بحكم انتمائها للدول النامية، ونتيجة لموقعها كمنسق لمجموعة الدول الأفريقية الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية، فإن مصر لا ترى بديلا عن التمسك بالبعد التنموى فى المفاوضات الحالية لتحرير التجارة. التنمية، بجانب تحرير التجارة، هى الهدف الأساسى لجولة مفاوضات الدوحة منذ أن بدأت فى 2001، وذلك بعد أن أظهرت نتائج الجولة السابقة، أوروجواى، أن التحرير وفتح الأسواق يضر بمصالح الدول النامية. وقد تعثرت المفاوضات فى السنوات الثمانى الأخيرة لفشل الدول النامية والمتقدمة فى التوصل لأرضية مشتركة فى القطاعات التى تهدد البعد التنموى للدول النامية، مثل الزراعة والنفاذ للأسواق. غير أن العام الأخير الذى شهد طوفان الأزمة أضاف للمشكلة بعدا آخر وهو رغبة الدول المختلفة، خاصة المتقدمة، فى اتخاذ إجراءات حمائية، أى فرض قيود تجارية على النفاذ لأسواقها وهو الأمر الذى يهدد المفاوضات كلها. «المشكلة ليست فقط فى بطء سير المفاوضات وبقاء الاختلافات حول الموضوعات الرئيسية، كالنفاذ للأسواق أو ملف الزراعة، ولكن فى محاولات الدول المتقدمة تحويل ميزان المنافع لصالحها، فهى تطالب بحماية بعض منتجاتها بفرض إجراءات حمائية، بينما تنكر نفس الحق على الدول النامية. وهناك محاولات كذلك «لطمس البعد التنموى للدوحة وتغيير مسار المفاوضات، لتركز على الموضوعات التى تهم الدول المتقدمة»، تبعا لما ذكره هشام بدر، مندوب مصر الدائم فى الأممالمتحدة ومنظمة التجارة العالمية. ويؤكد بدر على تحفظ مصر على هذا الاتجاه، وهو ما ظهر فى البيان الختامى لاجتماعات وزراء التجارة الأفارقة، الذى تم عقده فى القاهرة منذ شهر، وركز على عدم استعداد الدول الأفريقية التخلى عن البعد التنموى فى دورة الدوحة، خاصة مع وجود خسائر الأزمة. وقدر البيان خسائر صادرات القارة السمراء من الأزمة ب251 مليار دولار فى 2009، وبنحو 277 مليارا فى 2010. كما توقع البنك الدولى، الأسبوع الماضى، أن تشهد اقتصادات القارة نموا بنسبة 1.7 % فى المتوسط هذا العام، مقابل 3.5% كانت متوقعة سابقا، وذلك جراء الركود العالمى. وكان وزير التجارة والصناعة، رشيد محمد رشيد، قد أكد خلال اجتماعات وزراء التجارة الأفارقة على عدم إمكانية التخلى عن بعد التنمية فى المفاوضات، «التنمية ليست هبة نمتن لحصولنا عليها (من الدول المتقدمة)، كما أنها ليست مسألة يمكن قبول تنازلات بشأنها»، على حد تعبيره. وبناء عليه بادرت مصر بالدعوة لعقد اجتماع لجميع ممثلى الدول النامية، التى ينتابها شعور أن البعد التنموى فى المفاوضات لم يؤت ثماره، وذلك فى نفس وقت الاجتماعات الوزارية فى اليوم الأول لاجتماعات جنيف، وسيضم الاجتماع، تبعا لبدر، ممثلى أكثر من 100 دولة، ومن المتوقع أن يكون له صدى إعلامى قوى، كونه سيعقد فى نفس وقت انعقاد الاجتماعات الوزارية. وانطلاقا من مخاوف الدول المختلفة من اتساع الهوة بين الآمال المعقودة على الجولة، وما يحدث بالفعل، فقد شاركت مصر فى التنظيم لجلسة عن جولة الدوحة للتنمية، وذلك لأنه «بالرغم من الرسائل السياسية الواضحة جدا لكل الاجتماعات