عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 24-7-2025 بعد آخر ارتفاع بالصاغة    أسعار الخضار والفاكهة اليوم الخميس 24 يوليو 2025 في أسواق الشرقية    هبوط حاد ل الدولار الأمريكي اليوم الخميس 24-7-2025 عالميًا.. وارتفاع بقية العملات الأجنبية    طقس شديد الحرارة بشمال سيناء    اللينك الرسمي للاستعلام عن نتيجة الثانوية الأزهرية 2025 عبر بوابة الأزهر الشريف (فور ظهورها)    إعلام أمريكي: ترامب تلقى إخطارا من وزيرة العدل بوجود اسمه في ملفات إبستين    حماس تسلم ردها على مقترح وقف إطلاق النار إلى الوسطاء المصريين والقطريين    الاتحاد الأوروبي والصين يحييان الذكرى الخمسين لعلاقاتهما وسط توتر متصاعد    إصابة 5 أطفال بتسمم إثر تناولهم مبيدًا حشريًا عن طريق الخطأ في المنيا    تنسيق القبول في الصف الأول الثانوي والفني 2025 للناجحين في الشهادة الإعدادية.. رابط التقديم والحد الأدنى بالمحافظات    أرخص الجامعات الأهلية في مصر 2026.. المصروفات الكاملة وطرق التقديم (القائمة المعتمدة)    قصف إسرائيل ومطار «بن جوريون» خارج الخدمة مؤقتًا    صفقة الزمالك الجديدة مهددة بالفشل.. كريم حسن شحاتة يكشف    ليس حمدي فتحي.. أزمة في صفقة بيراميدز الجديدة (تفاصيل)    إصابة 4 عمال إثر سقوط مظلة بموقف نجع حمادي في قنا.. وتوجيه عاجل من المحافظ- صور    ارتفاع أسعار النفط بدعم تفاؤل حول التجارة الأمريكية    تنسيق المرحلة الأولى 2025.. قائمة بالكليات المتاحة علمي وأدبي ومؤشرات الحد الأدنى للقبول    لطلاب البكالوريا 2025.. تعرف علي كليات مسار الآداب والفنون    إصابة شخصين إثر انقلاب سيارة بطريق "الإسماعيلية- العاشر من رمضان"    أحد الزملاء يخفي معلومات مهمة عنك.. حظ برج الدلو اليوم 24 يوليو    أول تعليق من أحمد فهمي بعد إعلان انفصاله عن زوجته (صور)    مدنية الأحكام وتفاعلها مجتمعيًّا وسياسيًّا    روسيا: تعليق عمل مطار سوتشي 4 ساعات بسبب هجمات أوكرانية    موت بإرادة الأب.. النيابة تأمر بدفن جثة ضحية شبرا الخيمة    في ذكرى يوليو.. قيادات حزبية وبرلمانية: خطاب الرئيس يؤكد صلابة الدولة    القناة 12 الإسرائيلية: تل أبيب تلقت رد حماس على مقترح وقف إطلاق النار وتدرسه حاليًا    نهاية سعيدة لمسلسل "فات الميعاد".. تفاصيل الحلقة الأخيرة    علي أبو جريشة: عصر ابن النادي انتهى    الصحة العالمية: جوع جماعي في غزة بسبب حصار إسرائيل المفروض على القطاع    نجاح فريق طبي بمستشفى الفيوم في إنقاذ مريض مصاب بتهتك وانفجار في المثانة بسبب طلق ناري    رجال غيّروا وجه مصر.. ما تيسر من سيرة ثوار يوليو    إخماد حريق في محطة وقود بالساحلي غرب الإسكندرية| صور    وزير الزراعة: الرئيس السيسي مُهتم بصغار المزارعين    رئيس محكمة النقض يستقبل وزير العدل الأسبق لتقديم التهنئة    علاء نبيل: احتراف اللاعبين في أوروبا استثمار حقيقي    مخرج «اليد السوداء»: نقدم حكاية عن المقاومة المصرية ضد الاحتلال    أحمد نبيل فنان البانتومايم: اعتزلت عندما شعرت بأن لا مكان حقيقى لفنى    بأغنية «يا رب