أربعة أسابيع تفصلنا عن المؤتمر الوزارى السابع لمنظمة التجارة العالمية والذى يعد أول مفاوضات دولية لملف التجارة العالمية منذ اجتماعات هونج كونج فى 2005 والتى تجمدت من بعدها مباحثات الدول الأعضاء حول جولة الدوحة. وبجانب المشكلات التى انتهت عندها اجتماعات هونج كونج، مثل عدم منح أى تسهيلات لصادرات الدول النامية إلى المتقدمة أضافت الأزمة بعدا جديدا لمشكلات التجارة العالمية وهو لجوء الدول المتقدمة للمزيد من الحمائية. ولما تمثله الحمائية من تهديد لتجارة الدول النامية فإن أجندة الأخيرة فى المؤتمر تجتذب الكثير من الاهتمام، ومن هنا يكتسب مؤتمر وزراء التجارة الأفارقة المنعقد فى القاهرة غدا ولمدة ثلاثة أيام أهميته كونه يعد مؤشرا للمطالب التى ستقدمها بعض الدول النامية فى مؤتمر جنيف. «هذا المؤتمر يأتى فى توقيت مهم جدا بالنسبة للدول الأفريقية ومن بينها مصر لأنه يعطينا الفرصة أن نواجه الدول الكبرى بمسئولياتها تجاه الدول االنامية، فنحن نرى اليوم نوعا من التراخى من ناحية الدول الكبرى فيما يتعلق بتحرير الأسواق، وحان الوقت أن نوصل لهم هذه الرسالة بوضوح»، يقول رشيد محمد رشيد، وزير الصناعة والتجارة فى تصريحات صحفية خاصة ل«الشروق» مشيرا إلى أن هذه الدول اتخذت العديد من الإجراءات الحمائية التى تعوق تحرير التجارة مثل دعم القطن فى الولاياتالمتحدة والمنتجات الزراعية فى أوروبا. دول العالم أبدت استعدادا وطرحت اقتراحات من أجل استئناف هذه المفاوضات بعد أربعة أعوام من توقفها، ولكن وفقا لرشيد، «المهم الآن هو أن تتحول هذه الاقتراحات إلى أفعال» يقول رشيد مشيرا إلى أن الدول الأفريقية جميعا تأثرت سلبا بآثار الأزمة على جميع المستويات الاقتصادية من إنتاج، وصادرات، وعمالة، واستثمار وسياحة ومن ثم فإن الدول الأفريقية تسعى إلى التوصل خلال المؤتمر الوزارى القادم إلى اتفاق يضمن حقوقها (كممثل) للدول النامية. ومن هنا يرى رشيد أن أهمية مؤتمر وزراء التجارة الأفارقة ترجع إلى أنه يعطى الفرصة للدول الأفريقية، والتى تمثل أكبر عدد أصوات فى المنظمة، لأن تعبر عن تذمرها من عدم تنفيذ الدول الصناعية الكبرى لوعودها، ومن ثم عدم تحقيق الهدف التنموى لجولة الدوحة، والذى يتمثل فى مساعدة الدول النامية على التنمية. «وهناك إجماع من قبل الدول الأفريقية أن تكون الرسالة هذه المرة قوية»، بحسب رشيد. ويشير رشيد إلى أن مطالب الدول الأفريقية تختلف فى نوعها هذه المرة عن المرات السابقة فهذه المرة هى تتعلق فى الأساس بعملية التنمية، أى المعونات الخاصة بتنمية التجارة والبنية التحتية فى الدول الأفريقية، بالإضافة إلى السماح لها بالمنافسة فى صادرات السلع الزراعية. وعلى رأس الملفات التى سيتم تناولها فى هذا المؤتمر ملف القطن والذى يمثل أهمية قصوى للدول الأفريقية، و«من ثم سيكون له الأولوية فى المناقشات»، وفقا لرشيد. ويشهد هذا المؤتمر تجمع أكبر حشد لوزراء التجارة الأفارقة بالإضافة إلى عدد من وزراء تجارة الدول الفعالة فى المنظمة مثل الهند والصين والبرازيل وسويسرا والولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى، والمكسيك فضلا عن رؤساء المنظمات الدولية المعنية كمنظمة التجارة العالمية، الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) والوحدة الأفريقية والكوميسا. وبرغم المناداة بضرورة استئناف مفاوضات الدوحة ودعوة مدير المنظمة، باسكال لامى،أن تحرير التجارة هو الحل الأمثل لتفادى تداعيات الأزمة العالمية والخروج منها بأسرع وقت وأقل خسائر ممكنة، فإن «هذا الاجتماع يأتى فى مرحلة لا يوجد بها أمل لاستئناف مفاوضات التجارة العالمية»، كما يقول مسئول مصرى فى منظمة التجارة العالمية مشيرا إلى أن النقاش داخل المنظمة تحول فى الوقت الحالى من نقاش حول تفاصيل الجولة وكيفية استئنافها إلى مجرد نقاش حول هيكل المنظمة وكيفية تنظيمه». ويتساءل المسئول المصرى عن أهمية هذا التجمع فى وقت من المتوقع أن تتجمد فيه أى نوع من المفاوضات التجارية لمدة لا تقل عن ستة أشهر فعلى سبيل المثال لم يحصل الممثل التجارى الأمريكى حتى الآن على تفويض من الكونجرس لإجراء مفاوضات تجارية مما يحول دون القيام بأى نوع من المفاوضات الجدية. وكان للرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الحق فى التوقيع على أى اتفاقيات تجارية دولية دون الرجوع إلى الكونجرس وهو ما لا يتمتع به خليفته الرئيس الحالى باراك أوباما. من ناحية أخرى، تبعا للمصدر، هناك موقف الدول الأوروبية واتجاهها إلى تطبيق سياسات حمائية، بالإضافة إلى اقتصاد بريطانيا المتدهور والذى سجل للربع السادس على التوالى تراجعا فى معدل النمو برغم كونه المرشح الأسرع للخروج من الأزمة. ومن ثم كما يقول فإن وضع الأفارقة فى مؤتمرهم و«كأنهم ذاهبون إلى الحجاز بعد أن انتهى الحجاج من مراسم الحج»، بحسب تعبيره. ويرفض رشيد التقليل من أهمية هذا المؤتمر مشيرا إلى أنه عادة ما أسفرت اجتماعات وزارات التجارة الأفارقة عن بعض التغييرات، وإن كانت «قليلة»، ولكنها ملموسة مدللا على كلامه ببعض التغييرات التى حدثت فى نص الاتفاقيات الزراعية، متفائلا أن تكون «الرسالة هذه المرة قوية لتواجه الدول الكبرى بتخاذلها»، على حد قوله. وكان وزير التجارة والصناعة قد هدد من قبل، خلال اجتماع وزراء التجارة مع رئيس منظمة التجارة العالمية على هامش المنتدى الاقتصادى العالمى بدافوس فى فبراير الماضى، أن تتراجع مصر والدول النامية عن الالتزامات التى قبلتها من قبل فى ضوء تراجع الرئيس الأمريكى الجديد باراك أوباما عن جميع التسويات التجارية التى وافق عليها الرئيس السابق جورج بوش.