باقي 5 أيام فقط.. مناشدة عاجلة من وزيرة الهجرة إلى المصريين بالخارج (فيديو)    توريد 503 طن قمح في موسم الحصاد بالإسكندرية    هل تنخفض أسعار الدواجن الفترة المقبلة؟.. "الشعبة" توضح    البيت الأبيض بعد الاحتجاجات على حرب غزة بالجامعات: بايدن دعا لمواجهة تفشي الخطاب المعادي للسامية    الخميس المقبل.. أحمد موسى يُحذر من الاجتياح البري لرفح الفلسطينية    الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضيه    قائمة بيراميدز - رمضان صبحي على رأس اختيارات مواجهة البنك الأهلي    أحمد موسى يناشد بحضور 70 ألف مشجع مباراة بوركينا فاسو: هو في أهم منها للمنتخب.. فيديو    المعاينة الأولية تكشف سبب حريق ورشة وعقار في المعادي    شاب يقتل والده بسبب إدمانه للمخدرات.. وقرار من النيابة    خصومات متنوعة على إصدارات «هيئة الكتاب»    تعرف على الأمنية الأخيرة لشيرين سيف النصر قبل وفاتها ؟ (فيديو)    أمين الفتوى لسيدة: «اطّلقى لو زوجك مبطلش مخدرات»    بروتوكول بين جامعة المنوفية الهيئة الاعتماد لمنح شهادة "جهار - ايجيكاب"    دياب يكشف عن شخصيته بفيلم السرب»    "سياحة النواب" تصدر روشتة علاجية للقضاء على سماسرة الحج والعمرة    هالة خليل: أتناول مضادات اكتئاب في التصوير.. ولا أملك مهارات المخرج    صحة كفرالشيخ في المركز الخامس على مستوى الجمهورية    احذر اكتئاب رياح الخماسين.. من هم الفئات الأكثر عُرضة؟    «قضايا الدولة» تشارك في مؤتمر الذكاء الاصطناعي بالعاصمة الإدارية    مقتل وإصابة 8 مواطنين في غارة إسرائيلية على منزل ببلدة حانين جنوب لبنان    بالفيديو.. خالد الجندي يشيد بفخامة تطوير مسجد السيدة زينب    «بروميتيون تاير إيجيبت» راعٍ جديد للنادي الأهلي لمدة ثلاث سنوات    يد – الزمالك يفوز على الأبيار الجزائري ويتأهل لنصف نهائي كأس الكؤوس    أبو عبيدة: الاحتلال الإسرائيلي عالق في غزة    إنفوجراف.. مراحل استرداد سيناء    «التعليم العالي» تغلق كيانًا وهميًا بمنطقة المهندسين في الجيزة    ختام ناجح لبطولة الجمهورية للشطرنج للسيدات ومريم عزب تحصد اللقب    بائع خضار يقتل زميله بسبب الخلاف على مكان البيع في سوق شبين القناطر    محافظ أسوان يشهد مراسم توقيع بروتوكول التعاون المشترك بمتحف النوبة    القومي للكبد: الفيروسات المعوية متحورة وتصيب أكثر من مليار نسمة عالميا سنويا (فيديو)    اللعبة الاخيرة.. مصرع طفلة سقطت من الطابق الرابع في أكتوبر    وزيرة الثقافة تُعلن برنامج فعاليات الاحتفال بعيد تحرير سيناء    غدا.. اجتماع مشترك بين نقابة الصحفيين والمهن التمثيلية    محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال التطوير بإدارات الديوان العام    مجلس الوزراء: الأحد والإثنين 5 و6 مايو إجازة رسمية بمناسبة عيدي العمال وشم النسيم    عضو ب«التحالف الوطني»: 167 قاطرة محملة بأكثر 2985 طن مساعدات لدعم الفلسطينيين    السياحة: زيادة أعداد السائحين الصينيين في 2023 بنسبة 254% مقارنة ب2022    المدير التقني السابق لبايرن ميونخ: محمد صلاح معجزة وبطل قومي لليفربول    11 معلومة مهمة