«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعجزات الحسية
نشر في الفجر يوم 01 - 05 - 2016


أنواع المعجزات
معجزة القرآنإنَّ المعجزات تتعدَّد وتتنوَّع، وبصفة عامَّة تنقسم إلى قسمين: الأول المعجزات العقليَّة، وهي ما يؤكِّد علماء الأصول أنها المعجزة التي اخْتُصَّ بها سيدنا محمد ، وهي معجزة القرآن. والقسم الثاني المعجزات الحسيَّة، كمعجزات موسى (العصا واليد)، ومعجزة عيسى (إحياء الموتى، وإشفاء الأبرص)، وغيرها، وهذا النوع من المعجزة يبقى محصورًا عند مَن شاهدها أو عند مَن تناقل إليه الخبر بطريق متواتر يُجْزِم بعدم إمكان الشكِّ فيه.
وقد جرت سُنَّة الله تعالى كما قضت حكمته أن يجعل معجزة كل نبي مشاكلة لما يُتْقِنُ قومه ويتفوَّقون فيه، ولما كان العرب قوم بيان ولسان وبلاغة، كانت معجزة النبي الكبرى هي: القرآن الكريم، وهي "معجزة عقليَّة أدبيَّة لا حسيَّة مادِّيَّة؛ وذلك لتكون أليق بالبشريَّة بعد أن تجاوزت مراحل طفولتها، ولتكون أليق بطبيعة الرسالة الخاتمة الخالدة؛ فالمعجزات الحسيَّة تنتهي بمجرَّد وقوعها، أما العقليَّة فتبقى".
وإضافة إلى هذه المعجزة الكبرى فإن الله أكرم نبيَّه بآيات كونيَّة جمة، وخوارق ومعجزات حسيَّة عديدة، ولكن لم يقصد بها التحدي، أي إقامة الحجة بها على صدق نبوته ورسالته ، بل كانت تكريمًا من الله تعالى له، أو رحمةً منه تعالى به، وتأييدًا له، وعناية به وبمن آمن معه في الشدائد؛ إذ إن هذه الخوارق لم تحْدُث استجابة لطلب الكافرين، بل رحمة وكرامة من الله لرسوله والمؤمنين.
ومن ذلك مثلاً الإسراء والمعراج، وانشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابع النبي ، ونزول الملائكة تثبيتًا ونصرة للذين آمنوا في غزوة بدر، وإنزال الأمطار لإسقائهم فيها وتطهيرهم وتثبيت أقدامهم، على حين لم يُصب المشركين من ذلك شيء وهم بالقرب منهم، وحماية الله لرسوله وصاحبه في الغار يوم الهجرة، رغم وصول المشركين إليه، حتى لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآهما، وإشباع العدد الكثير من الطعام القليل في غزوة الأحزاب، وفي غزوة تبوك، وغير ذلك مما هو ثابت بنص القرآن الكريم.
منكرو المعجزات الحسيَّة
ومن شأن هذه المعجزات -كما أشرنا- أن تَزِيد المؤمن إيمانًا، والمكذِّب بها يزداد حيرةً وضلالاً، كما قال تعالى في المكذبين: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر: 14، 15].
وإذا كان عموم المؤمنين يُصدِّقون بآيات الأنبياء والمرسلين، فإن قومًا لعبت بهم الأهواء، فقدَّموا عقولهم وآراءهم على الثابت في الكتاب وفي سُنَّة خير العباد ، وزعموا أنه لا توجد معجزات حسيَّة ثابتة للنبي ، وفي هذا يقول أحدهم: "المعجزات السابقة كانت مناسبة لظروف النبي وقومه، أي كانت حسيَّة محلِّيَّة تنتهي بنهاية القوم الذين يطلبونها من الرسول، ثم يُصاحبها إهلاك القوم ومجيء رسول آخر؛ تتجدَّد معه نفس القصة إلى أن خُتِمَت النبوة بالرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام؛ ولأن الرسول بشر كجميع البشر محكوم عليه بالموت، ولأن رسالته يجب أن تبقى فلا بُدَّ أن تكون معجزته على نفس المستوى، أي معجزة عقليَّة عالميَّة مستمرَّة إلى قيام الساعة. وهكذا فعالم الخوارق والمعجزات الحسيَّة قد انتهى بإنزال القرآن كمعجزة عقليَّة يتحدَّى بها الله تعالى كل عصر بخصائصه، تحدى به العرب بالفصاحة، ويتحدى به القرن العشرين بعلمه ومكتشفاته، وفي النهاية فإن المعجزات قد انتهى عصرها بالنبي الخاتم حيث دخلت البشريَّة في عهد جديد ارتقى فيه العقل البشري".