فرحني».. حكيم يفتتح صيف 2025    أحمد سعد يطلق «حبيبي ياه ياه» بمشاركة عفروتو ومروان موسى    رياضة ½ الليل| إقالة سريعة.. سقوط المصري.. السعيد فرحان بالزمالك.. وفحص الخطيب بباريس    الاكتتاب في سندات الخزانة العشرينية الأمريكية فوق المتوسط    حسام موافي لطلاب الثانوية: الطب ليست كلية القمة فقط    بمستشفى سوهاج العام.. جراحة دقيقة لطفلة مصابة بكسر انفجاري بالعمود الفقري    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف أحمد الشناوي.. طريقة عمل سلطة التونة بالذرة    «الناصري» ينظم ندوة بالمنيا احتفالًا بذكرى 23 يوليو    «محدش قالي شكرا حتى».. الصباحي يهاجم لجنة الحكام بعد اعتزاله    أليو ديانج يحكي ذكرياته عن نهائي القرن بين الأهلي والزمالك    إيران تحذر مدمرة أميركية في خليج عمان.. والبنتاغون يرد    فودافون مصر تعتذر عن عطل الشبكة وتمنح تعويضات مجانية لعملائها    هرب من حرارة الجو فابتلعه البحر.. غرق شاب ببسيون في الغربية والإنقاذ النهري ينتشل جثمانه    لا ترمِ قشر البطيخ.. قد يحميك من مرضين خطيرين وملئ بالفيتامينات والمعادن    هل انتهت الأزمة؟ خطوة جديدة من وسام أبو علي بعد أيام من غلق حسابه على إنستجرام    الأوراق المطلوبة للاشتراك في صندوق التكافل بنقابة الصحفيين    5 معلومات عن المايسترو الراحل سامي نصير    هل يجوز أخذ مكافأة على مال عثر عليه في الشارع؟.. أمين الفتوى يجيب    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فن إرضاء الرئيس
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 12 - 2009

لم أكن لأصدق هذه الواقعة لولا أن شاهدتها بنفسى على شريط تسجيل لقناة المحور:
أثناء مؤتمر الحزب الوطنى الأخير.. وصلت السيدة سوزان مبارك الى القاعة، يحيط بها أفراد الحراسة، وهرع الوزراء والمسئولون لتحيتها ثم اقتربت منها عائشة عبدالهادى وزيرة القوى العاملة وأخذت تلاحقها، كانت الوزيرة عائشة تتحدث فى موضوع بدا أنه لا يحظى باهتمام السيدة سوزان لكنها ظلت تنصت للوزيرة وعلى وجهها ابتسامة مهذبة.
ثم فجأة، أمام الحاضرين وعدسات المصورين وكاميرات التليفزيون، انحنت الوزيرة عائشة عبدالهادى على يد السيدة سوزان مبارك وأخذت تقبلها. بدا المشهد غريبا للغاية..
إن تقبيل الرجل ليد المرأة عادة فرنسية غير منتشرة فى مصر.. المصريون قد يقبلون يد الأم أو الأب تعبيرا عن الاحترام العميق وفيما عدا ذلك، فإن تقبيل الأيدى يعتبر فى بلادنا أمرا منافيا للكرامة وعزة النفس..
فى عام 1950 كان حزب الوفد قد أنهكه وجوده خارج السلطة لعدة أعوام، وعندما تولى الوفد تشكيل الحكومة الجديدة التقى زعيم الوفد مصطفى النحاس بالملك فاروق وانحنى ليقبل يده وكان ذلك تصرفا مشينا ظل يلاحق مصطفى النحاس حتى وفاته. ما الذى يدفع وزيرة فى الدولة إلى الانحناء وتقبيل الأيدى؟.
الحق أن عائشة عبدالهادى لم تحلم يوما بتولى الوزارة لسبب بسيط أنها لم تكمل تعليمها الأساسى، أى أنها فشلت فى الحصول على الشهادة الإعدادية ونجحت فى أن تكون وزيرة.. فى بلد يضم عشرات الآلاف من حملة الدكتوراه..