من التعليم للطلاب بشأن اختبار "TOFAS".. اعرف التفاصيل    محافظ قنا يستقبل 14 مواطنا من ذوي الهمم لتسليمهم أطراف صناعية    البرلمان يحيل 23 تقريرا من لجنة الاقتراحات والشكاوى للحكومة لتنفيذ توصياتها    ببرنامج تعزيز المنظومة البيئية.. هيئة الاستثمار: تدريب وتقديم استشارات ل600 رائد أعمال    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    تنبيه عاجل من المدارس المصرية اليابانية لأولياء الأمور قبل التقديم بالعام الجديد    افتتاح الملتقى العلمي الثاني حول العلوم التطبيقية الحديثة ودورها في التنمية    رسميا .. 4 أيام إجازة للموظفين| تعرف عليها    منها الطماطم والفلفل.. تأثير درجات الحرارة على ارتفاع أسعار الخضروات    عربية النواب: اكتشاف مقابر جماعية بغزة وصمة عار على جبين المجتمع الدولى    شعبة الأدوية: انفراجة في توفير كل أنواع ألبان الأطفال خلال أسبوع    سلك كهرباء.. مصرع شاب بصعق كهربائي في أطفيح    بدأ جولته بلقاء محافظ شمال سيناء.. وزير الرياضة: الدولة مهتمة بالاستثمار في الشباب    تقارير: الأهلي سيحصل على 53 مليون دولار نظير مشاركته في كأس العالم للأندية    اتحاد عمال مصر ونظيره التركي يوقعان اتفاقية لدعم العمل النقابي المشترك    البرلمان البريطاني يقرّ قانون ترحيل المهاجرين إلى رواندا    "بأقل التكاليف"...أفضل الاماكن للخروج في شم النسيم 2024    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    دعاء في جوف الليل: اللهم اجمع على الهدى أمرنا وألّف بين قلوبنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعجزات الحسية
نشر في الفجر يوم 01 - 05 - 2016


أنواع المعجزات
معجزة القرآنإنَّ المعجزات تتعدَّد وتتنوَّع، وبصفة عامَّة تنقسم إلى قسمين: الأول المعجزات العقليَّة، وهي ما يؤكِّد علماء الأصول أنها المعجزة التي اخْتُصَّ بها سيدنا محمد ، وهي معجزة القرآن. والقسم الثاني المعجزات الحسيَّة، كمعجزات موسى (العصا واليد)، ومعجزة عيسى (إحياء الموتى، وإشفاء الأبرص)، وغيرها، وهذا النوع من المعجزة يبقى محصورًا عند مَن شاهدها أو عند مَن تناقل إليه الخبر بطريق متواتر يُجْزِم بعدم إمكان الشكِّ فيه.
وقد جرت سُنَّة الله تعالى كما قضت حكمته أن يجعل معجزة كل نبي مشاكلة لما يُتْقِنُ قومه ويتفوَّقون فيه، ولما كان العرب قوم بيان ولسان وبلاغة، كانت معجزة النبي الكبرى هي: القرآن الكريم، وهي "معجزة عقليَّة أدبيَّة لا حسيَّة مادِّيَّة؛ وذلك لتكون أليق بالبشريَّة بعد أن تجاوزت مراحل طفولتها، ولتكون أليق بطبيعة الرسالة الخاتمة الخالدة؛ فالمعجزات الحسيَّة تنتهي بمجرَّد وقوعها، أما العقليَّة فتبقى".
وإضافة إلى هذه المعجزة الكبرى فإن الله أكرم نبيَّه بآيات كونيَّة جمة، وخوارق ومعجزات حسيَّة عديدة، ولكن لم يقصد بها التحدي، أي إقامة الحجة بها على صدق نبوته ورسالته ، بل كانت تكريمًا من الله تعالى له، أو رحمةً منه تعالى به، وتأييدًا له، وعناية به وبمن آمن معه في الشدائد؛ إذ إن هذه الخوارق لم تحْدُث استجابة لطلب الكافرين، بل رحمة وكرامة من الله لرسوله والمؤمنين.
