سعر الريال السعودي اليوم الخميس 13-11-2025 في البنوك    وزير العمل والبنك الدولي يبحثان تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    «المالية»: الاقتصاد يسير في الاتجاه الإيجابي والاستثمارات تنمو بنسبة 73%    نزع ملكية بعض الأراضي لإنشاء مرحلة جديدة من الخط الرابع لمترو الأنفاق    الرقابة المالية توافق على إنشاء أول منصة رقمية للاستثمار في وثائق الصناديق العقارية    ترامب يوقّع قانون تمويل الحكومة منهيا أطول إغلاق بالتاريخ    سلام على ورق وحصار بالأرض.. كيف يُعاد تشكيل غزة بخطة أمريكية متعثّرة؟    بيان مشترك لمصر وتركيا بمناسبة اجتماع مجموعة التخطيط المشتركة بين البلدين    تشكيل إنجلترا المتوقع أمام صربيا في تصفيات مونديال 2026    إعلان قائمتى الأهلى وسموحة فى نهائى السوبر المصرى لكرة اليد بالإمارات    أسماء مصابى حادث تصادم ميكروباص مع شاحنة تريلا بالوادى الجديد    "الأعلى للثقافة": مدونة السلوك بالمتاحف دعوة للوعي وصون آثار مصر أمام العالم    والدة مى عز الدين الراحلة حاضرة فى فرحها بال Ai.. عشان الفرحة تكمل    روبيو: واشنطن لا تتطلع لإدارة قطاع غزة    الاستعانة ب 12 سيارة من الشركة القابضة بالإسماعيلية ومدن القناة لسرعة شفط مياه الأمطار ببورسعيد    وزيرا التعليم العالي والأوقاف يبحثان تعزيز التعاون بين الوزارتين واستثمار بنك المعرفة المصري لدعم الأئمة والدعاة    قوارب تهريب المخدرات تثير أزمة بين واشنطن ولندن.. ووزير خارجية أمريكا يعلق    نائب رئيس الوزراء وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    التعليم تعلن شروط التقدم والفئات المسموح لها أداء امتحانات الطلاب المصريين بالخارج    دوري المحترفين، 5 مباريات اليوم في الجولة ال 12    كريستيانو رونالدو يعلق على صافرات الاستهجان المرتقبة ضده من جماهير أيرلندا    علاء نبيل: نعمل على تسهيل احتراف الهواة    اعتماد نادي اليونسكو للتنمية المستدامة بجامعة القاهرة ضمن الشبكة العالمية    الرئيس يوافق على إصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد    رابط التسجيل للتقدم لامتحانات الطلبة المصريين فى الخارج 2026    تشييع جثمان زوجته أُنهي حياتها خنقا علي يد زوجها بالمنوفية    توقف حركة الملاحة والصيد بميناء البرلس لسوء الأحوال الجوية    استئناف حركة الطيران فى مطار الكويت الدولى بعد تحسن الأحوال الجوية    البرتقال بكام فى أسواق الخضار والفاكهة اليوم الخميس 13 -11-2025 فى المنوفية    سعر الريال القطرى اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025.. أمام الجنيه    وزيرة التنمية المحلية تتابع جهود تنمية الموارد الذاتية للمحافظات    طريقة عمل البطاطا بالكاسترد بمذاق لا يقاوم    وزارة الصحة: تطوير التدريب الطبي المستمر ورفع كفاءة مقدمي الخدمة الصحية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 13نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    استمرار امتحانات منتصف الفصل الدراسي الأول بهندسة جنوب الوادي الأهلية    رئيس الوزراء يقرر تجديد ندب القاضى حازم عبدالشافى للعمل رئيسًا لمكتب شئون أمن الدولة لمدة عام    من عثرات الملاخ وتمرد عادل إمام إلى عالمية حسين فهمي، قصة مهرجان القاهرة السينمائي    أديل تخوض أولى تجاربها التمثيلية في "Cry to Heaven" للمخرج الشهير توم فورد    الصحة: خلو مصر من التراخوما إنجاز عالمي جديد.. ورؤية الدولة هي الاستثمار في الإنسان    صدام وشيك بين الأهلي واتحاد الكرة بسبب عقوبات مباراة السوبر    10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال| فيديو    صاحب السيارة تنازل.. سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة حادث إسماعيل الليثي (فيديو)    «سحابة صيف».. مدحت شلبي يعلق على تصرف زيزو مع هشام نصر    استخراج الشهادات بالمحافظات.. تسهيلات «التجنيد والتعبئة» تربط أصحاب الهمم بالوطن    الولايات المتحدة تُنهي سك عملة "السنت" رسميًا بعد أكثر من قرنين من التداول    أمطار تضرب بقوة هذه الأماكن.