بعد فترة من الهدوء سادت البورصة المصرية، تأثرا بحالة عدم الثقة التى خلفتها الأزمة العالمية فى أسواق المال، بدأت الحياة تعود إليها من جديد خاصة مع الاتجاه الصاعد الذى اتخذته البورصة منذ مارس 2009، فعادت صفقات الاستحواذ والاندماج للظهور وطرحت شركات للتداول خلال النصف الثانى من العام، فضلا عن صفقات أجريت خارج سياق البورصة وأثرت على الشركات المدرجة فيها، وحركت المياه الراكدة فى السوق. وكانت صفقات التجارى الدولى، وبلتون وبايونيرز، وموبينيل من أهم الصفقات التى أثرت على التعاملات خلال العام. كما كان طرح سهم القلعة للتداول من الأحداث المهمة التى شهدتها السوق فى 2009. صفقة التجارى الدولى قامت شركة أكتيس العالمية للاستثمار المباشر، والمتخصصة فى الأسواق الناشئة، بشراء حصة قدرها 9.3% من البنك التجارى الدولى وهو أكبر بنك فى مصر من ناحية القيمة السوقية، وذلك مقابل 244 مليون دولار. واشترت أكتيس تلك الحصة من كونسورتيوم تقوده مجموعة ريبلوود الأمريكية للاستثمار الخاص. ويرى منصف مرسى، نائب رئيس قسم البحوث فى شركة دلتا رسملة، أن صفقة أكتيس جاءت فى وقت كان الأزمة المالية مازال قويا على السوق، «فحركت المياه الراكدة»، وأعطت دفعة قوية للسوق، ودعمت الثقة فى سهم البنك التجارى الدولى، وفى قطاع البنوك عامة، كما يقول مرسى. وقامت أكتيس التى تستثمر فى الأسواق الناشئة بشراء شهادات الإيداع الدولية الخاصة بالبنك وعددها 27.3 مليون شهادة بسعر 8.93 دولار للسهم وهو أعلى من سعر الإغلاق بجلسة اليوم السابق للإعلان وكان 8.68 دولار. وجدير بالذكر، أن أكتيس أصبحت بنهاية العام أكبر مساهم منفرد فى البنك التجارى الدولى، بعد أن قامت مجموعة ريبلوود الأمريكية ببيع حصتها المتبقية فى البنك التجارى الدولى، 4.7%، إلى مجموعة من المستثمرين الأفراد فى البورصة المصرية، خلال الأسبوع الماضى. كيان مالى عملاق قبل عدة أسابيع أعلن بنك الاستثمار بلتون وشركة بايونيرز القابضة، وهما من أكبر عشر شركات تعمل فى مجال الخدمات المالية فى مصر، موافقة مجلس إدارة كل منهما على اندماجهما، عبر زيادة رأس مال بايونيرز بنحو 100 مليون سهم، ومبادلة الأسهم مع حاملى أسهم شركة بلتون المالية. وهو ما يعنى أن حصة بلتون فى رأسمال بايونيرز ستكون نحو 16.6% بعد إتمام عملية الاندماج. ويصل إجمالى قيمة الأصول التى تديرها الشركتان معا إلى 29 مليار جنيه. وتخلق خطوة الاندماج كيانا كبيرا سيتصدر قائمة اللاعبين الرئيسيين فى السوق المحلية، كما يرى خبراء السوق، خاصة أن الاندماج سيمكن الكيان الجديد من أخذ مكانة المجموعة المالية هيرميس فى تصدرها لقائمة أكبر الشركات العاملة فى السوق، خاصة على صعيد السمسرة فى الأوراق المالية. ويعتقد مرسى أن الاندماج يحقق تكاملا بين أنشطة المؤسستين، فبلتون تركز على العملاء من المؤسسات والأجانب، فى حين أن بايونيرز تمتلك أكبر قاعدة عملاء من الأفراد فى مصر، لذا فإن نشاطهما «قد يتجاوز المجموعة المالية هيرميس» تبعا له. قصة موبينيل لن تنتهى فى 2009 يبدو أن الوقت مازال مبكرا لوضع نهاية لصفقة موبينيل الحائرة بين شركتى فرانس تيليكوم وأوراسكوم تيليكوم، رغم أن أحداثها بدأت منذ شهر أبريل الماضى، بعدما صدر قرار لمحكمة التحكيم الدولية فى جنيف ببيع أوراسكوم لحصتها