رسم رجال أعمال ومحللون اقتصاديون فلسطينيون صورة قاتمة للوضع الاقتصادي الفلسطيني الذي يعتمد أساساً على هبات الدول المانحة كما يرتبط إلى حد كبير بالقيود الإسرائيلية ، في الوقت الذي يشير فيه صندوق النقد الدولي إلى أن النمو الاقتصادي الفلسطيني يمكن أن يبلغ 7% هذا العام. وقال وزير الاقتصاد السابق ورجل الأعمال الفلسطيني باسم خوري إن "صورة الوضع الاقتصادي الفلسطيني تبدو خداعة". وأضاف أن "النمو الاقتصادي للفرد ارتفع بسبب المساعدات المباشرة التي حصلت عليها فلسطين" وهي "مليارا دولار لدفع الرواتب ومليار دولار مساعدات للأونروا (وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) والمنظمات غير الحكومية". وتابع إن "متوسط دخل الفرد في فلسطين بات بذلك 800 دولار ، أي إن 75% من دخل الفرد الفلسطيني يأتي من مساعدات خارجية". ونبه خوري إلى "ذوبان في القاعدة الإنتاجية في فلسطين بنسبة 32% عنه في 1999 ، بمعنى أن إنتاج الفرد قل عن 1999". وأضاف "إذا أضفنا 26% نسبة زيادة السكان من ذلك التاريخ نستنتج أن القاعدة الإنتاجية قلت بنسبة 50%". وتابع أن "مليارات الدولارات قدمت كرواتب من الدول المانحة ، نشتري بها سلعا إما من الصين أو من إسرائيل وكأننا بذلك نقوم بتنمية اقتصاد إسرائيل واقتصاد الصين". وقال صندوق النقد الدولي منتصف سبتمبر الماضي إن نمو إجمالي الناتج الداخلي في الضفة الغربية قد يبلغ 7% العام 2009 إذا واصلت الحكومة الفلسطينية إصلاحاتها ، وفي حال واصلت إسرائيل تخفيف القيود على تحركات الأفراد والبضائع في الأراضي الفلسطينية. غير أن الصندوق أصر على أن نهوض الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية سيستغرق أعواما في ضوء القيود الإسرائيلية المفروضة منذ الانتفاضة الثانية. وأكد البنك الدولي أن اقتصاد الضفة الغربية يظهر مؤشرات نمو لكنها لن تستمر بالضرورة لأنها قائمة على مساعدات خارجية. أما النمو الاقتصادي في قطاع غزة الخاضع لسلطة حركة حماس ، فاستمر في معاناة الركود في النصف الأول من 2009 فيما انهار القطاع الخاص بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ يونيو 2007. وقال الوزير السابق باسم خوري إنه يفضل أن تخصص مساعدة الدول المانحة "لتأسيس البنية التحتية الاقتصادية بدلا من المساعدات الآنية" ، مؤكدا أن "الوضع الاقتصادي منهار نتيجة الاحتلال وما أن تتوقف مساعدة الدول المانحة حتى ينهار دخل الفرد والاقتصاد". أما المحلل الاقتصادي ناصر عبد الكريم المدرس في جامعة بيرزيت ، فقال "نعيش حالة نمو مشوه باتجاهين ، فهذا النمو غير مستدام على الإطلاق وأعمى في توزيعه وغير عادل لأنه في حالة استئثار لفئة معينة هي فئة الأغنياء ، أما الطبقة الوسطى فتآكلت واتجهت نحو الطبقة الفقيرة". وتابع عبد الكريم أن "متوسط معدل الفقر يبلغ 50% في فلسطين". وأكد المحلل أن "النمو الذي تبشر به المؤسسات الدولية مبالغ فيه" ، مؤكدا أنه "حتى يكون النمو مستداما يجب ألا يعتمد على المساعدات الدولية بموازنة أربعة مليارات دولار وتكون 75% من الموازنة مساعدات خارجية إضافة إلى إنفاقات حكومية هائلة". وأوضح أن "إنتاجنا ضعيف واستثماراتنا محدودة واقل بكثير من مستوى العام 2000". ورأى أن "السلطة رهينة سياسية للمساعدات الدولية وللتحويلات الإسرائيلية من الجمارك والضرائب". وأوضح أنه "في حال اتخذت السلطة موقفا أحادي الجانب مغايرا للإدارة الأمريكية فقطعا ستدفع ثمنا اقتصاديا باهظا لأن الممولين الأوروبيين الذين يدفعون هذه المساعدات من أجل التسوية بإيعاز من أمريكا التي تقود عملية التسوية السلمية سيوقفونها وستواجه الضفة الغربية حصارا مماثلا لقطاع غزة". من جهته، رأى رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري أن "مستقبل الاقتصاد الفلسطيني بدون حل للوضع السياسي يوفر الاستقرار يظل صعبا ومتخبطا". وقال المصري "إننا في الأراضي الفلسطينية لا نستطيع القيام بتخطيط اقتصادي طويل الأمد نتيجة الحواجز والإغلاقات ، وأي عاقل لا يستطيع الاستثمار في فلسطين في ظل الأوضاع السياسية المتردية". وأضاف "نحن في حالة ترقب وانتظار لما يحدث سياسيا وانعكاساته الاقتصادية علينا". وتابع "قدمنا وأسسنا شركة فلسطين للتنمية الاقتصادية بعد معاهدة أوسلو العام 1994 من أجل إنجاح المسيرة السياسية وبدافع وطني". وأضاف "أسسنا 34 شركة ، بعض شركاتنا حققت أرباحا لا بأس بها مثل شركة الاتصالات وأخرى خسرت كثيرا مثل شركة الفنادق والشركات السياحية". وأضاف إن "رجال الأعمال الفلسطينيين تعودوا على الوضع الاقتصادي والسياسي وهزاته ويعملون ويجازفون بأموالهم بدوافع وطنية".