الري تتابع إيراد النيل.. تشغيل السد العالي وإدارة مرنة للمياه استعدادًا للسيول    انطلاق الجلسة العامة لمجلس الشيوخ لمناقشة تعديلات قانون الكهرباء    جامعة عين شمس تحقق إنجازا جديدا وتتصدر تصنيف "2025 Green Metric"    الإدارية العليا تستقبل 48 طعنا على نتائج 30 دائرة انتخابية ملغاة    على مدار الساعة.. سعر الريال القطرى اليوم الأحد21 ديسمبر 2025    "معلومات الوزراء" يستعرض أبرز المؤشرات الاقتصادية العالمية للعامين 2025 و2026    مصر تتقدم 47 مركزا فى تصنيف مؤشر نضج الحكومة الرقمية للبنك الدولى    البترول تكشف حقيقة زيادة أسعار البنزين والسولار| تفاصيل    محافظ المنوفية يحيل واقعة تزوير تعلية مباني خارج الحيز للنيابة العامة    رئيس "شعبة الذهب" يحذر من تكرار سيناريو أزمة المضاربات الشهيرة في الفضة    مصر تواصل تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى غزة    مد غزة بسلال غذائية وبطاطين وملابس شتوية ضمن قافلة زاد العزة ال98    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم مدينة قلقيلية ‫ويداهم بناية    كوريا الشمالية: يجب وقف طموحات اليابان النووية ب«أي ثمن»    رئاسة الجمهورية : الرئيس السيسى استعرض مع بارزانى رؤية مصر لاستعادة الأمن والاستقرار فى المنطقة    مجموعة مصر، مواعيد مباريات أنجولا في بطولة أمم أفريقيا    منتخب مصر لرفع الأثقال يبدأ منافسات البطولة العربية بقطر اليوم    أمم إفريقيا - حسن ناظر ل في الجول: المغرب لا يقدم الأداء المطلوب أحيانا.. ومصر هي رقم 1    استمرار تدريبات المشروع القومي للموهبة الحركية لاكتشاف ورعاية الموهوبين رياضيًا بأسيوط    المقاولون العرب يعلن تعيين علي خليل مستشارًا فنيًا لقطاع الناشئين    الأرصاد: طقس مستقر وفرص أمطار خفيفة على تلك المناطق    ضبط 10 أطنان دقيق مدعم داخل المخابز السياحية بالمخالفة للقانون    تحرير 477 محضرًا تموينيًا للمخابز والأسواق خلال حملات مكثفة لضبط الأسعار بأسيوط    اعترافات قاتل صديقه بالإسكندرية : خبرتى فى الجزارة والذبح سهلت على تقطيع جثته    هلال رجب يزين السماء الليلة ويشاهد بسهولة بالعين المجردة    ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي بالسوق السوداء بقيمة 3 ملايين جنيه    الكرنك يستقبل الشمس في مشهد كوني نادر يؤكد عبقرية المصري القديم    193 عاما، معركة قونية مع الأتراك زلزلت أوروبا وأصبحت علامة فارقة في تاريخ الجيش المصري    فريدة سيف النصر تنعي سمية الألفي بكلمات مؤثرة وتسرد ذكرياتهما معاً    لهذا السبب ابتعد أحمد العوضي عن «البلدوزر».. «علي كلاي» يحسم القرار| خاص    الخشت من السوربون: التعليم أهم وسيلة للقضاء على التفكير الخرافي وتثبيت مفاهيم الدولة الوطنية    فضل العمرة فى شهر رجب.. دار الإفتاء توضح    نقابة صيادلة القاهرة تكشف حقيقة عدم توافر أدوية البرد والأمراض المزمنة    «التضامن» تقر توفيق أوضاع 4 جمعيات في 4 محافظات    مصرع شاب وإصابة آخر صدمتهما سيارة فى كرداسة    محاكمة المتهمين بسرقة 370 قطعة أثرية من متحف الحضارة اليوم    وزير الخارجية يلتقي نظيره المالاوي لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية    راحة سلبية للاعبي الزمالك بعد الفوز على حرس الحدود    وزير الخارجية يؤكد مجددا التزام مصر بدعم جهود تعزيز الأمن والاستقرار في الصومال والقرن الأفريقي    الرهان المتبادل    الذكاء الاصطناعى يعزز الأمن المجتمعى بالقانون    نحو استراتيجية وطنية للاستثمار فى البشر.. «التعليم»معركة البقاء الأخيرة    شهر رجب.. مركز الأزهر العالمي للفتوى يوضح خصائص الأشهر الحرم    دعاء شهر رجب.. مكانته وأفضل الأدعية المستحبة    محافظ القاهرة يعتمد جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول للعام 2025    الصحة: فحص 8 ملايين طالب ابتدائى ضمن مبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    مصر أول مركز إقليمى فى الشرق الأوسط وإفريقيا لتوطين مشتقات البلازما    الصحة: فحص أكثر من 20 مليون مواطن في مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    القائمة الكاملة لجوائز المسابقات الرسمية لأيام قرطاج السينمائية الدورة 36    فحص أكثر من 8 ملايين طالب ضمن الكشف عن الأنيميا والسمنة والتقزم بالمدارس    وزير الخارجية يعقد اجتماعاً ثلاثيا حول ليبيا مع نظيريه الجزائري والتونسي    الإجابة الوحيدة نحو الثامنة.. لماذا يشعر حسام حسن بالضغط؟    30 دقيقة تأخرًا في حركة قطارات «القاهرة - الإسكندرية».. الأحد 22 ديسمبر    الإسكان الاجتماعي لصاحبة فيديو عرض أولادها للبيع: سنوفر الحلول الملائمة.. والحاضنة لها حق التمكين من شقة الإيجار القديم    «جبر الخاطر».. محمد شاهين يطرح أحدث أغانيه    بعد رؤية هلال رجب.. ما هو موعد شهر شعبان ؟    كورتوا: حمل شارة قيادة ريال مدريد كان حلما.. ومن الصعب إيقاف مبابي    الصيام تطوعا في رجب وشعبان دون غيرهما.. الإفتاء توضح التفاصيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبوة هداية للعقل والضمير
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 10 - 2020

خاطب القرآن المجيد، حجة الإسلام الباقية إلى يوم الدين خاطب العقل كما خاطب الوجدان والضمير، فى منهاج عميق دعا إليه حتى فى مسائل الإيمان والعقيدة.. « إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأوْلِى الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ » ( آل عمران 190، 191 ) هذا التأمل المتعبد الفاهم الواعى، هو قوة دفع ذاتية بآلية دافقة لا تنقطع.. تكفل للمتأمل فيها ديمومة المدد والأثر الفاعل فى الهداية والاستمساك بالعروة الوثقى إلى ما شاء الله رب العالمين.
النبوة المحمدية هى إذن نبوة هداية للعقل والضمير، وليست نبوة استطلاع 
وتنجيم، ولا هى نبوة عرافة أو عيافة أو كهانة، ولا هى نبوة شعر ولا جنون مقدس، لا هى نبوة قراءة للغيب وإنباء بآتيات الزمن القابل، ولا هى شطحات كذب وتضليل.. قد بلغ سوء الظن فى النبوات غابرًا فيما يقول العقاد حد إطلاق وصف «أنبياء كذبة» على بعض الأنبياء فى العهدين القديم والجديد.. فنجد فى سفر أشعياء حديثًا عن «النبى الكذاب» فيقول: «الشيخ المعتبر هو الرأس والنبى بالكذب هو الذَّنَب» ! ( أشعياء 9: 15 ).. وفى إنجيل متى: «ويقوم أنبياء كذبة كثيرون، ويضلون كثيرين» ! ( متى 24: 11 )، وفى إنجيل لوقا: «لأنه هكذا كان يفعل آباؤهم بالأنبياء الكذبة».( لوقا 6: 26 )، ويصف يوحنا فى رؤيته خروج الأرواح النجسة من فم «النبى الكذاب»!
لقد أتت شبهة المعجزة سهلة ميسورة إلى رسول القرآن، مهيأة للاقتناص والاستغلال لمن يريد الكذب بها على الناس، يوم أن كسفت الشمس أثناء دفن إبراهيم ابن النبى عليه السلام، فتصايح الناس أنها آية من آيات الله للنبى المصطفى عليه السلام ونجله، بيد أن رسول القرآن رفض هذه الفرصة التى يتحينها الكذابون أو طلاب الدنيا والخداع والمنافع، ولم يشأ عليه السلام أن يترك الناس فى ظنهم الذى يضيف إليه فى نظرهم فضلا وآية، فطفق ينبههم ويحذرهم من هذا الفهم الخاطئ الذى سارعوا إليه، ويقول لهم: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تكسفان لموت أحد أو لحياته!
وبذلك خلصت النبوة المحمدية كلها لمهمتها الكبرى، وهى هداية الضمير، وانقطع ما بينها وبين ما كان سلفًا من صناعة أو حيلة للتأثير فى العقول عن طريق الحس المخدوع.
فليس فى النبوة سحر ولا كهانة، ولا استدراج للعقول بادعاء معرفة الغيب أو ادعاء المعجزات.