ومن ذلك مثلاً الإسراء والمعراج، وانشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابع النبي ، ونزول الملائكة تثبيتًا ونصرة للذين آمنوا في غزوة بدر، وإنزال الأمطار لإسقائهم فيها وتطهيرهم وتثبيت أقدامهم، على حين لم يُصب المشركين من ذلك شيء وهم بالقرب منهم، وحماية الله لرسوله وصاحبه في الغار يوم الهجرة، رغم وصول المشركين إليه، حتى لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآهما، وإشباع العدد الكثير من الطعام القليل في غزوة الأحزاب، وفي غزوة تبوك، وغير ذلك مما هو ثابت بنص القرآن الكريم.
منكرو المعجزات الحسيَّة
ومن شأن هذه المعجزات -كما أشرنا- أن تَزِيد المؤمن إيمانًا، والمكذِّب بها يزداد حيرةً وضلالاً، كما قال تعالى في المكذبين: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر: 14، 15].
وإذا كان عموم المؤمنين يُصدِّقون بآيات الأنبياء والمرسلين، فإن قومًا لعبت بهم الأهواء، فقدَّموا عقولهم وآراءهم على الثابت في الكتاب وفي سُنَّة خير العباد ، وزعموا أنه لا توجد معجزات حسيَّة ثابتة للنبي ، وفي هذا يقول أحدهم: "المعجزات السابقة كانت مناسبة لظروف النبي وقومه، أي كانت حسيَّة محلِّيَّة تنتهي بنهاية القوم الذين يطلبونها من الرسول، ثم يُصاحبها إهلاك القوم ومجيء رسول آخر؛ تتجدَّد معه نفس القصة إلى أن خُتِمَت النبوة بالرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام؛ ولأن الرسول بشر كجميع البشر محكوم عليه بالموت، ولأن رسالته يجب أن تبقى فلا بُدَّ أن تكون معجزته على نفس المستوى، أي معجزة عقليَّة عالميَّة مستمرَّة إلى قيام الساعة. وهكذا فعالم الخوارق والمعجزات الحسيَّة قد انتهى بإنزال القرآن كمعجزة عقليَّة يتحدَّى بها الله تعالى كل عصر بخصائصه، تحدى به العرب بالفصاحة، ويتحدى به القرن العشرين بعلمه ومكتشفاته، وفي النهاية فإن المعجزات قد انتهى عصرها بالنبي الخاتم حيث دخلت البشريَّة في عهد جديد ارتقى فيه العقل البشري".
وقد استدل هؤلاء بقول الله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59].
والحقيقة أنه ليس في الآية حجة على نفي المعجزات الحسيَّة، ولم يَقُلْ بذلك أحد من أهل العلم أصلاً، والناظر في كتب التفسير يعرف ذلك؛ يقول ابن جرير رحمه الله في تفسيرها: "يقول تعالى ذكره: وما مَنَعَنَا يا محمد أن نرسل بالآيات التي سألها قومك إلاَّ أنَّ مَنْ كان قبلهم من الأمم المكذِّبة سألوا ذلك مثل سؤالهم، فلما أتاهم ما سألوا عنه كذَّبوا رسلهم، فلم يُصَدِّقوا مع مجيء الآيات، فعوجلوا، فلم نُرسل إلى قومك بالآيات، لأنَّا لو أرسلنا بها إليهم فكذَّبوا بها سلكنا في تعجيل العذاب لهم مسلك الأمم قبلهم". ثم ساق بسنده إلى ابن عباس قوله: "سأل أهل مكة النبي أن يجعل لهم الصفا ذهبًا، وأن ينحِّيَ عنهم الجبال فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن نستأني بهم؛ لعلنا نجتني منهم، وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أُهلكوا كما أُهلك مَن قَبْلَهم. قال: بَلْ أَسْتَأْنِي بِهِمْ. فأنزل الله: "وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً".
