فى ركن واسع من حجرتها، تضع إيناس سلامة جهاز الحاسب الآلى الخاص بها وحوله عدة أقراص مدمجة وسمّاعات، يبدو المشهد عاديا حتى جلوس الفتاة أمام الشاشة فى انتباه وفى يدها كشكول كبير تدوّن به بعض الملاحظات! تأتى والدتها التى تعرض عليها اصطحابها لزيارة الجيران، فترد الابنة «آسفة! عندى محاضرة!!». تخرجت إيناس بالفعل فى كلية الصيدلة، لكنها الآن تدرس الفقه الإسلامى على موقع إلكترونى يتبع إحدى الهيئات السعودية، وتقول: «أنا مقبلة جدا على تعلم الفقه من علماء سعوديين، والإنترنت جعل الأمر سهلا لا يتطلب سفرا أو مصروفات كبيرة». وبات لإيناس زملاء كثيرون، قد لا تعرفهم هى! قرروا استكمال دراستهم الجامعية أو العليا من خلال التعليم عبر الإنترنت، وذلك بالتزامن مع هذا العام الذى يشهد بدء الدراسة فى الجامعة المصرية للتعليم الإلكترونى. والدراسة عبر الإنترنت، هى إحدى أشكال «التعليم عن بعد» الذى يعتمد على نقل الخدمة التعليمية إلى خارج الحرم الجامعى. ويمكن اعتبار أن الدراسة الإلكترونية هى الشكل المتطور للتعلم بالمراسلة الذى أتاحته بعض الجامعات الأوروبية فى السبعينيات، وفيه ترسل الجامعة المواد الدراسية للطالب فى شكل كتب وشرائط فيديو يجتهد فى تعلم محتواها. ويرسل هو إلى جامعته التكليفات المقررة عليه، على أن يلتزم بالسفر إلى مقر الجامعة لحضور الاختبارات. واليوم، بدلا من أن تتم هذه العملية من خلال البريد، يتولاها البريد الإلكترونى وموقع الجامعة على شبكة الإنترنت، التى توفر على الطالب مشقة وتكاليف السفر إلى مقرها لأداء الاختبارات، التى يؤديها الطالب فى مركز معتمد بالبلد الذى يقيم فيه، ماعدا بعض البرامج الدراسية التى تتطلب قضاء الطالب وقتا محددا فى الحرم الجامعى على أرض الواقع. وفى مصر تضم بعض الجامعات مراكز لخدمة التعليم الإلكترونى، يتلقى فيها الدارسون عبر الإنترنت المحاضرات أو الاختبارات التى تتطلب وجودهم، إضافة لكونها مراكز تدريب لأعضاء هيئة التدريس على إنتاج المقررات الإلكترونية واستخدام البرمجيات الخاصة. وتتبع هذه المراكز مركزا قوميا للتعليم الإلكترونى. قررت إيناس متابعة دراستها عبر الإنترنت بنفس الطقوس التى كانت تتابع بها دراستها فى كلية الصيدلة، أو كما تقول: «أعتبر نفسى لم أتخرج بعد، وألتزم بسماع المحاضرات والمناقشات التى يجريها الموقع وتنفيذ الواجبات التى تعطيها لى المعلمة»، فى حين أن مصطفى يسرى يتعامل مع دراسته الجديدة فى الجامعة المصرية للتعليم الإلكترونى بتكييف ظروفه الحالية مع الدراسة، فالشاب الذى يعمل فى إحدى شركات السياحة خطط لحضور محاضراته عبر ال«لاب توب» الخاص به أثناء عمله، ونظّم ساعات الشغل بما يتفق مع مواعيد دروسه. زميلته بنفس الجامعة منى محمد، أجرت عددا من الاستعدادات قبل بدء الفصل الدراسى، فاستأذنت مديرها فى العمل فى حضور المحاضرات الالكترونية وقت العمل، وتلتزم بالاستذكار يوم الجمعة، وهى سعيدة بهذا المجهود الكبير الذى تبذله بين العمل والدراسة، مؤكدة أن الخبرة العملية التى تكتسبها وقت دراستها تصنع فارقا كبيرا فى حياتها العملية. وتتعادل الدرجة العلمية التى يحصل عليها الدراس بعد إتمام تعليمه عبر الإنترنت مع ما تمنحه الجامعة لمن درس على أرض الواقع، وفى حالة الجامعة المصرية للتعليم الإلكترونى، فإن المتخرج يحصل على شهادة مصدّقة من المجلس الأعلى للجامعات ومعادلة لما تمنحه الجامعات المصرية. غير أن هذا التعادل فى