قد روت الأخبار المأثورة كثيرًا من المعجزات والخوارق التى صاحبت مولد محمد صلى الله عليه وسلم وطفولته، ولكن محمدًا عليه السلام لم يذكر هذه المعجزات، ولا أثر عنه أنه كان معنيًّا بأى إشارة إلى أى معجزة من المعجزات المتصلة بشخصه أو برسالته، بل كان حفيًّا بالقرآن يوصى الناس جميعًا به، بل ويخشى عليهم من كتابة السنة مخافة أن تختلط بكتاب الله المبين، فيقول لهم: «لا تكتبوا عنى غير القرآن، وحدّثوا عنى ولا حرج، ومن كذب علىّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»!
نبوة القرآن نبوة فهم وهداية للعقل والضمير، بالنظر والتأمل والتفكير.. لم تتوسل النبوة المحمدية فى هدايتها للعقل والضمير بالاعتماد على خوارق المعجزات الحسية، 
بل عنيت بصرف الناس عن التعلق بها والتنبيه إلى احتمالات تعطيلها لملكة العقل فى 
استقبال هداية الله.. عن نفسه يسارع نبى القرآن فيقول للمؤمنين إنه ليس إلاّ بشرًا رسولا: «قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولا »؟! ( الإسراء 93 ).. ويقول لهم من قول ربه تبارك وتعالى: « وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا » ( الإسراء 59 ).. يعلمهم عليه السلام أن المعجزة لا تنفع من لا ينفعه عقله، ولا تقنع المكابر المبطل إذا أصر على العناد واللجاجة فى باطله، .. فيتلو عليهم مما تنزل عليه: « وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ » ( الحجر 14 ).. « وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّى مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ » ( يونس 20).
فى النبوة المحمدية، فضلا عن عنايتها الجمّة بجانب الروح والنفس فيها اعتراف جاد بالعالم المادى الظاهر، وأنه واقع ضرورى لا يجوز تجاهله وليس منه مفر لأى حىّ أو غير حىّ، لأن الحىّ وغير الحىّ جزء موجود من العالم المادى لا محالة.
وفى النبوة إيمان فطرى بأن ذلك العالم بما فيه من أحياء، محكوم بحكمة خالصة.
وفى هذه النبوة إيمان فطرى بأن الفارق الجوهرى بين الآدمى وبين غيره، أن الآدمى مسئول أمام خالقه عن الإفساد والفساد الذى يقع بقصد أو بغير قصد أو باختيار الآدمى، 
فهو الوحيد أى الإنسان الكائن المكلف المسئول عما يفعل وعما يدع وعما يحسن وعما يسىء.
وحياة نبى القرآن عليه الصلاة والسلام يميزها عن حياة غيره، كونها مركزة على هذه المسئولية بدعوة داخلية قاهرة ملازمة، لا يستطيع أن يهرب النبى من « صوتها » فى نهار أو ليل فى أى مكان أو زمان.
لقد حدد القرآن المجيد معنى كلمة « النبوة »، فأوضح أن النبى هو مبعوث الله ومصطفاه لينقل للناس بلا زيادة ولا نقصان ما أوحى إليه ربه وأمره بتبليغه.
النبى ليس بساحر، وما كان للسحر أن يفلح أو تنهض عليه دعوة تنقل عن السماء.. « وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى » ( طه 69 ).
وليس قول النبى أو ما ينقله عن ربه بقول شاعر.. « وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ » ( الحاقة 41 ).. « وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِى لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ » (يس 69).
وليست النبوة ضربًا من ضروب الكهانة، ولا النبى كاهن يتعاطى الكهانة ويلقيها إلى الناس: « وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ » ( الحاقة 42 ).. « فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ » ( الطور 29 ).
وليست النبوة ضربًا من الجذب أو الجنون المقدس.. « ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم » (القلم 1 4 )
عن هذه النبوة يورد القرآن المجيد فى سورة الحاقة: « إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَما هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ * لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ * وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ * وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ * وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ » ( الحاقة 40 52 ).
عقيدة النبوة فى القرآن المجيد هى بهذا الصفاء والوضوح، لا تختلط بشعر ولا بسحر ولا باستطلاع ولا بتنجيم ولا بكهانة ولا بعرافة.. هى تبليغ عن الله تعالى الخالق الواجد الماجد.
لذلك فإن الرسالة المحمدية علمت الناس أن يعجبوا للنبوءات إذا لم تكن نبوءة للهداية وللإنذار والبشارة. « أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ... » ( يونس 2 ).
هذه هى النبوة المحمدية.
وهذه آية العمل الإلهى بين أعمال الناس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.