كما قال الشوكاني في تفسيرها: "والمعنى: وما مَنَعَنَا من إرسال الآيات التي سألوها إلاَّ تكذيب الأولين، فإن أرسلناها وكُذِّب بها هؤلاء عوجلوا ولم يُمْهَلوا كما هو سُنَّة الله سبحانه في عباده... والحاصل أن المانع من إرسال الآيات التي اقترحوها هو أن الاقتراح مع التكذيب موجب للهلاك الكُلِّي وهو الاستئصال، وقد عزمنا على أن نُؤَخِّر أمر مَن بُعِثَ إليهم محمد إلى يوم القيامة".
كما استدلَّ الذين ينفون المعجزات الحسيَّة بحديث الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي قال: "مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلاَّ أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
والحقيقة أيضًا أن هذا الاستدلال ليس في محله؛ يؤكِّد ذلك قول ابن حجر في معنى قول النبي : "وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ": "أي إنَّ معجزتي التي تحدَّيت بها الوحيُ الذي أُنزل عليَّ وهو القرآن؛ لِمَا اشتمل عليه من الإعجاز الواضح، وليس المراد حصر معجزاته فيه، ولا أنه لم يُؤْتَ من المعجزات ما أُوتِي مَنْ تقدَّمه، بل المراد أنه المعجزة العظمى التي اخْتُصَّ بها دون غيره؛ لأن كلَّ نبي أُعْطِيَ معجزة خاصَّة به لم يُعْطَهَا بعينها غيرُه، تحدَّى بها قومه، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسِبة لحال قومه".
وإذا ما تأكَّد لنا ذلك، وأن الله أكرم نبيَّه بآيات ومعجزات حسيَّة؛ حُجَّة على صدق نبوَّته ورسالته ، ورحمة من الله تعالى به وتأييدًا له، وعناية به -كما أشرنا من قَبْلُ- وبمن آمن معه في الشدائد؛ فإنَّا نخوض في هذه المعجزات ونُبَيِّنُها ونُعَدِّدها، تلك التي اعتمدتْ أساسًا على خرق ما اعتاد الناس عليه وأَلِفُوه.
معجزات الرسول الحسيَّة
بعض العلماء هذه المعجزات فزادت على ألف معجزة، يقول ابن حجر: "وَذَكَرَ النَّوويُّ في مقدِّمة شرح مُسْلِم أَنَّ مُعْجِزَات النَّبِيِّ تَزِيد على ألف ومائتين، وقال البيهقيُّ في (المدخل): بلغت ألفًا.
وَقَالَ الزَّاهديُّ من الحنفيَّة: ظهر على يديه ألف معجزة. وقيل: ثلاثة آلاف. وقد اعتنى بجمعها جماعة من الأئمَّة، كأبي نُعَيْم والبيهقيِّ وغيرهما".
يقول البيهقي: "ودلائل النبوَّة كثيرة، والأخبار بظهور المعجزات ناطقة، وهي وإن كانت في آحاد أعيانها غير متواترة، ففي جنسها متواترة متظاهرة من طريق المعنى؛ لأن كل شيء منها مُشَاكِل لصاحبه في أنه أمر معجز للخواطر، ناقض للعادات", ومعجزاته تزيد على ألف معجزة".. ويقول ابن تيمية: "كان يأتيهم بالآيات الدالَّة على نبوته
كما قال ابن القيم بعد أن عدَّد معجزات موسى وعيسى عليهما السلام: "وإذا كان هذا شأن معجزات هذين الرسولين، مع بُعد العهد وتشتُّت شمل أُمَّتَيْهما في الأرض، وانقطاع معجزاتهما، فما الظنُّ بنبوة محمد , ومعجزاته وآياته تزيد على الألف والعهد بها قريب، وناقلوها أصدقُ الخلق وأبرُّهم، ونَقْلُها ثابت بالتواتر قرنًا بعد قرن!".
