نظمت "دار الشروق"، حفل إطلاق كتاب «يهود مصر في القرن العشرين»، للكاتب والمفكر الدكتور محمد أبو الغار، في لقاء أداره أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، محمد عفيفي، أمس السبت بمبنى "قنصلية"، بحضور نخبة كبيرة من الكُتاب والمثقفين ونجوم الصحافة والإعلام وأساتذة الطب والتاريخ ومحبي مؤلفات أبو الغار. في بداية اللقاء، وخلال كلمة قصيرة، أثنى المهندس إبراهيم المعلم، على مؤلف الكتاب الدكتور محمد أبو الغار، ومحاوره الدكتور محمد عفيفي، وهنئه بالفوز بجائزة الدولة التقديرية، مشيرا إلى أنه يستحقها عن جداره، فهو أستاذ التاريخ الذي يُشهد له بالكفاءة والخبرة ويتمتع بالمحبة والتقدير بين الناس. وأضاف "المعلم" أن "عفيفي" من أساتذة التاريخ القلائل الذي يملك أسلوبا أدبيا سهلا ومفهوما في تقديم الوقائع التاريخية التي يقدمها عبر مؤلفاته المختلفة، وأنه من الضروري أن تتمتع الكتابات التاريخية بالسلاسة لتصل إلى الجمهور، فمن يكتب بأسلوب صعب لن يقرأ ولن يفيد الواقع بشيء، خاصة أن أساتذة التاريخ والمتخصصين فيه لدينا أقل في العدد مما يجب، فضلًا عن تجنبهم الكتابة حول قضايا معينة لقلة الوثائق المتاحة، والتي تحتاجها الكتب التاريخية، ومنها على سبيل المثال قضية «الصراع العربي الإسرائيلي». "المعلم" قال إن عفيفي لجأ مؤخرا إلى حيلة ذكية، وهى الدخول إلى فن الرواية للكتابة عما يشغله من أسئلة حول وقائع التاريخ وشخصياته التي لم يكتب عنها أو كتبت عنها مؤلفات بسيطة، ومن هنا خرجت روايته الأولى «يعقوب»، وهو شخصية مفصلية في التاريخ، ليقدمه لنا في سرد قصصي ولغة بليغة ويطعم الرواية بكل ما يحتاجه الباحث والقارئ من معلومات بأسلوب شيق أدبي لا يغفل أن القارئ يقرأ رواية وليس كتاب تاريخ. وفي حديثه عن المفكر الدكتور محمد أبو الغار، قال المعلم: «دكتور أبو الغار شخصية بديعة وكبيرة وعظيمة له مكانته في الطب، وتم تكريمه من قِبل أكبر الجامعات، وله تقديره في قلوب طلاب العلم حول العالم، وهو في الوقت ذاته، صاحب المؤلفات الفكرية والمقالات الضخمة التي يقدمها بقدرة فاذة من ناحية التعمق والسرد والبحث المبذول فيها». وتابع: «الإبداع الفكري بأبو الغار يتجلى في كتابه (أمريكا وثورة 19) بكل المستندات التي عرضها فيه، ونشرت للمرة الأولى، ثم كتابه التاريخي العلمي الآخر وهو (الوباء الذي قتل 180 ألف مصري)، حيث قدمه بوثائق وإحصائيات وأرشيف صحف تُنشر للمرة الأولى أيضًا، ثم كتابه الأحدث (يهود القرن العشرين)، الذي قدم من خلاله مادة فكرية وشهادات حية ووثائق لم تنشر من قبل في المكتبات العربية والغربية، كل ذلك بنظرة موضوعية تعرض جزءا من التاريخ المصري والإنساني، ولتقديمها أحتاج إلى قراءة وتلخيص 50 كتابا باللغة الإنجليزية، وترجمة العديد من الكتب الفرنسية، وإجراء مقابلاته الشخصية لمن تبقى من يهود مصر في بلاد العالم، وقدم كتابه الموسوعي بأسلوب بديع جذاب يشجع على القراءة». ومن جانبه، قدم أبو الغار الشكر إلى المهندس إبراهيم المعلم، وأميرة أبو المجد مديرة النشر والعضو