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    حبس المتهمين بسرقة معدات تصوير من شركة في عابدين    احسب إجازاتك.. تعرف على موعد العطلات الدينية والرسمية في 2026    إعلام: زيلينسكي وأجهزة مكافحة الفساد الأوكرانية على شفا الحرب    القيادة المركزية الأمريكية: نفذنا 22 عملية أمنية ضد "داعش" طوال الشهر الماضي    غضب واسع بعد إعلان فرقة إسرائيلية إقامة حفلات لأم كلثوم.. والأسرة تتحرك قانونيا    الاحتلال الإسرائيلي يشن سلسلة اقتحامات وعمليات نسف في الضفة الغربية وقطاع غزة    خبير لوائح: قرارات لجنة الانضباط «تهريج».. ولا يوجد نص يعاقب زيزو    محمود فوزي ل"من مصر": قانون الإجراءات الجنائية زوّد بدائل الحبس الاحتياطي    قد يؤدي إلى العمى.. أعراض وأسباب التراكوما بعد القضاء على المرض في مصر    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    رئيس الإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء يتفقد مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم بالعريش    انطلاق اختبارات «مدرسة التلاوة المصرية» بالأزهر لاكتشاف جيل جديد من قراء القرآن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع الإنكار والاعتراف بظاهرة التحرش
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 07 - 2020

فى الأوقات الصعبة، وفى الأزمات الطاحنة، يطفو للسطح ما هو بقاع المجتمع ويظهر بأسوأ صوره وبكل ما يملكه من قبح وجهل وعنف، خصيصا إذا كان هذا التغيير جاء بعد ثورة دامت ثمانية عشر يوما شهدت أعمال عنف مستمرة، وانفلاتا أمنيا وحالة من الذعر المجتمعى. فمنذ عام 2011 وحالة مصر، إحقاقا للحق، متقلبة وغير مستقرة. فكل ما هو كان مستقرا عليه تم تسييسه أو تم الزج به حتى أصبحت الحقيقة ذات نفسها محل جدال. حصل للمجتمع المصرى حالة فوران وهيجان ظهرت فيه موجات عنف متتالية، عنف أسرى وسط تصاعد الاختلافات العائلية قرب الانتخابات، عنف مجتمعى لعدم قدرتها التعامل مع الاختلاف السياسى خصيصا فى ظل التسعة أعوام السابقين عندما دخلت مصر رحلة البحث عن هويتها، فما أدراك بحالات العنف ضد المرأة والعنف الجنسى، كل ما هو ثابت أصبح محل نقاش: قضية ارتداء الحجاب أو خلعه، ولباس المرأة بين الخلاعة والحشمة، المساحة العامة وحدودها، والحرية الشخصية وتقبل الآخر وصولا لقضية التحرش.
لكنى أتصور أن كل ما سبق من سطور هو، للأسف، عبارة عن جمل وعناوين لواقع مزيف. أصبح المجتمع المصرى يستخدم هذه العبر والجمل والعناوين كشماعة لتعليق مشاكله وللهروب من مواجهة مشكلة التحرش. فالبعض يقول إن هذه ظاهرة جديدة علينا، متذرعا أنها ظاهرة ولدت فقط بعد «أحداث 25 يناير» وما تلاها من عنف. هذا ما قيل بعد أن سادت على المواقع الاجتماعية حالة من الجدل حين أفصحت أكثر من شابة عن قيام شاب بارتكابه عدة وقائع ابتزاز وتحرش واغتصاب وعنف جنسى وجسدى. وللأسف، بدلا من التصدى للواقعة أو فتح تحقيق نزيه، قامت عدة جهات كانت تتعامل مع الشاب بإصدار بيانات، أو كل كليشيهات، تتساءل لماذا تم الزج بهذه القضية فى هذا الوقت؟ متحاملة على الضحايا لسكوتهم، متسائلةً لماذا الشاكيات لم يتقدمن ببلاغ رسمى حتى الآن؟
تتسم حالات الإنكار بتحميل الضحايا ليس فقط اللوم، بل تحميلهن أيضا مسئولية الآخرين المقصرين. ففى هذه الحالة ترجع المسئولية فى المقام الأول للمجتمع كاملا ككل لخلقه أعذارا واهية لتفنيد أى تهمة تشير لمحاولة تحرش أو عنف جسدى ممنهج خصيصا إذا كان الشاب محل اتهام «ابن ناس». فى المقابل، ينصب المجتمع نفسه كله كقاضٍ متسائلا: «أين الأدلة؟ ما هى خلفية الشاب؟ لكنه من عائلة معروفة وجيدة السمعة؟ لكنى أعرفه أو أعرف فلانا من أسرته كيف يفعل هذا؟ هل ألحت عليه الضحية برغبة خبيثة؟ هل كان فى كامل قواه العقلية؟ هل يمر بأزمة نفسية؟ هل هو مريض؟ ماذا كانت ترتدى الشابة الشاكية؟ لكنها تسهر كثيرا، ولبسها غريب، وأسلوبها مختلف، لكنها لا تحترم العادات الأسرية المصرية». وبهذا يتغير الخطاب فيتحدث عن حالات وواقعات فردية مختلفة بدلا من التصدى لظاهرةٍ مجتمعيةٍ.
