أما الحال الثانية فهي حال الرسول، والرسول هو شخص عادي اختاره الله من الناس واصطفاه لرسالته، ولم يكن نبيا قبل ذلك، بل كلفه الله بتبليغ الرسالة أولا، ثم اكتسب النبوة بعد ذلك بصبره وثباته علي الحق، فأصبح نبيا بعد أن اصطفاه الله رسولا للناس. إذن الرسالة والرسول لهما معني مغاير تماما لمعني النبوة، فأصل كلمة الرسول والرسالة في كلام العرب من رَسَلَ: الراء والسين واللام أصل واحد، يدل علي انبعاث وامتداد. إذن معني الرسالة هو انبعاث شيء من شيء وامتداده لشيء آخر، أما الرسول فهو من يحمل الشيء المنبعث ليمده إلي الطرف الآخر، ونذكر الآن بعض نصوص القرآن التي نصت علي أن الرسل هم رجال عاديون من الناس يصطفيهم الله لرسالاته ثم إذا صبروا وثبتوا اكتسبوا النبوة، وذلك علي النحو التالي: فكما سبق أن قلنا إن من أوضح النصوص التي تؤكد أن الله أرسل للناس أناسا كانوا أنبياء قبل الرسالة، وأيضا أرسل رسلا لم يكونوا أنبياء قبل الرسالة، بل كانوا أناسا عاديين اصطفاهم الله لرسالته، كان هو النص التالي: قال تعالي: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِي) (الحج - 52). إذن نصت هذه الآية علي أن الله أرسل للناس أنبياء، وأرسل لهم رسلا لم يكونوا أنبياء، وإنما اكتسبوا النبوة بعد ذلك. والآيات التالية تنص علي أن المرسلين الذين لم يكونوا أنبياء قبل الرسالة، هم آحاد الناس الذين اصطفاهم الله لرسالته، وهم رجال عاديون ولم يكونوا أنبياء، وقد كلفهم الله بالرسالة، ولما صبروا وآمنوا وثبتوا اكتسبوا النبوة، وهؤلاء ذكرهم القرآن علي النحو التالي: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَي). (109- يوسف) (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ). (43- النحل). (أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَي رَجُلٍ مِّنكُمْ لِينذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). (63- الأعراف). (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَينَا إِلَي رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ). (2- يونس). (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَي رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيتَينِ عَظِيمٍ). (31- الزخرف). إذن من الآيات السابقة نتبين أن الرسل قبل تكليفهم بالرسالة ما كانوا سوي رجال عاديين اصطفاهم الله علي الناس وكلفهم بالرسالة، ثم اكتسبوا النبوة بعد ذلك، فهؤلاء هم أولو العزم من الرسل، وهم أعظم فضلا وأجرا من الأنبياء الذين اكتسبوا النبوة أولا ثم أرسلهم ثانيا، لأن أولي العزم من الرسل فوجئوا بالرسالة دون أي تمهيد مسبق، فحملوا عبء الرسالة، والإيمان بما جاء فيها، ثم الصبر والثبات وتحمل الأذي في سبيلها فاكتسبوا النبوة بكسبهم واقتدارهم وجدارتهم وصبرهم وثباتهم ويقينهم، أما غيرهم من الأنبياء فقد نالوا النبوة باتباعهم لآبائهم من الأنبياء والمرسلين، أي ولدوا في بيت الرسالة والنبوة كأبناء إبراهيم عليهم السلام، كإسحاق ويعقوب ويوسف وذكريا ويحيي وداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء الذين أنعم الله عليهم بالنبوة بميراثهم لآبائهم، أما الرسل فقال تعالي عنهم: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ). (35- الأحقاف). وألوا العزم من الرسل هم فقط من الرسل وليسوا من الأنبياء، وهم ليسوا خمسة رسل فقط كما يزعم البعض أنهم: نوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد، بل إن أولي العزم من الرسل هم جميع المرسلين الذين أرسلهم الله ثم اكتسبوا النبوة بإيمانهم وعزمهم وثباتهم وصبرهم علي أقوامهم، ومن أولي العزم الذين وردت قصصهم بالقرآن هم: نوح، وإبراهيم، وإسماعيل، ولوط، وهود، وصالح، وشعيب، ويونس، وإلياس، وموسي، وعيسي، ومحمد عليهم السلام. باحث إسلامي مقيم بأسيوط