بعد مرور ستين عاما على ظهورها زادت الأعباء وتراجعت الموارد لتجد وكالة غوث وتشغيل اللاجئيين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة «أونروا» نفسها مضطرة إلى تكرار النداءات للمجتمع الدولى من أجل مد يد المساعدة إليها حتى تستطيع الوفاء بالتزاماتها تجاه ملايين الفلسطينيين. سنية محمود ترصد ملامح الأزمة المالية التى تعانى منها الأونروا وتداعياتها إلى الفلسطينيين الذين لا يجدون «الغوث» إلا منها. خلال السنوات الخمس الماضية استنفدت الأونروا مواردها المالية فى ظل العجز المالى المتصاعد لديها. فرغم التبرعات المقدمة من الدول المانحة إلا أن الاحتياجات المتزايدة للاجئين جعلت الاحتياطى النقدى لدى الأونروا يهوى إلى درجة «الصفر». يعود ظهور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إلى عام 1949 عندما تأسست بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302. ومارست خلال ما يقرب من ستين عاما أعمالها الإنسانية بهدف مساعدة اللاجئين الفلسطينيين، وتزويدهم بما يلزمهم من خدمات صحية، وتعليمية، واجتماعية، ومالية، وسط دعم دولى لاسيما من الولاياتالمتحدةالأمريكية التى تتحمل الجزء الأكبر من الدعم المالى لهذه المؤسسة غير مسيسة النشاط. وتعانى الأونروا نقصا فى مواردها من الدول المانحة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية وهو ما أقلق الكثير من الدول العربية وبدأت تساورها شكوك تجاه تصفية قضية اللاجئيين التى تقدم مساعدات لحوالى خمسة ملايين لاجىء فلسطينى فى الأردن وسورية ولبنان وغزة والضفة الغربية. وهو ما أكده سفير فلسطين فى القاهرة بركات الفرا بأن هناك مخططا تآمريا لتصفية وكالة «الأونروا» وعدم تمكينها من القيام بمهامها الإنسانية تجاه اللاجئين الفلسطينيين وأن هذا المخطط يندرج ضمن مساعى تصفية قضية اللاجئين. وشدد الفرا على ضرورة التمسك بالتفويض الممنوح ل«الأونروا» وعدم نقل مسئوليتها وأن تبقى مرجعياتها للأمم المتحدة وأن تتحمل مسئولياتها فى تقديم الخدمات للاجئين فى المخيمات حتى يتم حل المشكلة بشكل عادل استنادا للقرار 194 ومبادرة السلام العربية. وجددت الجمعية العامة للأمم المتحدة مد تفويض عمل الأونروا داخل الأراضى الفلسطينية حتى الثلاثين من يوليو 2011 وتبلغ ميزانية الأونروا خلال العامين القادمين ما يعادل 1.23 مليار دولار من خلال التبرعات الطوعية التى تقدمها الدول الأعضاء فى الأممالمتحدة وفى العام الجارى بلغت قيمة مناشدات الطوارئ من أجل الضفة الغربيةوغزة ما مقداره 456.7 مليون دولار، وتم إصدار مناشدة أخرى من أجل إعادة إعمار مخيم نهر البارد فى لبنان بقيمة 370.7 مليون دولار. وأبلغت أبوزيد الدول العربية أنها تتوقع عجزا بقيمة 54 مليون دولار وذلك مع الإبقاء على الحد الأدنى من الخدمات مستثنيا الأموال المطلوبة لإدخال تحسينات ضرورية وصيانة للمدارس ومراكز الرعاية الصحية وأنها تسعى جاهدة لتأمين مبلغ 323 مليون دولار سيتم توظيفها لإسناد وتعزيز عدد من برامج الخدمات الطارئة والتى تشمل برنامج خلق فرص العمل المؤقتة والتعليم والخدمات الصحية الطارئة وخدمات الصحة النفسية المجتمعية بالإضافة إلى برنامج الحماية. وحثت أبوزيد الدول العربية وخاصة الخليجية فى اجتماع عقد فى الجامعة قبل أيام على الوفاء بالتزاماتها تجاه الأونروا وزيادة دعمها المادى للوكالة لسد العجز فى ميزانيتها تنفيذا لقرارات الجامعة العربية بهذا الشأن. وأكدت دراسة أعدها مدير الوكالة جون جينج أن سياسات وكالة لأونروا تتعارض مع