هذا ما حدث مع واقعة شاب «أون ذا رن» حين قامت الشابة الضحية بتسجيل تحرش شاب لها فى محطة بنزين «أون ذا رن» بالصوت والصورة لكنها اتُهِمَت بأنها تسعى للشهرة لإثارة حالة من «البلبلة» داخل المجتمع المصرى وأن الموضوع «خد حجمه أكثر من اللازم». الحقيقة أن ما طالته الشابة من ردود أفعال مشككة فيها جعلت الرسالة الضمنية كل الوضوح: كل من يسعى لكشف قباحة المجتمع فى مصر، ومواجهة هذه الظاهرة، يتم التشكيك فى روايته كأنه مريض ويتكلم عن واقع آخر بدلا من السكوت وتقبل الموضوع، «إيه يعنى قلة أدب وعدت؟ ربنا أمرنا بالستر».
للأسف هناك أفراد فى عائلتنا، نساء حتى فى بعض الأحيان، جزء من هذه المنظومة، يرفضن الاعتراف بمسألة التحرش أو العنف الجنسى كظاهرة متفشية. وأتصور أن هذا هو المرض الحقيقى. أصبح الحال اليوم فى مصر أن هناك جهدا كبيرا يبذل للخروج من المشاكل، وتبريرها، وتفنيد أسبابها، ومعالجة آثارها السلبية، بدلا من المواجهة والمصارحة وحل هذه المشاكل. فبدلا من المواجهة والمصارحة أن التحرش قضية اجتماعية، هناك من يلوم حال البلد، أو ارتفاع معدل البطالة والفقر والجهل، تغيير «سلوك الناس وأخلاقها»، «أصل ده جيل غريب مش زى أيام زمان». وكأن سمعة الرجل فى المجتمع هى سمعة البلد، ففى هذا التصور تصبح كل شابة تشكو من التحرش جزءا من مؤامرة ممنهجة تستهدف سمعة البلد. كل هذه الأعذار الواهية تنكر تفشى ظاهرة التحرش بين رجال الأعمال ومديرى شركات دولية والموظفين المرموقين فى القطاع الحكومى، منكرين مثلا ما يتعرضن له مضيفات الطائرات والسكرتيرات وموظفات ال«كول سنتر».
أتصور أن الأفضل لنا من تدوير كليشيهات مثل «اعتبرها أختك»، و«الرجولة هى حماية البنت» أن نعترف ونتصالح مع الأمر الواقع بدلا من استخدام شماعات كثيرة وأعذار، فإن كان هناك سبب لازدياد معدل التحرش أتصور أنه نتيجة التراخى والتستر على الأمر والتعامل معه على أنه «فضيحة» تدعو للتستر بدلا من تطبيق عقوبة رادعة. هل نحن بهذه القباحة؟ لست أتصور، هل أصبحنا بهذه القباحة منذ 2011؟ أيضا لست أتصور ذلك لكننا كجيل اختار أن يقف عن التستر وتقبل الواقع المزرى وقررنا أن نتحدث عما هو حولنا. فمَن مِنا لا يعلم بحادثة وزير الداخلية السابق فى عهد عبدالناصر شعراوى جمعة مع شويكار؟ إذن الأمر ليس بجديد وليس له علاقة «بحال البلد». لكنى أتصور أننا سنصبح بهذه القباحة، وأسوأ حتى، إذا لم يحدث هناك تغيير جذرى ولم يبذل جهد محترم للاعتراف بمشاكلنا كلها فى المجتمع وما فيها من مشكلة التحرش والاعتداء الجنسى على النساء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.