عليه، وبالتالى فإنه يعتبر أن «البيع رزق من عند ربنا وكل واحد حسب رزقه».