فى موبينيل القابضة (28.75%)، التى تملك 51% من شركة التليفون المحمول موبينيل، إلى فرانس تيليكوم. فقد بدأ الخلاف بين الشركتين المصرية والفرنسية، أصحاب الحصة الأكبر من شركة المحمول، السعر الذى يفترض أن تشترى به الشركة الفرنسية أسهم الأقلية، والتى تصبح الشركة الحائزة على حصة الأغلبية ملزمة بشرائها. فبينما وصل سعر سهم موبينيل تقديريا إلى 273 جنيها طبقا لقرار التحكيم، فإن فرانس تلييكوم قد تقدمت بعروض متتالية لشراء حصص الأقلية تقل عن هذا السعر، أدت إلى رفض هيئة الرقابة المالية غير المصرفية على تلك العروض. ومع توالى العروض من فرانس تيليكوم من خلال شركة أورانج التى تمتلكها، وافقت الهيئة أخيرا على رابع عرض لأسهم الأقلية بسعر 245 جنيها، وهو ما أثار أوراسكوم تيليكوم ودفعها إلى تقديم تظلم إلى الهيئة. «لقد اختارت فرانس تيليكوم وقتا مهما جدا لتقديم عرضها الرابع» حسب أحمد عادل، محلل قطاع الاتصالات بنعيم للسمسرة، مشيرا إلى أن أوراسكوم تواجه التزامات مادية كبيرة، كما تواجه صعوبات خاصة فى الجزائر، حيث تطالبها مصلحة الضرائب هناك بدفع ضرائب تقدر بنحو 600 مليون دولار، كما قالت المصلحة إنها لن تسمح لأوراسكوم بتحويل أرباح قبل سداد تلك المستحقات، مما يعنى أن أرباح الشركة الجزائرية فى 2009 لن يتم تحويلها أيضا (لم يتم تحويل نصف أرباح 2008 لنفس السبب). ويرى عادل أن هذه الصفقة كما كانت نجم السوق فى 2009، ستكون أيضا فى 2010، وقال إنه بمجرد إعلان قرار التحكيم الدولى فى مارس، ارتفع سعر سهم موبينيل فى البورصة من 150 جنيها ووصل إلى 220 جنيها خلال أسبوع، كما ارتفع سعر سهم المصرية للاتصالات بنسبة معقولة كونه سيكون السهم الوحيد من القطاع الباقى فى البورصة، فى حالة اتمام صفقة موبينيل التى غالبا ما سيلغى إدراجها إذا استحوذت عليها فرانس تيليكوم بالكامل، ويقول عادل إن «المصرية للاتصالات ليست ممثلة للهاتف الثابت فقط ولكن أيضا للهاتف المحمول حيث إنها لديها حصة كبيرة فى فودافون». وفى كل الأحوال سواء باعت أوراسكوم تيليكوم حصتها فى موبينيل لفرانس تيليكوم، أو لم تبعها، على اعتبار أن نجيب ساويرس، رئيس مجلس إدارة أوراسكوم، كان أكد أنه لن يبيع أيا من شركاته تحت ضغط، فإن فرانس تيليكوم ستكون لها حصة الأغلبية لأن موافقة الهيئة على عرضها الرابع تسمح لها بشراء الأسهم المتداولة، والتى تمثل 29% من أسهم موبينيل، خاصة أن سعر السهم فى العرض مغر، حيث أنه يزيد على الحد الأعلى للسعر المستهدف للسهم من قبل أغلب بنوك الاستثمار، والذى لم يتجاوز 240 جنيها. كما أن العرض ممتد حتى منتصف يناير المقبل. من المتوقع أن تصعب استمرار شراكة أوراسكوم مع فرانس تيليكوم إذا استطاعت الأخيرة الحصول على حصة حاكمة فى شركة المحمول، وبالتالى على حق الإدارة، وهو ما تسعى إليه الشركة الفرنسية. كما توقع عادل أنه فى حالة قيام أوراسكوم ببيع حصتها لفرانس تيليكوم، فمن المنتظر أن تقوم الأخيرة بتغيير اسم العلامة التجارية موبينيل إلى أورانج، وهو ما يعطى انطباعا بأنها غير مصرية، مما يؤثر سلبا عليها لصالح المنافسين لها فى السوق المصرية خاصة شركة اتصالات مصر التى تبذل مجهودا كبيرا فى لزيادة حصتها السوقية. وكان الخلاف بين الشركتين، المصرية والفرنسية، قد بدأت فى نهاية 2008، بعدما