السؤال الأهم الذى تطرحه الانتخابات البرلمانية الحزائرية فى مايو القادم هو: إلى أى مدى سينجح التيار الإسلامى فى حسم هذه الانتخابات.. يسود إجماع بين المراقبين للشأن الجزائرى على أن الجزائر تتجه نحو التغيير مع بداية ثورات الربيع العربى فى تونس ومصر وليبيا. ويتوقع المراقبون أن تشهد هذه الانتخابات الصعود الثانى للتيار الإسلامى فى الجزائر، بعد الصعود الأول الذى شهده عام 1991 عندما حصدت «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» فى الجولة الأولى للانتخابات 188 مقعدا ليتدخل الجيش ويلغى نتيجة هذه الانتخابات، وأجبر الرئيس الشاذلى بن جديد على ترك السلطة، قبل موعد الجولة الثانية للانتخابات، وهو ما أدى إلى تشكيل بعض التيارات الإسلامية لجماعة مسلحة دخلت فى صراع عنيف مع السلطة لمدة عشر سنوات وأدى العنف إلى سقوط أكثر من مائتى ألف قتيل فى الجزائر. تعد الانتخابات التشريعية المقبلة اختبارا حقيقيا للرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة وجبهة التحرير الوطنى صاحبة الأغلبية البرلمانية، فالإصلاحات السياسية التى قام بها الرئيس منذ أبريل الماضى توصف بأنها محدودة ولا ترضى تطلعات الشعب الجزائرى. فالانتخابات ستفرز مجلسا نيابيا جديدا يكون بمثابة جمعية تأسيسية لإنجاز دستور جديد قبل نهاية العام الحالى، أو على الأقل سيدخل تعديلات دستورية من المرجح أن تقلص صلاحيات رئيس الجمهورية. ويقف الرئيس بوتفليقة بقوة لدعم الانتخابات لتسهم فى الاستقرار السياسى للجزائر، حيث دعا بوتفليقة إلى التصويت بقوة فى هذه الانتخابات، مشبها يوم العاشر من مايو بإطلاق «ثورة نوفمبر» 1954 وهى الثورة التى مهدت لاستقلال الجزائر عام 1962. وقد أعلنت ثلاثة أحزاب إسلامية جزائرية تحالفها فى الانتخابات المقبلة هى «حركة مجتمع السلم» و«حركة النهضة» و«حركة الإصلاح الوطنى» وأنها ستخوض الانتخابات بقائمة موحدة. وقد أعلن كامل ميدا المتحدث باسم حركة مجتمع السلم أن مجالس الشورى فى الأحزاب الثلاثة وافقت على المشاركة بقائمة موحدة، وأضاف أن هذا الائتلاف مفتوح لبقية الأحزاب الجزائرية سواء كانت إسلامية أو لا.. وتلتزم الأحزاب المؤتلفة بالتداول السلمى للسلطة واحترام خيار الشعب مهما كان الطرف الفائز والعمل مع جميع الجزائريين فى حال الفوز واحترام دستور البلاد. وقد أطلقت الأحزاب الإسلامية اسم «الجزائر الخضراء» بدلا من التكتل الإسلامى تفاديا لرفض وزارة الداخلية قوائمها الانتخابية بحجة أن قانون الأحزاب والدستور يمنع استخدام الدين لأغراض انتخابية. وأعلن الرئيس بوتفليقة أن الانتخابات المقبلة ستكون منفتحة على المراقبين لضمان شفافيتها، لأن المعارضة تندد بعمليات تزوير تستفيد منها أحزاب الائتلاف الحاكم، وسيأتى المراقبون من الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبى والاتحاد الأفريقى ومنظمة التعاون الإسلامى وجامعة الدول العربية. وفى نفس الإطار انتخب أعضاء اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات محمد صديق ممثل حزب «عهد 54» رئيسا لها، وهى المرة الأولى التى ينتخب فيها رئيس اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات، بعد أن كان رئيس الجمهورية يعين رئيس اللجنة. وبدأت الأحزاب العلمانية فى الهجوم المبكر على التكتل الإسلامى، واستغرب المتحدث الرسمى باسم «جبهة التحرير الوطنى» عيسى قاسا تكتل هذه الأحزاب فى قوائم موحدة لأنه سيصعب تصنيف النواب وفق انتماءاتهم الحزبية، ورفض قاسا أن يطلق على هذه الأحزاب تسمية «الإسلامية» لأن الإسلام دين الجميع، واعتبر أن هذه الأحزاب تحالفت من أجل تقاسم المناصب فى البرلمان. من جهته حاول الناطق الرسمى باسم حزب «التجمع الوطنى الديمقراطى» الحاكم ميلود شرفى تخفيف مخاوف العلمانيين من تشكيل التكتل الإسلامى وأكد أن لكل حزب قاعدته الانتخابية. وكانت وزارة الداخلية الجزائرية قد وافقت مؤخرا على ثمانية أحزاب جديدة انضمت للمشهد السياسى، أبرزها «جبهة العدالة والتنمية»، ويتزعمها عبد الله جاب الله، ويتوقع أن تحصد أصوات الكثير من الإسلاميين. على جانب آخر فثمة من يشكك فى عملية الانتخابات التشريعية وهؤلاء لا يرون جدوى من عملية التغيير التى تحدث حاليا، ويعتقدون أنها مجرد تغيير فى الواجهة السياسية، وعملية محددة سلفا، ومجرد تبادل فى موازين القوى بين أطراف تنازع السلطة. وفى ظل المقاطعة الكبيرة المتوقعة وتراجع شعبية النظام الحاكم وتشتت قوى المعارضة العلمانية واليسارية فمن المرحج أن تتغير موازين القوى لمصلحة التيار الإسلامى فى الانتخابات المقبلة. وقد أغلقت الداخلية الجزائرية باب الترشح للانتخابات البرلمانية لتضع حدا لأسابيع من الصراعات داخل الأحزاب السياسية المشاركة فى الانتخابات. حزب الأغلبية «جبهة التحرير الوطنى» قدمت قوائمها بعد شد وجذب بين أجنحة قوية تشكل قيادة الحزب. وتأكد عدم ترشح رئيس المجلس الشعبى الوطنى- البرلمان- عبدالعزيز زيارى، كما شهدت قواعد حزب «التجمع الوطنى الديمقراطى» بقيادة الوزير الأول أحمد أو يحيى انشقاقات واسعة فى الولايات، بسبب منح أو يحيى لأمناء الولايات صلاحيات واسعة فى اختيار المرشحين. وكشف «تكتل الجزائر الخضراء» الذى يضم ثلاثة أحزاب إسلامية هى «حركة مجتمع السلم» و«حركة النهضة» و«حركة الإصلاح» عن متصدرى قوائمه. وقد بلغت أعداد المرشحين نحو 26 ألف مرشح، ويشارك 44 حزبا سياسيا منها 21 حزبا تم اعتماد تأسيسها فى يناير الماضى. وكشف محمد طالبى المدير العام للحريات العامة فى وزارة الداخلية أن عدد القوائم وصل إلى 2053 قائمة منها 1793 قائمة حزبية وقدم المستقلون 211 قائمة، ضمت القوائم 25800 مرشح، منهم 7646 مرشحة. وأكد طالب أن أغلبية القوائم احترمت النسبة المخصصة للمرأة التى ستحصل على نسبة لا تقل عن 119 مقعدا من مجموع 462 مقعدا فى مجلس النواب القادم.