الاعتراف بالشهادة لا يعنى تعادلا فى مجهود الدراسة المفترض أن يقدمه الدارس بقاعة المحاضرات والدراس عبر الإنترنت. ويوضح مصطفى يسرى أن «الدراسة عبر جامعة إلكترونية تحتاج إلى أكثر من مجرد الوجود بقاعة الدرس من أجل درجات الحضور أو حصر فترة الاستذكار فى الشهر الأخير من خلال تلخيص للمنهج، عبر الجامعة الالكترونية أنت تبحث وتدرس وتتابع أكثر»، لكن ما شجعّه على الالتزام بهذا النوع من الدراسة والاستعداد لبذل مزيد من المجهود هو حبه للإدارة وتطلعه لدراستها. وكان مصطفى يدرس الحقوق بجامعة القاهرة، لكنه قرر تحويل أوراقه للجامعة الجديدة. زملاء من نوع مختلف خلال عملية التعلم عبر الإنترنت تغيب عناصر المؤسسة التقليدية من مدرس وزملاء وقاعة درس واقعية، وهو ما يفرض على المتعلم استكمال هذه المفردات بنفسه، بمعنى أن يكتسب مهارات معينة تمكنه من متابعة الدراسة. وتحرص الجامعات الأمريكية على تزويد طلابها عبر الإنترنت ببعض هذه المهارات مثل القراءة السريعة عبر شاشة الحاسوب والعمل الفعّال فى مجموعات دراسية. وأهم مهارة تستهدفها عموما الجامعات الإلكترونية هى تنظيم الوقت، فبعض الجامعات الافتراضية تتيح لدارسيها أدلة ترشدهم إلى كيفية الإبحار على شبكة الإنترنت لفترة طويلة دون إضاعة للوقت والسلوك الذى يصح الالتزام به «أونلاين»، وتضع أمام الدارسين خيارات تساعدهم على تنظيم أوقاتهم، تتراوح بين تخصيص مواقع فرعية تطرح على الدارس أسئلة ومن واقعها تقترح عليه جدولا لمواعيده أو تعطيه نصائح تساعده على استغلال دقائق يومه أو حتى تخصص شخصا لمساعدة الطلاب على تنظيم أوقاتهم إذا فشلوا فى ذلك! فى المؤسسة التعليمية على الانترنت لا ترى زملائك أو مدرسيك، أنت ترى صورهم أو تسمع أصواتهم، وأحيانا تقودك الدراسة للتعامل مع زملائك بشكل أكثر تقاربا من خلال الاشتراك معهم فى كتابة بحث أو مقال، لكن تقل فرصة التواصل البصرى بين الأستاذ والطلاب حتى مع وجود كاميرا! وترى إيناس فى هذه الخاصية أمرا إيجابيا أو كما تشرح: «شىء يعودنى على التعبير عن نفسى كلما ظهر لدى تساؤل، بالإضافة إلى أن طريقة التعبير عبر الدراسة الإلكترونية خاصة جدا! فمطلوب من الشخص التعبير عن نفسه وشرح أفكاره وانفعالاته من خلال الكلمات فقط، لا يظهر صوته ولا جسده». الأمر نفسه اعتادته لمياء عبدالرحمن التى تدرس اللغة الإنجليزية فى إحدى المدارس الكندية عبر الانترنت، لكنها سعت لتوطيد علاقاتها مع زملاء الدراسة: «هناك 3 صديقات لى من جنسيات مختلفة، يدرسن معى عبر الانترنت، ونتبادل الإيميل». ثم تضيف لمياء مبتسمة: «أضفتهم على برنامج الدردشة الخاص بى، فهى فرصة ذهبية للتعرف على ثقافات أخرى». وائل راضى المهندس الشاب الذى يأخذ دروسا متقدمة على الإنترنت فى العزف على الجيتار وجد فى علاقته بزملائه المنتمين لجنسيات مختلفة طريقا للاطلاع على الثقافات الموسيقية المتعددة: «كل منا ينقل للآخر ما يخص الموسيقى فى بلده والمعهد الذى أدرس به على الإنترنت خصص منتدى للطلاب نناقش فيه مثل هذه الأمور». تعتبر إيناس دراستها للفقه على الإنترنت وسط طالبات من الإناث فقط أمرا نموذجيا موضحة: «لا أتصور أن يتم تدريس العلوم الشرعية فى بيئة مختلطة رجال ونساء!!». وفى ورقة بحثية أمام مؤتمر التعليم الإلكترونى الدولى المنعقد فى برلين عام 2007، أوردت خبيرة التعليم الإلكترونى الدكتورة سحر طلعت بعدا ثقافيا لهذا النوع من الدراسة، وذكرت أن المناخ المختلف الذى توفره بيئة التعلم الإلكترونى من خصوصية وعدم الاختلاط الصريح كان عاملا مشجعا للعنصر الأنثوى، «مع الوضع فى الاعتبار طبيعة المرأة المسلمة عموما والعربية خصوصا». تنتهى إيناس من حضور محاضراتها، تضع جهاز الحاسوب فى وضع الاستعداد، ونشرب سويا الشاى وهى تحكى عن زميلاتها على الإنترنت. ينتهى الحديث، فتعود مرة أخرى للجهاز، حيث تفتح المعلمة نقاشا مع الطالبات للرد على أسئلتهن. تستأذننى إيناس ضاحكة «عندى مشوار للسعودية»! 