إن الوزيرة عائشة تدرك أن توليها للوزارة لا يعود الى كفاءتها أو قدرتها على العمل وإنما يرجع فقط الى رضا الرئيس وأسرته عنها، ومن أجل الاحتفاظ بالرضا الرئاسى فإنها على أتم استعداد لأن تفعل أى شىء بما فى ذلك تقبيل أيدى الرئيس وقرينته وولديه.. السؤال: هل يمكن أن نتوقع من الوزيرة عائشة أن تدافع عن كرامة المصريين وحقوقهم كما يقتضى منصبها كوزيرة للقوى العاملة؟. الإجابة بالنفى القاطع، إن آلاف المصريين الذين يعملون فى دول الخليج يتعرضون لنهب مستحقاتهم على يد الكفيل، ويعانون من المعاملة السيئة المهينة وكثيرا ما يتم حبسهم وجلدهم ظلما.. وهم ينتظرون من حكومة بلادهم أن تدافع عن حقوقهم لكن السيدة عائشة، التى تقبل الأيدى، لا تفعل لهم شيئا..
بل على العكس، فقد أعلنت عائشة عبدالهادى منذ عامين أنها تعاقدت مع السلطات السعودية من أجل توريد آلاف الخادمات المصريات ليعملن فى بيوت السعوديين.. وقد أصابت هذه الصفقة الشاذة المصريين بالصدمة،
أولا لأن فى مصر مئات الآلاف من حملة المؤهلات العليا الذين هم أولى بالتعاقد على العمل فى الخليج .. ثانيا لأن إرسال المصريات للعمل كخادمات يتنافى مع أبسط قواعد الكرامة الوطنية ويعرضهن إلى المهانة والإذلال والاعتداءات الجنسية..
ثالثا: لأن مصريات كثيرات من هؤلاء يحملن مؤهلات متوسطة وعالية لكنهن اضطررن تحت ضغط الفقر والبطالة إلى الموافقة على العمل كخادمات.. رابعا: لأن السلطات السعودية التى تتشدد فى كل ما يخص الدين وتشترط وجود رجل محرم مع السيدات فى رحلات الحج والعمرة،
فعلت العكس هذه المرة وطلبت أن تذهب الخادمات المصريات الى السعودية وحدهن بدون مرافق. وقد دافعت الوزيرة عائشة عن صفقة الخادمات التى عقدتها وقالت إن الخدمة فى البيوت لا تعيب أحدا ونصحت معارضيها بأن يتخلصوا من الحساسيات التى لا معنى لها..
وأذكر أن مثقفا مصريا هو الدكتور إيمان يحيى قرر آنذاك أن يرد على الوزيرة بطريقة عملية ومبتكرة.. فقام بنشر الإعلان التالى فى الصفحة الأولى من جريدة الكرامة.. «مطلوب خادمة سعودية مقيمة لأسرة مصرية ميسورة.. مرتب مجز»..
ثم ترك رقم تليفونه للاتصال.. وعلى مدى أسابيع، انهالت عليه اللعنات والشتائم من عشرات السعوديين الذين اعتبروا الإعلان مهينا لبلادهم.. وقد اضطرت عائشة الى التراجع عن إرسال الخادمات الى السعودية تحت ضغط الرأى العام.. لكنها عادت وأعلنت فى الشهر الماضى أنها عقدت اتفاقا جديدا لإرسال الخادمات المصريات الى الكويت هذه المرة..
ولا أفهم ما سر إصرار بعض المسئولين فى الخليج على استقدام الخادمات من مصر بدلا من الأطباء والمهندسين والمهنيين المصريين الأكفاء الذين يعود إليهم الفضل فى النهضة التى يشهدها الخليج الآن؟..
هل يحقق استعمال المصريين كخدم لذة معينة لدى بعض الخليجيين؟ ولا أفهم أيضا سر ولع هذه الوزيرة الغريبة بتوريد الخادمات لبلاد الخليج؟.. لكنى أفهم أن فاقد الشىء لا يعطيه وأن من تسمح لنفسها بتقبيل أيدى الناس على الملأ لا يمكن أن تدافع عن كرامة أحد..
إن واقعة تقبيل الوزيرة عائشة ليد السيدة سوزان مبارك تعكس علاقة الوزراء وكبار المسئولين بالرئيس مبارك وأسرته.. فى نفس التسجيل الذى شاهدته لقناة المحور، يظهر الدكتور على الدين هلال، مسئول الإعلام فى الحزب الوطنى وأستاذ العلوم السياسية وقد وقع فى ورطة طريفة..