وقد استدل هؤلاء بقول الله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].
والحقيقة أنه ليس في الآية حجة على نفي المعجزات الحسيَّة، ولم يَقُلْ بذلك أحد من أهل العلم أصلاً، والناظر في كتب التفسير يعرف ذلك؛ يقول ابن جرير رحمه الله في تفسيرها: "يقول تعالى ذكره: وما مَنَعَنَا يا محمد أن نرسل بالآيات التي سألها قومك إلاَّ أنَّ مَنْ كان قبلهم من الأمم المكذِّبة سألوا ذلك مثل سؤالهم، فلما أتاهم ما سألوا عنه كذَّبوا رسلهم، فلم يُصَدِّقوا مع مجيء الآيات، فعوجلوا، فلم نُرسل إلى قومك بالآيات، لأنَّا لو أرسلنا بها إليهم فكذَّبوا بها سلكنا في تعجيل العذاب لهم مسلك الأمم قبلهم". ثم ساق بسنده إلى ابن عباس قوله: "سأل أهل مكة النبي أن يجعل لهم الصفا ذهبًا، وأن ينحِّيَ عنهم الجبال فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن نستأني بهم؛ لعلنا نجتني منهم، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أُهلكوا كما أُهلك مَن قَبْلَهم. قال: بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ. فأنزل الله: "وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً".
كما قال الشوكاني في تفسيرها: "والمعنى: وما مَنَعَنَا من إرسال الآيات التي سألوها إلاَّ تكذيب الأولين، فإن أرسلناها وكُذِّب بها هؤلاء عوجلوا ولم يُمْهَلوا كما هو سُنَّة الله سبحانه في عباده... والحاصل أن المانع من إرسال الآيات التي اقترحوها هو أن الاقتراح مع التكذيب موجب للهلاك الكُلِّي وهو الاستئصال، وقد عزمنا على أن نُؤَخِّر أمر مَن بُعِثَ إليهم محمد إلى يوم القيامة".
كما استدلَّ الذين ينفون المعجزات الحسيَّة بحديث الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي قال: "مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
والحقيقة أيضًا أن هذا الاستدلال ليس في محله؛ يؤكِّد ذلك قول ابن حجر في معنى قول النبي : "وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ": "أي إنَّ معجزتي التي تحدَّيت بها الوحيُ الذي أُنزل عليَّ وهو القرآن؛ لِمَا اشتمل عليه من الإعجاز الواضح، وليس المراد حصر معجزاته فيه، ولا أنه لم يُؤْتَ من المعجزات ما أُوتِي مَنْ تقدَّمه، بل المراد أنه المعجزة العظمى التي اخْتُصَّ بها دون غيره؛ لأن كلَّ نبي أُعْطِيَ معجزة خاصَّة به لم يُعْطَهَا بعينها غيرُه، تحدَّى بها قومه، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسِبة لحال قومه".
وإذا ما تأكَّد لنا ذلك، وأن الله أكرم نبيَّه بآيات ومعجزات حسيَّة؛ حُجَّة على صدق نبوَّته ورسالته ، ورحمة من الله تعالى به وتأييدًا له، وعناية به -كما أشرنا من قَبْلُ- وبمن آمن معه في الشدائد؛ فإنَّا نخوض في هذه المعجزات ونُبَيِّنُها ونُعَدِّدها، تلك التي اعتمدتْ أساسًا على خرق ما اعتاد الناس عليه وأَلِفُوه.
معجزات الرسول الحسيَّة
بعض العلماء هذه المعجزات فزادت على ألف معجزة، يقول ابن حجر: "وَذَكَرَ النَّوويُّ في مقدِّمة شرح مُسْلِم أَنَّ مُعْجِزَات النَّبِيِّ تَزِيد على ألف ومائتين، وقال البيهقيُّ في (المدخل): بلغت ألفًا.
وَقَالَ الزَّاهديُّ من الحنفيَّة: ظهر على يديه ألف معجزة. وقيل: ثلاثة آلاف. وقد اعتنى بجمعها جماعة من الأئمَّة، كأبي نُعَيْم والبيهقيِّ وغيرهما".