5 فوائد للدراسة عبر الإنترنت كتب أحد مواقع التدريب الإلكترونى على موقعه على الإنترنت «إن حصولك على هذه الشهادة الجامعية سيغير حياتك إلى الأبد، وستتغير نظرة الناس إليك وتتغير حتى نظرتك إلى نفسك وتصبح أكثر ثقة بنفسك وبقدراتك»، غير أن تجربة الدراسة عبر جهاز الحاسب الآلى تظهر مزيدا من المزايا غير كونها سببا لنيل شهادة أجنبية تحمل مزيدا من الوجاهة الاجتماعية للمتخرج! الفائدة الأولى هى ما تركز عليه وزارة التربية والتعليم المصرية فى موقعها على الإنترنت وهى اختلاف المحيط التعليمى، فبدلا من نفس الفصل كل يوم، يستطيع الطالب حضور دروسه فى منزله أو فى مقهى انترنت أو فى النادى، ما يبعد عنه الملل الذى قد يقلل من تركيزه إذا اعتاد على مكان واحد. تستطيع أيضا أن تكون بمفردك بعيدا عن قاعات الدراسة المتكدسة بالمئات وأحيانا بآلاف الطلاب. الميزة الثانية هى زيادة مساحة استخدام الوسائط المتعددة خاصة الصوتيات والمرئيات، فأنت تسمع وترى وتتفاعل، بعكس قاعة الدرس التقليدية التى يكون السمع فيها العنصر الأغلب. ما يجعل التعلم ممتعا. «لماذا أنفق مئات الجنيهات، فى الوقت الذى أستطيع فيه أن أحصل على ما أريد بالمجان؟» يشرح مينا على هذا النحو ميزة ثالثة لهذا النوع من الدراسة التى دفعته لإعداد نفسه لاختبار «تويفل» فى اللغة الإنجليزية بمساعدة الشبكة العنكبوتية: «على الإنترنت وجدت ما أريد وأكثر، وكله بالمجان». ويبرز المهندس ياسر مصلح بيومى مدير القبول والتسجيل بالجامعة المصرية للتعليم الإلكترونى أن هذا النمط من الدراسة أصبح جاذبا لأكثر من فئة: «يمكن لحامل شهادة الثانوية أن يصبح دارسا على الإنترنت، وكذلك المتخرج صاحب الشهادة العليا، والمصروفات ليست أقل بكثير من الجامعات الخاصة». لكن مينا يرى للتعلم عبر الإنترنت فائدة رابعة، جعلته يرسل عنوان الموقع الإلكترونى الذى ساعده إلى صديقه الصعيدى الذى يسعى لاجتياز شهادة «التويفل». ويعتبر مدير القبول والتسجيل بالجامعة المصرية للتعليم الإلكترونى أن التعلم عبر الإنترنت ذلل العقبة الجغرافية، موضحا أن: «هناك من يعمل خارج البلاد ويود استكمال دراسته العليا وأن تكون شهادته معترفا بها فى بلده، وقتها يكون التعليم الإلكترونى هو الحل المرضى». ووفقا لنظام الدراسة بالجامعة المصرية للتعليم الإلكترونى، يلتزم الطالب بحضور 75 بالمائة من المحاضرات عبر الإنترنت، أما نسبة 25٪ المتبقية، فيتم حضورها على مدار أسبوعين فقط، يتلقى خلالهما منهجا مكثفا فى مراكز التعليم الإلكترونى بجامعات عين شمس وطنطا وأسيوط. هذا الحضور غير المطلوب غالبية العام، ميزة خامسة كانت السبب الأساسى لالتحاق مصطفى ومنى بالجامعة، حيث يعمل كل منهما. وهو أيضا الدافع الرئيس للمياء لتنضم إلى المدرسة الكندية على الانترنت فهى كما تقول: «أم لطفلتين، وفى كل مرة سأذهب إلى (الكورس) سيكون على إيجاد مكان لهما، وسيظل بالى مشغول عليهما» لكن الأم