يبدو أن البعوضة الناقلة لفيروسات حمى الضنك وزيكا الخطيرة، قد طورت طعمًا ومذاقًا خاصا بدم الإنسان، بسبب الطريقة التي يخزن بها الناس الماء - الذي يحتاجه البعوض لوضع البيض- في المناخات الحارة والجافة. وفقًا لدراسة جديدة نشرت أمس الخميس في مجلة علم الأحياء الحالي (كارانت بيولوجي - Current Biology)، اختبرت ميول وخيارات اللدغ لدى مجموعات من بعوض «الزاعجة المصرية- Aedes aegypti»، في 27 موقعًا عبر أفريقيا (جنوب الصحراء)، موطن أجداد هذا النوع من البعوض. الزاعجة المصرية هي إحدى أنواع البعوض القليلة التي تحب لدغ البشر، وفقا لعالمة الأحياء في جامعة برينستون الأمريكية، ليندي ماكبرايد والتي أشارت إلى وجود نحو 3500 نوع معروف منها. وتقول ماكبرايد وفقا لموقع الإذاعة الوطنية الأمريكية (npr): "بشكل عام، البعوض انتهازي للغاية، وعلى استعداد للدغ أي شيء، ولكن هناك بعض الأنواع القليلة المتخصصة فعليا في لدغ البشر. وهذا أمر استثنائي." لو خُير هذا النوع من البعوض فإنه سيفضل لدغ الإنسان على أي نوع أخر من الحيوانات، وهذا التفضيل معروف لدى العلماء من زمن، لكنهم لم يستطيعوا فهم كيف تطور هذا الخيار، وهو أمر مهم نظرا للطريقة التي يمكن لهذه الآفات حمل الأمراض، ففي كل عام يمرض ما يقارب 100 مليون شخص من مسببات الأمراض التي ينقلها البعوض. وتوضح ماكبرايد أن "الزاعجة المصرية" بدأت العيش في الغابات الأفريقية وتغذت على دماء الحيوانات ولكن في مرحلة ما خلال ال 10 آلاف سنة الماضية، تطور بعضها لملاحقة البشر وانتشر هؤلاء - ممن يحبون لدغ البشر- في جميع أنحاء العالم، ويرجع ذلك الانتشار جزئيًا إلى العبودية. وتقول ماكبرايد: "يبدو أن هذه البعوضة هاجرت من إفريقيا إلى الأمريكتين في القرن السادس عشر أو القرن السابع عشر عن طريق تجارة الرقيق". أرادت ماكبرايد أن تفهم التغيرات الجينية التي جعلت بعض مجموعات هذا البعوض تحب البشر. وفي أفريقيا، لا يزال هناك الكثير من التباين في تعداد هذه البعوضة من حيث الكم الذي يفضل لدغ البشر على بعض الحيوانات الأخرى. في البداية ومن كينيا حاولت ماكبرايد دراسة البعوض في الغابات والقرى القريبة، معتقدة أن البعوض في القرى يفضل لدغ البشر. وتقول: "اتضح أنه لا يوجد فرق بين بعوض الغابات والقرى، لذا تراجعنا وقلنا إنه ربما علينا النظر على نطاق أوسع." بالشراكة مع فريق دولي من الباحثين عملت ماكبرايد وزميلها "نوح روز" لجمع بيض البعوض عبر القارة. وجاء البيض من غابات وقرى ومدن أفريقية كبيرة وصغيرة. لجذب البعوض، وضع الباحثون أكوابًا سوداء مبطنة بالورق ومملوءة بالماء، وبمجرد أن يضع البعوض بيضه في هذه الأكواب، يمكن إخراج الورقة وتجفيفها ببطء، وهذا ما يدخل البيض في حالة من السبات. وتقول ماكبرايد: "يمكنك إبقائهم على الرف لعدة شهور". "يمكنك وضعها في حقيبة يدك والطيران بها إلى أي مكان. ولن يفقسوا حتى تعيدهم إلى الماء." في المختبر قام الباحثون بتفريخ البيض واختيار إناث البعوض، لأنها هي التي تلدغ، ولذلك لمعرفة هل سيفضلون لدغ ذراع بشري أم خنزيرا غينيا. وتوضح ماكبرايد: "نضع 50 إلى 100 من إناث البعوض في صندوق كبير له ثقبان في أحد طرفيه، ملحق بهما أنبوبين يحتوي أحدهما على خنزير غينيا والآخر يحمل جزءًا من ذراع إنسان (كان نوح يضع ذراعه). من خلال الثقوب سيدخل هواء محمل برائحة خنزير غيني أو رائحة الإنسان. في غضون دقائق سيختار البعوض أنبوبًا ويدخله منجذبا إما إلى الرائحة البشرية أو الحيوانية، في وقت لاحق، تمت إزالة الأنابيب لحساب البعوض لمعرفة عدد البعوض الذي فضل لدغ الدكتور نوح. اعتقدت ماكبرايد أن بعوض الغابات والقرى سيكون مختلفًا تمامًا عن بعوض المدينة. ولكنها تقول: "اتضح لنا أن تأثير الكثافة البشرية كان ضئيلا بشكل مدهش". لقد كان المناخ هو العامل المهم وتوضح: "عندما جمعنا البعوض من أماكن لديها مواسم حارة طويلة وجافة، كان بعوضها يحب البشر، كانوا متخصصين في لدغنا." يبدو هذا منطقيا لأن البشر يميلون إلى تخزين المياه، فعلى ما يبدو فإن أي بعوضة ستجذب بشكل خاص إلى البشر في هذه المناطق الحارة والجافة ستكون أكثر نجاحًا في البقاء والتكاثر وسينتقل هذا الانجذاب. تقول ماكبرايد: "السبب الأصلي وراء تطوير هذه البعوضة لدغ البشر، أنها اعتمدت عليهم في وضع الماء على بيضها خلال مواسم الجفاف الطويل الحارة، ومن الإنصاف القول بأنهم لا ينجذبون إلينا كثيرًا ولكن إلى مياهنا." وترجح ماكبرايد أنه ربما يؤدي التوسع الحضري في إفريقيا مستقبلا إلى تحول المزيد من مجموعات البعوض نحو الانجذاب إلى الناس، وتوضح ذلك بأنه على الرغم من أن الكثافة السكانية كان لها تأثير أقل من المناخ في هذه الدراسة، إلا أنها كان لها بعض التأثير. وتشير لورا دوفال التي تعمل على دراسة البعوض بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، إلى أنه كان هناك الكثير من النظريات في الماضي حول السبب في تطور بعض البعوض لاستهداف الناس، وتوضح: "أعني، أنه بالإمكان التوصل إلى التفسيرات مختلفة لهذا، فقد يكون من السهل اختراق بشرتنا مقارنة بالحيوانات."