اختلف الشريكان على عدة نقاط منها الميزانية والخطط التوسعية للشركة المملوكة لهما معا، موبينيل القابضة، مما دفعهما إلى اللجوء إلى التحكيم الدولى، والذى أصدر قرارا لصالح فرانس تيليكوم فى مارس، وقضى بحقها فى شراء حصة أوراسكوم فى موبينيل. حفاوة وإحباط القلعة ورغم الحفاوة البالغة التى استقبلت بها أسهم مجموعة القلعة للاستشارات المالية فى البورصة، منذ الإعلان عن إدراجها والسماح بتداولها، لدرجة أن السهم بدأ أول تداول عليه داخل المقصورة (فى 6 ديسمبر) بضعف قيمته التى كان يتم التداول بها خارج المقصورة، فارتفع من 7 جنيهات إلى 13.8 جنيه، إلا أن السهم كان محبطا جدا لكثير من المستثمرين فى أيام التداول التالية، حيث انخفض بشكل متواصل إلى ما دون 9 جنيهات. وقال أحد المحللين الماليين، فضل عدم ذكر اسمه، إن المجموعة نجحت فى تسويق السهم بصورة جيدة قبل التداول، لدرجة أن انخفاض السوق فى الأيام السابقة لبدء تداولها كان الكثير من خبراء السوق يعتقدون أنه السبب فيه، حيث كانوا يرددون أن المستثمرين يسعون إلى تسييل جزء من محافظهم حتى يتمكنوا من شراء سهم القلعة عند تداوله. وأضاف المحلل أن هذا المنطق دفع المستثمرين إلى التكالب عليه فى أول يوم لدرجة أنه استحوذ على ثلث التعاملات، «الحقيقة أن من كسب فى سهم القلعة هم المساهمون القدامى الذين وجدوا من هذا التكالب فرصة للخروج بأكبر المكاسب خاصة أنهم حصلوا على السهم بخمسة جنيهات، ومبيعاتهم تقف وراء استمرار انخفاض سعره» حسب تعبيره. وكانت قيمة السهم قد ارتفعت من 5 جنيهات، قيمته الإسمية، إلى 7 جنيهات فى التعاملات عليه خارج المقصورة. ويقول طلال توفيق مدير المحافظ المالية فى بنك استثمار المجموعة المالية هيرميس، إن توقيت التداول على السهم كان غير مناسب إطلاقا، حيث ما زالت تداعيات الأزمة المالية على البورصة مستمرة، وأبرز ظواهرها عجز السيولة وضعف قيمة التعاملات، «لذلك لم يكد السهم يرتفع حتى انخفض مرة أخرى». ويبلغ رأس مال الشركة المصدر 3.3 مليار جنيه، موزع على 661 مليون سهم، منها 496.2 مليون سهم عادى، و165.4 مليون سهم ممتاز، وتمتلك شركة «سيتادل كابيتال بارتنرز» المملوكة للإدارة التنفيذية للقلعة نحو 40.05 فى المائة من أسهم الشركة، فيما تملك شركة «الإمارات الدولية للاستثمار» نحو 16.08 فى المائة، وباقى الأسهم موزعة على مجموعة من الأفراد. وقد قامت سيتادل كابيتال بارتنرز بشراء نحو مليونى سهم من أسهم القلعة للاستشارات المالية يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين، ورغم ذلك فقد السهم فى مجمل الأسبوع أكثر من 4% من سعره. وتعمل شركة القلعة بشكل رئيسى فى 12 دولة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وتدير استثمارات تفوق 8.3 مليار دولار، من خلال 17 شركة قابضة تابعة لها، تعمل فى 14 صناعة، منها الطاقة والأسمنت والصناعات، بالإضافة للزراعة والمنتجات الغذائية. وقد شهد نشاط المجموعة توسعا فى مجال الصناعات الغذائية خلال 2009، حيث قامت شركة جذور التابعة للقلعة بالاستحواذ على شركة إنجوى المصرية لصناعات الألبان والعصائر، كما استحوذت شركة الرشيدى الميزان، التابعة لجذور، على مصنع حلويات فى السودان، فضلا عن افتتاح الرشيدى لخطوط إنتاج لمنتجات جديدة خلال العام الجارى.