مصالح مموليها بعد توجيه الانتقادات فاتهمتها إسرائيل بمساعدة ودعم الفلسطينيين المعادين لإسرائيل ودعم الإرهاب فى حين يُنظر إليها من بعض دول الشرق الأوسط على أنها دمية فى يد الولاياتالمتحدة وإسرائيل. وأوضح أن «الأونروا» تحولت من تنفيذ أهداف إنسانية إلى تحقيق أهداف سياسية للعالم العربى، من خلال إبقائها على حالة الفوضى التى يعيشها اللاجئون الفلسطينيون فى الضفة الغربية، قطاع غزة، ولبنان، وذلك فى محاولة لإعادتهم إلى أراضيهم الفلسطينية، وعدم دمجهم فى مجتمعات أخرى عربية تفقدهم حق العودة، ولا تتفق مع رغبة الدول العربية التى عادة لا تتجه إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين لديهم. وشددت الأونروا على أن العام المقبل سيكون أسوأ حالا ولن يكون لدى المنظمة أية احتياطات مالية فى الوقت الذى يزداد فيه عدد اللاجئين بنسبة 3.5 فى المائة سنويا وترتفع معه أيضا معدل النفقات وتحاول مفوضية الاجئين رفع رواتب العاملين فى الوكالة البالغ عددهم 30 ألف عامل. وبالرغم من قيام الأونروا بتجميد رواتب عامليها لمدة عام وخفض مستوى الخدمات إلى أدنى حد ممكن فإنها لم تتمكن إلا من تأمين أقل مستوى مقبول من التبرعات لتغطية الخدمات الأساسية لعام 2009. وقال زكريا الأغا رئيس دائرة شئون الاجئين فى منظمة التحرير الفلسطينية ل«الشروق» إن وصول ميزانية الأونروا إلى الصفر ينذر بكارثة إنسانية داخل المخيمات الفلسطينية لنقص الخدمات التى تقدمها الأونروا فى ظل استمرار الأزمة المالية الخانقة التى تعانى منها الأونروا نتيجة نقص المساعدات المالية المقدمة لها من الدول المانحة وتراجع العديد من الدول الممولة للأونروا من الوفاء بالتزاماتها المالية لتغطية العجز المالى التى تعانى منه الأونروا بسبب الأزمة المالية العالمية. وحمل الأغا المجتمع الدولى مسئولية الأزمة المالية التى تعانى منها الأونروا وقال إننا نرفض أى تقليص لخدمات الأونروا ونحثها على تلبية احتياجات اللاجئيين حتى يتم حل مشكلة اللاجئيين حلا عادلا وشاملا تنفيذا لقرار الأممالمتحدة رقم 194 وحث الأغا الدول المانحة والممولة بالوفاء بتعهداتها تجاه الأونروا لتستطيع القيام بمهامها تجاه اللاجئين الفلسطينيين فى المخيمات. وأكد مدير عمليات الأونروا فى قطاع غزة أن عام 2009 يعد الأسوأ بالنسبة للاقتصاد الفلسطينى حيث تم تدمير القطاع الخاص بالكامل فى قطاع غزة وبلغت نسبة البطالة فى القطاع 42 بالمائة فيما بلغت نسبتها 23 بالمائة فى الضفة الغربية وأن 61 من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائى كما يعانى 25 بالمائة من سكان الضفة الغربية من نفس المشكلة. وقال جون جينج إن 300 ألف مواطن فى غزة يعدون من أفقر الفقراء ويقابلهم فى الضفة 72 ألف مواطنا ويعتمدون جميعهم على المعونات الغذائية التى تقدمها الأونروا. ووصف جينج الحصار المفروض على غزة غير شرعى تحت سمع وبصر القانون الدولى وطالب بحل حاسم وقانونى لهذه المسألة بدلا من الحلول السياسية الملتوية ورأى بأن المحاولات الحالية لتسوية الخلافات السياسية تؤجل بالفعل أى خطوة نحو التقدم الحقيقى وذلك لأنها تشتت الانتباه عن جوهر المشكلة الحقيقى. وتعهد الشيخ خليفة بن زايد رئيس دولة الإمارات بمبلغ 2.5 مليون دولار إضافى لميزانية الأونروا العادية مما يرفع إجمالى تبرعات دولة الإمارات العربية المتحدة للميزانية العادية لهذا العام إلى 3.5 مليون دولار إضافة إلى تبرع المملكة العربية السعودية بمليون دولار كمساهمة فى تقليص عجز موازنة الأونروا.