تشهد الجزائر معركة انتخابية غدا السبت لتشكيل برلمان جديد، وهو التحدّي الذي تواجهه السلطة في البلاد بغض النّظر عن النتائج أو نسب المشاركة التي يسعى المرشحون لزيادتها في السباق الانتخابي الذي دخل فيه الحراك الشعبي طرفا. وتأتي الانتخابات النّيابية في ظروف استثنائية، تتجاذب فيها الأطراف الرؤى للاستحواذ على المشهد الذي يصفه المراقبون ب "الضبابي" في ظل تمسك السلطة بالذهاب للصناديق رغم تعبير الحراك الشعبي عن رفضه لخطتها. ومع دخول الحملة الدّعائية للانتخابات لمرحلة الصمت الانتخابي ثلاثة أيام قبل موعد الاقتراع، طغى التّساؤل حول نسب المشاركة في هذا الرهان. وتركّز السلطة على مشروعها في "تجديد المؤسسات"، وليس على نسب المشاركة ، حسبما يبدو من تّصريحات سابقة لرئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، حينما قاطع أكثر من 70% من الناخبين الاستفتاء على الدستور الذي جرى في تشرين ثان/ نوفمبر الماضي . وقال شرفي آنذاك: "نسبة المشاركة في الاستفتاء على تعديل الدستور، المقدرة على المستوى الوطني ب 72ر23 % ، لا تؤثر على نتائج هذا الاستحقاق التي تعد لا غبار عليها". ويتمسّك الحراك الشّعبي بخيار المقاطعة والتّظاهر، رغم التوقيف "التّعسفي" للمسيرات السلمية،على حد تعبير أنصاره ، في حيث يصفه الرّئيس الجزائري عبد المجيد تبون ب "حراك الأقلية" مؤكدا أنّه "يرفض إملاءات هذه الأقلية". وفي الوقت الذي تتسابق فيه الأحزاب والقوائم الانتخابية المستقلة لإقناع الناخب بالتوجه للصناديق من جهة وبعرض برامجها في الدرجة الثانية، أعلنت بعض الشخصيات تخوفها من التزوير. وهدد رئيس حركة مجتمع السلم "أكبر حزب إسلامي في البلاد"، عبد الرزاق مقري، بالعودة إلى الحراك الشعبي، في حال وجود أي تلاعب أو تزوير في الانتخابات المقبلة ونتائجها ، وكان الحزب يشكّل القوة المعارضة الأولى في البرلمان السابق. وتدخل حركة مجتمع السلم السباق الانتخابي رفقة عدد من أحزاب التيار الإسلامي في البلاد، على غرار حركة البناء الوطني وجبهة العدالة والتنمية وحركة الإصلاح الوطني. وتسعى أحزاب التيار الوطني التي كانت تحسب على النظام السابق إلى "تبييض صورتها" ومحاولة إقناع الناخبين بعدم وجود صلة لها أو دعم سابق للرئيس المخلوع، عبد العزيز بوتفليقة أو أتباعه، على غرار حزب جبهة التحرير الوطني. وأعلن أبرز أحزاب التيار الديمقراطي ، الذي يضم اليساريين بشكل عام، مقاطعته للموعد الانتخابي، وبررت رئيسة حزب العمال، لويزة حنون، القرار ب "أنّ الدائرة مغلقة من قبل السّلطة والنتائج محسومة مسبقا". وأكد حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية مقاطعته أيضا ، مشيرا إلى أن "السلطة القائمة تدفع لمهزلة انتخابية جديدة بعد أن تلقت صفعتين بسبب المقاطعة الواسعة في الانتخابات الرئاسية واستفتاء الدستور". وبحسب السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، تم قبول ما يقارب ال1500 قائمة نصفها لمرشحين أحرار، للتنافس على 407 مقاعد في المجلس الشعبي الوطني "البرلمان". وفي حين تم رفض نحو 1200 قائمة بسبب "ارتباط" عدد من المرشحين ب"المال الفاسد"، علما أنه من الشروط الواجب توافرها في المرشح ، حسب قانون الانتخابات الصادر في آذار/مارس الماضي الذي نص على ضرورة "ألا يكون المترشح معروفا لدى العامة بصلته مع أوساط المال والأعمال المشبوهة". وينص القانون أيضا على إلزامية المناصفة بين النساء والرجال في القوائم الانتخابية مع ضرورة أن يكون سن نصف عدد المرشحين أقل من 40 عاما. ويبلغ العدد الإجمالي للناخبين 24 مليونا و392 الفا و 438 ناخبا، بحسب رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات الذي كشف أن عدد المسجلين الجدد بلغ 179 ألفا و792 ، و المشطوبين بلغ 101 ألف و744 شخصا. ويرى الباحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر، نور الدين بكيس: أن الانتخابات المقبلة: "ستفضي لبرلمان أقرب للتشتيت، لأنّنا لا نعرف مزاج الشارع الجزائري سياسيا ". وقال بكيس لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب.أ) إن سبب التّشتّت يكمن في أن "كل الانتخابات السابقة كانت تزور باعتراف السلطة نفسها، هذا من جهة ، ومن الجهة الثانية هشاشة المنظومة الحزبية التي تأثرت طيلة السنوات الماضية بالتمييع السياسي ما سيفتح الباب واسعا أمام اختيار الشخص بدلا من اختيار برنامج لأن البلد تعاني من أزمة ثقة". وأضاف بكيس: "نحن أمام سيناريوهين، هما /إنتاج برلمان أشخاص عوضا عن برامج ، أو برلمان بتوزيع القوى الحزبية بسبب تشتت الأصوات، مما سيعطي أهمية للقواعد الحزبية حتى وإن كانت بأعداد ليست معتبرة، وبالتالي نحن أمام مشهد تأزم سياسي وليس انفراجة، خاصة إذا أضفنا له أن النظام في الجزائر رئاسي أي أن البرلمان لا يتمتع بصلاحيات تقف حاجزا أمام الصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية". بدوره ، توقّع المحلل السياسي، الدكتور لزهر ماروك، أن تكون الانتخابات التشريعية المقبلة "مميزة مقارنة بالانتخابات السابقة بسبب أن الخطاب الرسمي ألح على أنها ستكون نزيهة بالنّظر لسقف مطالب الشعب". واعتبر ماروك في تصريح ل "د. ب. أ" أن "الانتخابات جاءت استجابة لأهداف الحراك الذي طالب بأن تمثّل المؤسسات الشعب وذلك لوقف الفساد السياسي والمالي في البلاد" ، مشيرا إلى أن ورقة طريق الحراك تتمثل في بناء نظام سياسي شرعي ومؤسسات شرعية تكون الكلمة فيها للشعب ". وأضاف: "إننا أمام سيناريوهين، أوّلهما :اكتساح الإسلاميين للبرلمان، وبالتالي تشكيل برلمان تيار إسلامي برئيس حكومة وله برنامج" ، متسائلا "عما إذا كان سينسجم ذلك ورؤية الرئيس؟". وأشار ماروك إلى أن السيناريو الآخر،وهو المرجح ، أن "تكون هناك فسيفساء وهكذا سيكون هناك عمل مكثف لتحالفات حزبية من أجل كسب الأغلبية والوصول لرئاسة الحكومة"، متوقعا أن "تكتسح القوائم الحرة الصناديق وتصنع المفاجأة".