كيف خلط كثير من الناس بين النبوة التي هي رفعة في المنزلة وبين الرسالة التي هي وظيفة؟، ولماذا ادعي البعض أن النبي من الممكن ألا يكون رسولا، والعكس؟. للجواب علي هذا السؤال أقول: لقد خلط الناس بين النبوة والرسالة لسببين: الأول: بسبب تجاوز الناس للمعاني الأصلية لكلمة النبوة والرسالة. الثاني: عدم معرفة كثير من الناس بحقيقتين مهمتين وردتا في القرآن الكريم، الأولي: أن بعض الناس يكتسب النبوة ابتداءً، وبعد أن يكتسبوا النبوة يختارهم الله رسلا فيما بعد، النية: أن الله يختار ويصطفي بعض الناس الذين ليسوا بأنبياء وإنما هم أناس عاديون، يختارهم الله ويكلفهم بالرسالة، ثم يكتسبون النبوة بعد تكليفهم بالرسالة، وبعبارة أخري، إن من الأشخاص من اكتسب النبوة أولا، وبعدها بفترة يتم تكليفه بالرسالة، بمعني أنه أصبح نبيا أولا ثم رسولا ثانيا، وإن من الأشخاص من كلفه الله بالرسالة أولا، ثم يكتسب النبوة بعد تكليفه بالرسالة، بمعني أنه تم تكليفه بالرسالة ثم اكتسب النبوة بعد ذلك. وخلاصة ما تقدم أن النبوة تأتي بالاكتساب لا بالتكليف، ويكون اكتساب النبوة عن طريق اتباع الآباء إن كانوا أنبياء ورسلا، أو يتم اكتسابها بعد التكليف بالرسالة، فالأنبياء يصبحون رسلا، والرسل يصبحون أنبياء، والفرق بينهما أن النبي هو الشخص الذي اكتسب النبوة لاتباعه لآبائه الأنبياء والرسل قبل تكليفه بالرسالة، أما الرسول فهو الشخص الذي اكتسب النبوة بعد تكليفه بالرسالة وبعد إيمانه بها وصبره وثباته عليها. إذن النبي اكتسب النبوة من اتباعه لآبائه الأنبياء والرسل من دون جهد منه، أما الرسول فقد اكتسب النبوة بفضل إيمانه بالرسالة وصبره وثباته عليها. إذن كان حال وحي الله مع الأنبياء كالتالي: حال النبي وهو الشخص الذي اكتسب النبوة أولاً ثم يأتيه الوحي علي مرحلتين متعاقبتين ومنفصلتين عن بعضهما زمنيا، وحيا خاصا به هو يأتيه بمفرده ليكتسب نبوة الله أولا، ثم يأتيه وحي آخر ليبلغه للناس بعد أن أصبح نبيا، فالوحي الأول رسالة خاصة منفردة يهبها الله للشخص الذي اصطفاه ابتداءً بعد أن اكتسب النبوة وأصبح نبيا، وبعد أن ينال منزلة النبوة يكلفه الله بعد ذلك برسالة أخري ليبلغها للناس، فيصبح في هذه الحالة نبيا أولا، ثم يختاره الله ويصطفيه بعد ذلك رسولا لتبليغ رسالة الله إلي الناس. وهاهي نصوص القرآن التي تؤكد ذلك علي النحو التالي: من أوضح النصوص القرآنية التي تؤكد أن الله أرسل للناس أناسا كانوا أنبياء قبل الرسالة، وأيضا أرسل رسلا لم يكونوا بأنبياء قبل الرسالة، بل كانوا رجالا عاديين اصطفاهم الله لرسالته، كان ذلك النص التالي: قال تعالي: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِي) (الحج- 52). إذن نصت هذه الآية علي أن الله أرسل للناس أنبياء، وأرسل لهم رسلا لم يكونوا أنبياء، وإنما وهبهم الله النبوة بعد ذلك. ويؤكد ذلك أيضا ما جاء في الآية التالية، فإنها تخبرنا بأن الله أرسل أنبياء في الأولين ولم يقل رسلا، وذكر أن الشخص الذي أتاهم كان نبيا ولم يكن رسولا، بمعني أنهم كانوا أنبياء أولاً ثم أرسلهم الله بعد ذلك، قال تعالي: (وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِي فِي الْأَوَّلِينَ* وَمَا يأْتِيهِم مِّن نَّبِي إِلَّا كَانُوا بِهِ يسْتَهْزِؤُون). (6: 7 الزخرف). والآية التالية تنص علي أن الله بعث في بادئ الأمر نبيين ليسوا رجالا عاديين، قال تعالي: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيحْكُمَ بَينَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ) (البقرة - 213) وأيضا الآية التالية تنص علي ذلك أيضا، قال تعالي: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيةٍ مِّن نَّبِي إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يضَّرَّعُونَ). (94- الأعراف). وهذه النصوص تكشف لنا عن حقيقة مهمة جدا ألا وهي أن النبي يرسله الله إلي قرية صغيرة أو بضع قري صغيرة، أما الرسول فيرسله الله إلي أم القري، أي إلي عاصمة كبري تجمع حولها عشرات ومئات القري. باحث إسلامي - مقيم في أسيوط