المنتدب لدار الشروق، وأحمد بدير مدير عام دار الشروق، والعاملين بدار الشروق على جهودهم لإخراج الكتاب، كما قدم الشكر إلى الكاتب الراحل ألبير أرية الذي قرأ الكتاب وراجعه وأضاء له عدد من النقاط أثناء الإعداد للكتاب وخروجه بالصورة النهائية، كما قدم الشكر إلى هبة حافظ مدير الفعاليات بمنصة "اقرألي"، لإخراج الأمسية على النحو الجيد من التنظيم. شارك في حضور اللقاء الأديب محمد المنسي قنديل، الروائى الدكتور إيمان يحيى، المؤرخ محمد عفيفى، الكاتب والروائي ناصر عراق، الكاتب أسامة عرابي، هبة حافظ مدير الفعاليات بمنصة "اقرألي"، الخبير التربوي الدكتور كمال مغيث، الكاتبة الصحفية سهير شفيق زوجة الكاتب ألبير أريه، ماجدة هارون رئيس الطائفة اليهودية، الكاتب ماهر حسن، الكاتب هشام أصلان، الكاتب الصحفي جمال فهمي، الكاتبة إيمان رسلان، الكاتبة الصحفية نانسي حبيب، وغيرهم. في ذلك الكتاب، يعتمد أبو الغار على دراسات معمقة صادرة بلغات مختلفة، ولقاءات حية مع شخصيات يهودية مِصرية بارزة تقيم في جنيف وباريس وفلوريدا ومِصر، وعلى الوثائق والصحف اليهودية التي تُغطي فترات تاريخية متباينة، وعلى التاريخ الشفهي لليهود المِصريين المسجل والموثق في مراكز أبحاث متعددة، بالإضافة إلى محاضر جلسات الطائفة اليهودية منذ عام 1886 حتى عام 1961، ومؤلفات اليهود المصريين الذين هاجروا إلى فرنسا، وشغلوا مراكز مرموقة في الأوساط الثقافية الفرنسية، ونالوا جوائز قيمة. ويجيب الكتاب على عدة أسئلة منها: "لماذا نكتب عن اليهود المِصريين الآن بعد خروجهم من مِصر ب6 عقود؟ هل لارتباطهم الوثيق ببلدهم مصر نفسيًّا وتاريخيًّا ودينيًّا، أم لأن لذلك علاقة بالمواطنة بوصفها هُويَّة مشتركة ذات معنى متماثل لكل المجموعات الإثنية الوطنية؟ هل كان يهود مِصر مِصريين فعلًا؟ وإذا كانوا كذلك، فلماذا تركوا الوطن؟ وأيًّا كان مكان انتقالهم، ماذا قالوا عن مصر؟ وما شعورهم نحوها؟ وهل اختلف هذا الشعور، باختلاف الفترات الزمنية اللاحقة؟ وهل يُخامرهم الآن الإحساس بالعودة إلى مصر، والعيش فيها؟". لهذا أتى كتاب د. محمد أبو الغار علميًّا.. موضوعيًّا.. حريصًا على نقد الأفكار والمسلَّمات التي أحاطت باليهود المِصريين، وأعاقت تقديم تاريخ اجتماعي مُنصفٍ وحقيقيٍّ لمِصر ينهض على التنوُّع والتعدُّد، وقبول الآخر المختلف، مؤمنًا بأن (التاريخ ملك لنا جميعًا نعرفه ونتذكره؛ لنأخذ منه الدروس والعبر)، وأن ما يكتبه عن تاريخ يهود مصر"يُتيح مصدرًا جديدًا محايدًا لنا ولأولادنا". جدير بالذكر أن محمد أبو الغار من مواليد عام 1940 بشبين الكوم، وهو أستاذ طب النساء والتوليد بجامعة القاهرة، وأول من أدخل التخصيب في الأنبوب إلى مصر، وشارك في العمل السياسي والجامعي والثقافي، ويعتبر من أهم مقتنيي الفن التشكيلي المصري، صدر له العديد من المؤلفات منها: «على هامش الرحلة» عن دار الشروق، «رحلتنا مع الفن.. مقتنيات عائلة أبو الغار» عن دار الكرمة، «يهود مصر من الازدهار إلى الشتات»، وهي دراسة استغرقت سنتان، صادرة عن دار الهلال لعام 2006.