الشابة اليوم تستطيع تلقى الدروس وإنهاء التكليفات بينما تلعب طفلتاها أو تنامان. وتظهر الدراسات أنه على المستوى العالمى يعمل ثلاثة أرباع الدارسين عبر الإنترنت فى وظائف تشغل بعض أو كل أوقاتهم، وأن ثلثيهم من النساء، وأكثر من نصف هؤلاء الطلاب متزوجون، ويزيد عمر النسبة نفسها على 35 عاما. يوم فى جامعة «افتراضية» فى الحرم الجامعى «الافتراضى» لجامعة فلوريدا الغربية بالولايات المتحدة يمكنك أن تقضى يوما دراسيا، و«يوم دراسى» فى الجامعة الافتراضية يفقد قيمته الزمنية! فالجامعة متاحة طوال الوقت، بلا مواعيد محددة تصنع يوما، لكن فقط أمام طلابها، وغيرهم لا يسمح له بدخول مبانيها التى هى صفحات على موقعها الإلكترونى، فالدخول مقتصر على من يحمل كلمة المرور. والطالب فى الجامعة التقليدية يستيقظ مبكرا ليرتدى ثيابا يجتهد أن تبدو قيمة ويصفف شعره! لكن فى هذا الحرم، يختفى التنافس فى الاعتناء بالمظهر، وأقصى ما يمكنك فعله هو أن تضع صورة جيدة لك فى الصفحات التى سيظهر بها اسمك. إذا كنت طالبا مجتهدا، فستدخل قاعة الدرس فى موعد محاضرتك بالجامعة التقليدية، الأمر نفسه فى الجامعة الافتراضية، إذا كنت جادا فستدخل كلمة المرور وتتابع المحاضرة. ومشاركتك فيها ستكون ضرورية، ستسجل أيضا بعض ملاحظاتك، وإذا بدا الأمر صعبا فعليك الرجوع إلى دليل مختصر أعدته جامعة فلوريدا الغربية عن كيفية تدوين الملاحظات بشكل فعّال. وبعد إلقاء المدرس محاضرته، لن تنتظر «ساعات المكتب» المحددة له للاستفسار عما تحتاج إليه من توضيح، فقط ستتأكد ما إذا كان متاحا عبر برنامج الدردشة الذى تتيحه الجامعة، وإن لم تجده فافتح بريدك الإلكترونى على موقع الجامعة وابعث إليه برسالة أو حادثه عبر الهاتف! وبين المحاضرة والأخرى، ستجد وقتا تقضيه مع زملاء الدراسة، الذين تراهم «أونلاين» فى أثناء المحاضرات، صورا صغيرة وآراء تفهم منها تدريجيا شخصية كل منهم. وترحب الجامعة بهذا التشبيك الاجتماعى، وتضع لك صورا لأشخاص من أعراق مختلفة فى أيديهم حواسيب محمولة. هذا يرتدى ملابس الخدمة العسكرية، وهذه فى بيتها إلى جوار كوب من القهوة، وتلك على شاطئ البحر مستغرقة فى النظر إلى ال«لاب توب» وآخر فى مقهى انترنت وغيرهم التحق كل منهم بواحد من 400 برنامج دراسى تتيحها الجامعة. ويوفر حرم «فلوريدا الغربية» الافتراضى نظاما يشبه موقع «فيس بوك» الشهير، يمكنك من خلال التعارف على طلاب آخرين وخريجين، وتبادل المعلومات الدراسية والمناقشات الأكاديمية. والتسجيل فى هذا الموقع مقصور على من قبلته جامعة فلوريدا الغربية دارسا بها. ربما تحضر محاضرة أخرى! إذا لم تكن متأكدا من جدول محاضرات، اذهب إلى صفحة ARGUS ساحة الحرم الجامعى الافتراضى، لتجد بها الجداول والإعلانات التى تخطر بها إدارة الجامعة الطلاب والتنبيهات والمناسبات، بالإضافة إلى أرشيف بكشوف درجات تقديراتك طوال فترة دراستك. وفى الجامعة التقليدية يقضى الطالب الفارق الزمنى بين المحاضرات إما مع أصدقائه أو فى الاستذكار أو فى ممارسة بعض الأنشطة، وكلها خيارات متاحة بالحرم الجامعى الافتراضى، فهناك مكتبة ثرية بالمؤلفات ومتجر للكتب، وأنشطة مختلفة يتم تنظيمها إما بمبادرة من الطلاب أو الأساتذة. وفى نهاية اليوم، لن تتحمل مشقة الطريق إلى المنزل الذى قد يبعد كثيرا عن الجامعة التقليدية، ففى الجامعة الافتراضية، المسافة دائما هى دقيقة تغلق فيها نظام التشغيل الخاص بالحاسب الخاص بك.