الدولية، بدءا من اجتماعات مجموعة الثمانى فى مدينة لاكويلا الايطالية، وانتهاء باجتماعات مجموعة العشرين فى مدينة بترسبرج الأمريكية، التى تنص على حتمية إنهاء الجولة الحالية، فإن هذا الأمر لم يترجم بعد على مائدة المفاوضات، وهو ما يعنى أننا بحاجة للمزيد من الجهد للانتهاء منها بالصورة المأمولة»، تبعا لبدر. «المقياس الأساسى لنجاح هذه الجولة هو قدرتها على تحقيق البعد الإنمائى، وتحقيق التوازن للاختلالات التى خلقتها جولات التجارة السابقة، مثل جولة أوروجواى»، على حد تعبير بدر، مضيفا أن المفاوضات يجب أن تكون على أساس الالتزامات المتفق عليها فى الدوحة، مؤكدا أهمية عدم الرجوع عن النصوص المعدلة، التى اتفق عليها رؤساء مجموعات التفاوض فى منظمة التجارة العالمية فى ديسمبر الماضى، بشأن القضايا الزراعية، وتلك الخاصة بنفاذ السلع غير الزراعية للأسواق، تبعا لبدر. ويرى المراقبون أن هذه النصوص المعدلة ستجعل من الإجراءات الحمائية التى اتخذتها كل من الصين والهند والتى أفشلت الاجتماع الوزارى المصغر فى جنيف فى ديسمبر 2008، هى نقطة البداية لمفاوضات الدوحة فى المستقبل. وكانت كل من الصين والهند قد أصرت على أن يكون للدول النامية الحق فى فرض آليات خاصة لحماية أسواقها فيما يعرف باسم (Special Safeguards Mechanisms) أى زيادة تعريفاتها لحماية أسواقها، حينما تزداد الواردات بالشكل الذى يهدد المنتجات المحلية. و من ناحية أخرى تشارك مصرفى أيام المؤتمر الوزارى الثلاثة فى مناقشات تجمع ما يعرف بالنظام العام لتفضيلات التجارةSystem of Trade Preferences) (General، الذى يضم 22 دولة نامية، تتمثل فى البرازيل والهند والكوريتين الشمالية والجنوبية وزيمبابوى، إلى جانب مصر. ويسعى ممثلو دول هذه المجموعة إلى خفض التعريفة الجمركية على تجارتهم البينية، بمعدلات تتراوح ما بين 20 70 % من سلعهم. وتشير دراسة لمؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) إلى أن خفض هذه الدول لتعريفاتها بنسبة 30%، سيرفع صادراتها ب11.7 مليار دولار سنويا، بينما سيضيف خفض التعريفات بنسبة 20 %، زيادة التبادل التجارى بقيمة 7.7 مليار دولار. ويذكر أنه تبعا لقواعد منظمة التجارة العالمية، فإن الاتفاقات التجارية الموقعة بين مجموعة من الأعضاء تسرى على بقية الدول، أى أن هذه الإعفاءات لو تم الاتفاق عليها بالفعل بين ال22 دولة، ستصبح متاحة ل153دولة العضوة فى المنظمة. ويتوقع أعضاء المجموعة التوقيع على اتفاق مبدئى بينهم خلال الاجتماعات الجارية. ويشير جودة عبدالخالق، أستاذ الاقتصاد فى جامعة القاهرة، إلى أن مصر يجب أن يكون لها تواجد قوى فى تلك المفاوضات، وفى الدفاع عن التنمية «صوت مصر فى المفاوضات التجارية يعلو أحيانا ويخفت أخرى، وذلك بالرغم من أنها كانت من أول الدول التى تساند البعد التنموى فى التجارة»، بحسب تعبيره، مدللا على ذلك بأن قرار إنشاء برنامج الأممالمتحدة للتجارة والتنمية- وهو هيئة معنية بالتجارة تتبع الأممالمتحدة، ويميزها عن منظمة التجارة اهتمامها بالتنمية، قد صدر من القاهرة فى عام 1962.