فلقد أيَّد الله نبيَّه محمدًا بالمعجزات الحسيَّة الكثيرة الدالة على نبوته، ورأى مشركو مكة الكثير منها، لكنهم لم يؤمنوا ولم يُذعِنُوا للحقِّ، بل طلبوا -على سبيل العناد والاستكبار- المزيد من الآيات، وقالوا: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولاً} [الإسراء: 90- 93].
معجزات غيبية
وهو نوع من معجزاته الحسِّيَّة غير ما سبق، فقد ثبت عنه الإنباء بمُغَيَّبَات كثيرة، بعضها وقعت في حياته، وبعضها بعد وفاته؛ فعن حذيفة قال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ مَقَامًا مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلاَّ حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلاَءِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ، كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ".
ولقد كان من هذا القبيل نعيه النجاشي وهو في الحبشة؛ فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى الْمُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ.
يقول النووي: "وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله ؛ لإعلامه بموت النجاشي وهو في الحبشة في اليوم الذي مات فيه".
وكان منه أيضًا إخباره بفتح بلاد اليمن، وبُصرى، وفارس، وإخباره بفتح القسطنطينية، وظهور الأمن حتى تظعن المرأة من الحيرة إلى مكة لا تخاف إلاَّ الله، وأن المدينة ستغزى ويفتح خيبر على يد عليٍّ في غد يومه، وما يفتح الله على أُمَّته من الدنيا ويؤْتَوْنَ من زهرتها، وقسمتهم كنوز كسرى وقيصر، وكذلك قوله لعمَّار: "تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ". وقوله عن الحسن: "إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ". وغير ذلك الكثير، وإن هذا يُغْنِينَا عن الإطالة في السرد، وحَسْبُنَا ما ذكرناه.
معجزات طبِّيَّة
فقد كان من معجزاته أيضًا إبراء المرضى وذوي العاهات، ومما جاء في ذلك أنه أصيبت يوم أحد عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته، فردَّها ، فكانت أحسن عينيه وأحدَّهما.
قال قتادة: أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَوْسٌ فَدَفَعَهَا إِلَيَّ يَوْمَ أُحُدٍ، فَرَمَيْتُ بِهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى انْدَقَّتْ عَنْ سِنَّتِهَا، وَلَمْ أَزَلْ عَنْ مَقَامِي نَصْبَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ أَلْقَى السِّهَامَ بِوَجْهِي، كُلَّمَا مَالَ سَهْمٌ مِنْهَا إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ مَيَّلْتُ رَأْسِي لأَقِيَ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ بِلا رَمْيٍ أَرْمِيَهِ، فَكَانَ آخِرُهَا سَهْمًا بَدَرَتْ مِنْهُ حَدَقَتِي عَلَى خَدِّي، وَتَفَرَّقَ الْجَمْعُ، فَأَخَذْتُ حَدَقَتِي بِكَفِّي، فَسَعَيْتُ بِهَا فِي كَفِّي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ فِي كَفِّي دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنَّ قَتَادَةَ قَدْ أَوْجَهَ نَبِيَّكَ بِوَجْهِهِ، فَاجْعَلْهَا أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ، وَأَحَدَّهُمَا نَظَرًا". فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدَّهُمَا نَظَرًا.
ومن هذا القبيل أيضًا: مسُّ رأس أبي زيد الأنصاري فلم يخالطه شيب، وإبراء الطِّفْلِ الذي كان لا يفيق منذ ولد، وردُّ بصر الأعمى بدعاء علَّمه إيَّاه... وغير ذلك كثير، مما يعجز القلم عن عدِّه وتسطيره.
وعلى هذا فالمعجزات الحسية لرسول الله كثيرة وعظيمة، وقد شملت جميع نواحي الحياة، ولم تنحصر في جانب أو ناحية واحدة منها؛ لتُبَرْهِنَ أخيرًا على تكريم الله لرسوله ، وتأييده له، وعنايته به وبمن آمن معه في الشدائد، وأيضًا لدفع مَنْ يُشاهدها إلى التصديق بنبوَّته ورسالته .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.