فقد شاء حظه أن يجد نفسه واقفا فى طريق السيدة سوزان مبارك، فارتبك بشدة ولم يدر ماذا يفعل: فهو يخشى أن يفسر إعطاء ظهره للسيدة الأولى وكأنه استهانة بمكانتها فتكون العاقبة وخيمة، كما أنه لا يستطيع أن يغامر بالتوجه إليها والحديث معها مادامت لم تطلب منه ذلك.. ولو أنه قرر الابتعاد فجأة عن مسار السيدة سوزان قد يبدو ذلك أيضا تصرفا لا يليق..
ماذا يفعل إذن؟ بدا المسئول الكبير مضطربا ومشتت الذهن وظل يتأرجح فى مكانه حتى جاء إليه ضابط حراسة وأزاحه بعيدا حتى تتقدم السيدة سوزان مبارك فى طريقها، هذا الخضوع التام للرئيس وأسرته سمة مشتركة للوزراء جميعا فى مصر.
ولعلنا نذكر فى العام الماضى كيف قام جمال مبارك بتوبيخ وزير التعليم العالى هانى هلال على الملأ فى احتفال للجامعة الأمريكية ومنعه من الجلوس بجواره على المنصة ثم أشار إليه بيده أن ينصرف فورا، لم يغضب الوزير هانى هلال آنذاك لتوبيخه علنا وإنما أصابه الجزع فقط لأن جمال مبارك غاضب عليه..
فى الدول الديمقراطية، يصل الوزير الى منصبه بواسطة انتخابات نزيهة، وهو يدين بالفضل للناخبين ويبذل كل جهده لكى يحتفظ بثقتهم وأصواتهم.
وإذا اختلف الوزير هناك مع رئيس الدولة فإنه يقدم استقالته فورا لأنه يعلم أنه سيعود الى منصبه إذا فاز فى الانتخابات المقبلة.. أما فى النظام الاستبدادى فإن رأى الناس لا يهم الوزير إطلاقا، لأنه يتولى الوزارة ليس بسبب كفاءته أو عمله وإنما بفضل ولائه للرئيس.
وبالتالى فإن مستقبله السياسى كله معلق بكلمة واحدة من سيادة الرئيس. لن تجد فى مصر أبدا وزيرا يناقش الرئيس مبارك فيما يقوله أو يختلف معه أو حتى يتحفظ على كلمة واحدة قالها. كلهم يمجدون الرئيس ويشيدون بعبقريته وإنجازاته العظيمة التى لا نراها نحن المصريين ولا نشعر بها، (لأنها ببساطة غير موجودة).. رأيت من سنوات مسئولا اقتصاديا بارزا فى الدولة يؤكد على شاشة التليفزيون أن الرئيس مبارك بالرغم من كونه لم يدرس الاقتصاد إلا أن سيادته يتميز «بالإلهام الاقتصادى» الذى يجعله يتوصل الى أفكار اقتصادية جبارة ومبهرة تستعصى على أساتذة الاقتصاد أنفسهم(!).
إن طريقة تولى المناصب فى مصر تستبعد تلقائيا أصحاب الكفاءات والشخصيات القيادية والذين يتمتعون بعزة النفس ويحرصون على كرامتهم.. بينما تمنح المناصب عادة للفاشلين والأتباع والمنافقين والمتعاونين مع أجهزة الأمن.. وقد أدى ذلك الى تدهور الأحوال فى مصر حتى وصلت الى الحضيض فى معظم المجالات.
إن اللحظة التى انحنت فيها عائشة عبدالهادى لتقبل يد السيدة سوزان مبارك، تحمل فى معناها التفسير الكامل لضياع حقوق المصريين داخل الوطن وخارجه. عندما يتم إصلاح ديمقراطى حقيقى، سوف تأتى الانتخابات بمسئولين أكفاء ومحترمين لا يقبلون الأيدى ولا ينافقون الرئيس وأسرته، عندئذ فقط سوف تنهض مصر.
الديمقراطية هى الحل.
من إدارة الموقع: نعتذر للسادة قراء الكاتب الكبير د.علاء الأسواني عن بعض التأخير في نشر التعليقات الواردة إلينا ، نظراً لعددها الكبير الذي تصادف مع صعوبات تقنية جاري حلها. سيتم نشر جميع التعليقات الواردة تباعاً في أسرع وقت ، كما نرجو من أصدقاء الموقع الحرص على عدم نشر أي إساءات أو شتائم بالتعليقات لتجنب حذفها ، وممارسة النقد المسئول بما لا يخالف القانون أو قواعد اللياقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.