قارئ الصحف المصرية ربما لاحظ أنها أبرزت على صفحاتها الأولى يوم الثلاثاء الماضى (15/12) خبر الأمر القضائى الذى صدر فى إنجلترا بالقبض على وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبى ليفنى بتهمة ارتكابها جرائم حرب، باعتبار أنها من المسئولين عن العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة. وكانت وكالات الأنباء قد ذكرت أن محكمة ابتدائىة بريطانية أصدرت هذا الأمر، بعدما تقدم محامون بريطانيون بالتعاون مع جهات حقوقية فلسطينية بطلب اعتقال السيدة ليفنى ومحاكمتها كمجرمة حرب، مستندين فى ذلك إلى ما أثبته تقرير «جولدستون» من جرائم ارتكبتها القوات الإسرائىلية أثناء عدوانها على غزة. كانت زعيمة حزب «كاديما» قد وصلت إلى لندن لإلقاء كلمة فى مؤتمر لإحدى المنظمات اليهودية، لكنها اختفت بعد ذلك. وقالت الوكالة إن قوة من الشرطة البريطانية تبحث عنها بجدية، وأن عددا من رجال الشرطة توجهوا إلى مكان انعقاد المؤتمر لاعتقالها. كما تمركز عدد منهم عند مدخل مبنى السفارة الإسرائىلية بلندن وفى المطارات خشية تهريبها إلى الخارج. وبدا من الإجراءات المتخذة أن الحكومة البريطانية أصبحت فى موقف محرج سواء ألقت القبض عليها تنفيذا لأمر المحكمة، الأمر الذى سوف يسبب لها حرجا دبلوماسيا، أو إذا ما تسترت على عملية تهريبها إلى الخارج، لأنها فى هذه الحالة الأخيرة ستكون شريكة فى التغطية على ارتكاب قوات الاحتلال الإسرائيلى جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولى. أغلب الظن أن الحكومة البريطانية ستحل الإشكال بصورة أو أخرى، لكن ما يهمنا فى القصة هو نجاح المحامين الإنجليز فى استصدار أمر من المحكمة بإلقاء القبض على السيدة ليفنى. وهو ما لا يستطيع المحامون العرب أن يقوموا به فى بلادهم «المتصالحة» مع إسرائيل أو تلك التى تقيم علاقات «عرفية» معها. وللعلم فإن السيدة ليفنى قبل أن تذهب إلى لندن كانت فى زيارة للمغرب، وباستثناء الاحتجاجات التى نظمها فى الرباط بعض المؤيدين للحق الفلسطينى، فإنها قضت هناك ثلاثة أيام معززة مكرمة، كأى زائر برىء لم تتلطخ يده بالدم الفلسطينى. وما حدث فى المغرب متوقع فى أى دولة عربية أخرى من تلك التى حصلت على نيشان «الاعتدال»، لأنها تغض الطرف عادة عن مثل هذه الأمور. وقد كان شمعون بيريز فى القاهرة قبل أسبوعين، واستقبله الرئيس حسنى مبارك، ولم يتحدث أحد عن مسئوليته عن جرائم الحرب التى وقعت فى غزة، وهو رئىس للدولة التى ارتكبت جرائم الحرب، بل إنه دافع عن ارتكاب تلك الجرائم علنا فى جلسة مؤتمر دافوس التى انسحب منها رئيس الوزراء التركى الطيب أردوغان. هذا المشهد يستدعى السؤال التالى: لماذا يتحرك مجرمو الحرب الإسرائيليون بحريتهم فى بعض العواصم العربية، فى حين تقلقهم بعض العواصمالغربية إلى الحد الذى يدفعهم إلى تجنبها أو الاختباء فيها؟.. ردى على ذلك من شقين، الأول: إن السياسة عندنا فوق القانون، فى حين إنها عندهم تحت القانون. والثانى: إن المجتمع الأهلى عندنا أضعف من أن يتحدى الهوى السياسى، والرأى العام ليس موضوعا فى الحسبان. فى حين أن المجتمع المدنى عندهم ند للسلطة التى لا تستطيع أن تتجاهل الرأى العام أو تتحداه. السؤال موجع وباعث على الحزن على الأسى فى مصر بوجه أخص. ذلك أن جنرالات إسرائيل الذين قتلوا العشرات من الأسرى المصريين فى سنة 67، وأصبحوا بعد ذلك قادة سياسيين ووزراء فى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. هؤلاء أصبحوا زوارا دائمين للقاهرة بعد كامب ديفيد وأصدقاء لقادتها السياسيين، وهو ما بات يتفاخر به بنيامين بن اليعازر، أحد أشهر أولئك القتلة. الذى أصبح وزيرا فى حكومات إسرائيل المتعاقبة، ومنها الحكومة الحالية. وكان القانون عندنا لا يحترم، والمجتمع المدنى أعجز من أن يقوم بما عليه. والرأى العام لا قيمة له، فذلك يقنعنا بأن إقامة الديمقراطية فى بلادنا، أصبحت ضمن شروط حل معضلة الصراع العربى الإسرائيلى.