يقول البيهقي: "ودلائل النبوَّة كثيرة، والأخبار بظهور المعجزات ناطقة، وهي وإن كانت في آحاد أعيانها غير متواترة، ففي جنسها متواترة متظاهرة من طريق المعنى؛ لأن كل شيء منها مُشَاكِل لصاحبه في أنه أمر معجز للخواطر، ناقض للعادات", ومعجزاته تزيد على ألف معجزة".. ويقول ابن تيمية: "كان يأتيهم بالآيات الدالَّة على نبوته
كما قال ابن القيم بعد أن عدَّد معجزات موسى وعيسى عليهما السلام: "وإذا كان هذا شأن معجزات هذين الرسولين، مع بُعد العهد وتشتُّت شمل أُمَّتَيْهما في الأرض، وانقطاع معجزاتهما، فما الظنُّ بنبوة محمد , ومعجزاته وآياته تزيد على الألف والعهد بها قريب، وناقلوها أصدقُ الخلق وأبرُّهم، ونَقْلُها ثابت بالتواتر قرنًا بعد قرن!".
فلقد أيَّد الله نبيَّه محمدًا بالمعجزات الحسيَّة الكثيرة الدالة على نبوته، ورأى مشركو مكة الكثير منها، لكنهم لم يؤمنوا ولم يُذعِنُوا للحقِّ، بل طلبوا -على سبيل العناد والاستكبار- المزيد من الآيات، وقالوا: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً} [الإسراء: 90- 93].
معجزات غيبية
وهو نوع من معجزاته الحسِّيَّة غير ما سبق، فقد ثبت عنه الإنباء بمُغَيَّبَات كثيرة، بعضها وقعت في حياته، وبعضها بعد وفاته؛ فعن حذيفة قال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ مَقَامًا مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلاَّ حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلاَءِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ، كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ".
ولقد كان من هذا القبيل نعيه النجاشي وهو في الحبشة؛ فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ.
يقول النووي: "وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله ؛ لإعلامه بموت النجاشي وهو في الحبشة في اليوم الذي مات فيه".
وكان منه أيضًا إخباره بفتح بلاد اليمن، وبُصرى، وفارس، وإخباره بفتح القسطنطينية، وظهور الأمن حتى تظعن المرأة من الحيرة إلى مكة لا تخاف إلاَّ الله، وأن المدينة ستغزى ويفتح خيبر على يد عليٍّ في غد يومه، وما يفتح الله على أُمَّته من الدنيا ويؤْتَوْنَ من زهرتها، وقسمتهم كنوز كسرى وقيصر، وكذلك قوله لعمَّار: "تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ". وقوله عن الحسن: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". وغير ذلك الكثير، وإن هذا يُغْنِينَا عن الإطالة في السرد، وحَسْبُنَا ما ذكرناه.
معجزات طبِّيَّة
فقد كان من معجزاته أيضًا إبراء المرضى وذوي العاهات، ومما جاء في ذلك أنه أصيبت يوم أحد عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته، فردَّها ، فكانت أحسن عينيه وأحدَّهما.
قال قتادة: أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَوْسٌ فَدَفَعَهَا إِلَيَّ يَوْمَ أُحُدٍ، فَرَمَيْتُ بِهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى انْدَقَّتْ عَنْ سِنَّتِهَا، وَلَمْ أَزَلْ عَنْ مَقَامِي نَصْبَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ أَلْقَى السِّهَامَ بِوَجْهِي، كُلَّمَا مَالَ سَهْمٌ مِنْهَا إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ مَيَّلْتُ رَأْسِي لأَقِيَ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ بِلا رَمْيٍ أَرْمِيَهِ، فَكَانَ آخِرُهَا سَهْمًا بَدَرَتْ مِنْهُ حَدَقَتِي عَلَى خَدِّي، وَتَفَرَّقَ الْجَمْعُ، فَأَخَذْتُ حَدَقَتِي بِكَفِّي، فَسَعَيْتُ بِهَا فِي كَفِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ فِي كَفِّي دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّ قَتَادَةَ قَدْ أَوْجَهَ نَبِيَّكَ بِوَجْهِهِ، فَاجْعَلْهَا أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ، وَأَحَدَّهُمَا نَظَرًا". فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا نَظَرًا.
ومن هذا القبيل أيضًا: مسُّ رأس أبي زيد الأنصاري فلم يخالطه شيب، وإبراء الطِّفْلِ الذي كان لا يفيق منذ ولد، وردُّ بصر الأعمى بدعاء علَّمه إيَّاه... وغير ذلك كثير، مما يعجز القلم عن عدِّه وتسطيره.
وعلى هذا فالمعجزات الحسية لرسول الله كثيرة وعظيمة، وقد شملت جميع نواحي الحياة، ولم تنحصر في جانب أو ناحية واحدة منها؛ لتُبَرْهِنَ أخيرًا على تكريم الله لرسوله ، وتأييده له، وعنايته به وبمن آمن معه في الشدائد، وأيضًا لدفع مَنْ يُشاهدها إلى التصديق بنبوَّته ورسالته .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.